الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 6 / 13
الادب والفن


مع أن سعاد كانت أرملة، أصرت على أن تُزف إلى صالح بعرسٍ حافل. كمألوف العادة في العائلة، تم إحياء حفل الزفاف في منزل العريس، بينما تلبيسة الرجال أقيمت في دار زعيم الحي السابق. ولد هذا الأخير، سلو، أبهر المحتفلين برقصه حتى ساعة متأخرة من الليل. لكن عرس النساء انقضى قبل ذلك، ولم يبقَ في دار السيدة شملكان غيرها مع والدة العروس. سلفاً، كانت والدة صالح قد تأكدت من النظرة الأولى أن حماته ليست على شيمة السيدة عايدة: كانت امرأة بدينة، باردة الطبع، ما تني ملامحها محتفظة بجمال قديم.
" لدينا حجرة نوم فارغة، لو شئتِ الذهاب للرقاد "، خاطبت السيدة شملكان حماةَ ولدها. وكانت هذه قد أدهشتها، برواحها وغدوها من أمام حجرة العروسين، الكائنة في القسم العلويّ من المنزل. تساءلت والدة صالح في نفسها: " ماذا؟ هل تخشى على ابنتها من الافتراس؟ ". بيد أنها ما لبثت أن فهمت جليّة الأمر، لما انبعثت على حين فجأة صرخةُ العروس. رددت والدتها، رافعةً الرأسَ إلى السماء المدلهمة العتمة: " آه، الشكر لك يا رب "
" ما الأمر، يا أخت؟ هل ابنتك كانت ما تني عذراء؟ "، سألتها السيدة شملكان. أرادت المرأة الكلامَ، عندما فُتح البابُ بشكلٍ موارب وظهرت يدُ الرجل قابضةً على منديلٍ ملوث بالدم.

***
تعززت مكانةُ العروس عند رجلها وحماتها على حد سواء، لدرجة أن أحداً لم يطرق باب حجرة نومها في خلال عشرة أيام كي يطلب منها المشاركة في أعباء المنزل. حواء، وكانت تُعامَل دوماً على أنها امرأة ساذجة، لم تكتفِ بغض النظر عن حلول ضرة جديدة، بل وتابعت عملها في الخدمة كالسابق. أضحت عبأً على زوجها، فلم يعُد يعرف الطريقَ إلى حجرة نومها. ذات مرة، وكان قد انقضى شهران على العرس، أوقفَ آدمُ صهرَهُ لما مر بسيارته من قدام محل السمانة. بلا مقدمات، قال لصالح معاتباً: " اتقِ الله في شقيقتي، يا رجل "
" خير؟ هل شكتني لك؟ "، تساءل صالح مستعيراً ملامحَ ساذجة. آدم، الطريف الشكل والطبع، بقيَ ينظر إلى صهره مبتسماً في حزن. ذلك جعل صالح يشعر بالخجل، فقال مبرراً مسلكه مع أخت الرجل: " ياو لم تخرب الدنيا، لو اهتممتُ بامرأتي الجديدة "
" وهل ستظل هيَ عروساً إلى ما شاء الله؟ الأخرى لها حقٌ عليك أيضاً، أو سرحها بالمعروف مثلما فعلت مع غيرها "، قالها آدم حانقاً. ثم عاد يستدرك بنبرة أخف: " لا أحد ينكرُ أنك كريمٌ مع حواء، وتعاملت مع ابنتها كأنها من صلبك. لكنها امرأة شابة، مجدة ومتفانية، وليست متطلّبة. إنها تريدك أن تشعرها أنك رجلها، وهذا كل ما في الأمر "
" كلامك في محله، يا ابن العم، ولا مأخذ لي عليه. منذ هذا اليوم لن تسمع سوى أخباراً طيبة، أعدك بذلك! "، قال ذلك صالح فيما كان يعانق قريبه بودّ. لكن حدثاً جدّ بعد بضعة أيام، جعله ينشغل تماماً عما وعد به ابنَ حميه: السيدة عايدة، حضرت بنفسها إلى منزله كي تبحث معه أمرَ عودة ابنتها إلى عصمته.

***
في حقيقة الحال، أن سعاد ما كانت تقضي الوقتَ بين أحضان رجلها؛ مثلما أخذت عنها هذه الفكرة بعضُ نساء العائلة والجيران. كانت امرأة مثقفة؛ بمقياس ذلك الزمن، على الأقل. ليسَ لنيلها شهادة البروفيه، حَسْب، بل وخصوصاً لإدمانها على قراءة الكتب والاهتمام بالشأن العام. تأثرت بأبيها الراحل، وكان في حياته صحفياً مرموقاً ومن أعضاء إحدى الجمعيات السرية، المطالبة بالحكم اللا مركزي في أواخر زمن الوجود التركي ببلاد الشام. الكتبُ، وبينها كمٌ وافر من القصص المترجمة إلى العربية، جلبتها الابنة من مكتبة منزل الأسرة. في اليوم التالي لحلولها في دار زوجها، طرقت باب مخدعهما السيدةُ شملكان: " إذا أرادت امرأتك مشاركتي في صلاة الفجر، فإن عليها أن تنهضَ الآنَ للوضوء "، قالتها من وراء الباب.
" إنها متوعكة الصحة، يا أماه "، هتفَ صالحُ عقبَ هنيهة صمت. لما تكررَ التعللُ نفسه أكثر من مرة، لم تعُد الأم لتهتم بمستقبل العروس في العالم الآخر. لكنها اقتحمت عليها حجرةَ النوم في نهار أحد الأيام، وكان مضى شهران على العرس. كانت سعاد، كالعادة، تقرأ في أحد الكتب. قالت الحماةُ بنبرة صارمة: " على حَسَب علمي المحدود، فإن الكتبَ وضعها أناسٌ حكماء كي نتعلم من خلالها تدبيرَ حياتنا بشكل أفضل وأن نكون أيضاً عادلين مع الآخرين. وأنا أرى من الإجحاف، إثقالَ كاهل امرأة ابني الأخرى بجميع مشاغل البيت بينما أنتِ تقضين الوقتَ بالقراءة أو تتمتعين بالجلوس في الحديقة ". على أثر هذه المحاضرة، تغيّر نوعاً مسلكُ سعاد. أخذت تُساعد في أمور المنزل، وفي الآن نفسه، كانت لا تكف عن ملاحظة العيوب في كل مكان. من ناحية أخرى، صارت عندما تختلي مع رجلها تطرح أمامه أفكارها عن نقاب المرأة، وأنه فُرضَ فقط على نساء النبيّ. كذلك حثّته على إيجاد حلّ لوجود امرأته حواء في حياته، طالما أنه لا يطيقها.
غيرَ أن حدثَ حضور السيدة عايدة إلى الدار، بغية بحث عودة ابنتها إلى عصمة صالح، قلبَ الأمورَ رأساً على عقب. دونَ أن تأخذ رأي الابن، وكان غائباً في عمله ذلك النهار، بادرت السيدة شملكان لإعلام الضيفة بالموافقة الفورية، قائلةً: " مليحة في وسعها المجيء للدار منذ اليوم، وسأرسل ابني حال رجوعه من العمل كي يأتي بها بالسيارة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل