الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...

مروان صباح

2020 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


/ العودة إلى الوراء ، تتيح للعائد التعرف على كيفية إنشاء العقل السليم في الجسم السليم ، وبالتالي لكي يتحقق ذلك لا بد من الاهتمام بجهاز المناعة جيداً ، وللمرء ذاته أن يتبصر ، ما هي الأسباب التى تساعد في نمو الجسم وتبقي العقل على طفوليته ، وحسب الإحصائيات الرسمية والموثقة في وزارة السياحة الفرنسية ، فإن عدد زائرين برج ايفل الواقع بجانب حديقة شامب دي مارس بالعاصمة الفرنسية باريس يتجاوز سبعة ملايين إنسان سنوياً ، وقد وصل ايضاً العدد الكلي منذ إنشائه عام 1889م إلى300 مليون زائر ، ومازال حتى الآن ، الهدف المصرح رسمياً من وراء بنائه هو الذكرى المئوية للثورة الفرنسية وبالتالي الزوار على الأغلب ليسوا لهم أي علاقة بالثورات أو الديمقراطيات أو الحريات ، بل لا يعلمون لماذا يُطلق عليه أسم ( ايفل ) ، وهي مناسبة لكي نكشف عن إرتباط أسم البرج بمهندسه الذي أشرف على تصميمه وبنائه ( غوستاف ايفل ) ، وبالرغم من رمزية الثورة لكن هناك قاعدة ثابتة من المغزى الحقيقي لبنائه ، بالطبع إذ جاز لنا قول هذا ، فمن جميع أطراف باريس يمكن رؤية البرج لكن عندما يدخل الزائر داخله تنقطع رؤيته ، إذن سحر الفكرة ، كانت وتبقى كأحد أسباب حب الناس الوصول له وزيارته ، وبالتالي تحول مع الوقت إلى مكان أشبه بالحجيج ، يحج له الناس دون معرفتهم لماذا ، لكن ما يعنينا من أصل الفكرة ، فقد كان قبل ذلك بمائة عام تقريباً ، المهندس والعالم الإجتماعي جيمرين بنثام واضع فكرة بانوبيتكيون ( Panopticon ) فكرة السجن والتى تُختصر هكذا ، تأثير قوة العقل على العقل ، وبالتالي يتم بناء برج المراقبة في منتصف السجن ليتحول إلى بقعة مركزية قادرة على رؤية المساجين ، في حين الآخرين لا يستطيعون رؤيه من في داخله ، على الرغم ، أن أعلى البرج يبقى في ظلمة تامة لكي تتعزز قوة العقل على عقل الآخر ، فيصبح السجين يعيش في حالة شعور دائمة بأنه مراقب ، إذن بذلك تعززت لديه يوم بعد الآخر فكرة سلطة السلطة ، وهذا بالفعل تم نقله تدريجياً إلى التعليم ، فالمعلم يقوم بشكل أو بآخر من خلال ممارساته اليومية وعلى الأخص أثناء الامتحانات بنفس الدور المناط للسلطة ، ليصبح ايضاً للمعلم سلطة داخل جدران التعليم ، المراقب الدائم ، إذن تمرير مفهوم الرقابة السلطوية إلى التعليم ، أدى دون أن يعلم المُمرر ، التغيرات الجوهرية على الأهداف الأساسية للتعليم ، وبالتالي جميع من في السجون يتم التعامل معهم على أساس منظور واحد دون النظر إلى الأبعاد المتنوعة للنزلاء ، بل مع الوقت تبدأ عملية الفرز الذي يضع ايضاً الجميع بين ثنائية الموجب والسالب ، وبالتالي هذا التصنيف انتقل إلى السجون التعليمية ، فالطلاب يتم تصنيفهم ضمن ثُنائية بليدة وعاجزة وغير قادرة على البحث بتلك القدرات المختبئة ، لأن التعليم ينطلق من محددين لا ثلاث لهما ، لقد زُرع ببساطة الانحراف ، وهذا الانحراف حرم فئة كاملة من الفرص ووضعها ضمن تصنيف الكسل ، بل لا رجاء منها ، وهذا الانحراف يتعزز بشكل باطني داخل هؤلاء ويكبر مع العمر ويتأصل مع الوقت ، وبالتالي في كل مرة يتاح لأي فرد من هذه الفئة فرصة ، يذكره عالمه الباطني ، بأنه كسول وغبي ، لا فائدة من الفرصة التى اتيحت له ، لأن السلطة التعليمية قد دجنته على مقايس محددة مسبقاً ، بثنائية الذكي والغبي ، فأصبح باطنه الداخلي يردد أتوماتيكياً بأنه غبي لا يصلح لشيء .

لقد بدأ عالم التعليم الحديث بالطبلة والمزمار ، وبالرغم أنه يوصف بالحديث ، إلا أنه قام على منطق الخوف والرعب ، فبين جدران التعليم يوجد سلطة ورقابة ، ايضاً في المقابل ، توجد رقابة أخطر في البيوت ، هناك حالة من الاستنفار الدائم ، بل أثناء الامتحانات تتوقف عجلة الحياة تماماً وتتحول حياة الناس أشبه بالجحيم ، وببساطة يمكن للمراقب استنتاج الهدف الأساسي من وراء اختصار التعليم على هذا الشكل ، بالطبع المطلوب عدم وصول المتعلم للمعرفة بقدر أن المقاصد الحقيقية من التعليم ، هو تكريس سلطة الرعب منذ الصغر وفي كافة المجالات ومنها التعليم وبالتالي هذا التأسيس يكفل في تمكين المتعلم من الحصول على المعلومة ، التى تكفل الأخيرة بإذابة العلم كما تذوب حبة السكر في كوب الشاي ، بل تنحصر عملية التعليم في يومين ، يوم الامتحان ويوم آخر بصدور النتائج ( يوم يكرم فيه المرء أو يهان ) ، وكما تنهال وعود الحكومات في تبني خريجو الجامعات والكليات في القطاع العام والخاص ، تماماً كما كان يحصل مع النظام الشيوعي ، ايضاً كانت العائلة ومازالت تقدم وعود لأبناءها الناجحين بتقديم لهم ميزات من الصعب في كثير من الأحيان الوفاء في تطبيقها ، وبالتالي يكتشف الطالب مع الأيام بأن السلطة التى كان يرتعد منها ليست سوى وهم كما هو الحال مع برج المراقبة في السجون ، قد يكون هناك شخص يراقب المساجين أو ربما ، يخلو البرج تماماً من الرقيب ، إذن الخلاصة ، لقد أمضى السجين عمره في السجن متخوفاً من الرقيب في حين كانت هناك فرص للحرية .

في كل الأوقات ، لم تكن عملية إصلاح التعليم بالأمر الهين ، وهذا ينطبق أيضاً في المجال السياسي ، فالأنظمة السلطوية لا تقبل التغير إلا إذا تعرضت لانتفاضات كبرى ، وحسب التجربة ، هناك حركات تصحيحية صححت مسار الدول واستمرت في عمليات التطوير ، وكثير من الثورات إنتهى أمرها بجلب الكوارث ، لكن المشتغلون في مجال التعليم أطلقوا رسائل عديدة تشير بضرورة إعادة النظر بالعملية برمبتها ، أي بضرورة إخراج التعليم من منظومة الخوف والقلق ونقله بالقدر الممكن من مربع المعلومات إلى المرجع المعرفي ، مع الأخذ بالاعتبار لإعادة نفض الثنائية التقليدية التى تختزل الطلاب بين ذكي وغبي ، فقد عمد قلة من المفكرون العالم على تفسير عمليات التعليم وتفرعاته ، الذي تأسس على إطار الامتحان ( الخوف والقلق ) وقد أعتبر ذلك أداء من أدوات السلطة الناعمة التى تستخدمها الحكومات من أجل السيطرة على الشعوب ، وبالتالي أصبح للعائلة سلطة ايضاً مبنية على الوعود الكاذبة ، والتهرب من الوفاء بوعودها ، وهذه السلطة بالأصل إحدى إنتاجات التعليم الحكومي ، فالسلطة لديها سلطة النجاح والفشل وإجازة الطالب وعدم إجازته ، إذن المعادلة تحولت هكذا ، أينما توجد سلطة توجد معلومة واينما توجد حرية توجد معرفة ، بل ايضاً لقد أخذ التعليم من الجيوش والسجون اختزالات مشابة ، فأصبح هناك طابور صباحي تماماً كما هو في الاستعراضات العسكرية ، فبدل أن تكون تلك الطوابير ركن صغير من العملية التعليمية ، تحولت إلى ركيزة أساسية لفرض سلطة الضبط والعقوبة ، دون الالتفات للأهداف الأصلية ، وبالتالي تشير جميع الدلالات بأن التعليم المبني على المعلومة فقط ، يؤسس إلى سلطة الرقابة والضبط من أجل ممارسة السلطة على الآخرين ، لكن سرعان ما ينكشف حالها في أول مواجهة فعلية ، وكلما أنتج التعليم ناس معلوماتيين ، أتاح للسلطة إستخدام مزيد من الهيمنة على المجتمع مع تضخم الوعود وعدم الوفاء بذلك والتخلف .

هناك فوارق بين الأبراج التى تقام هنا وهناك ، منها معرفية ، وأكثرها رقابية ، في النهاية تهدف جميعها للتحكم بالناس وضبط إيقاعهم ، وايضاً هناك أبراج تحصيلية كما هو برج ايفل ، الذي استهلك مليونين ونصف المليون مسمار حديد في بنائه ، لكن تبقى غرفة مؤسس الفكرة ، المهندس ايفل التى خصصها له شخصياً تعتبر أعلى نقطة في العاصمة ( هي الأساس ) ، تتيح لساكنها ، أن يرى الجميع والجميع لا يراه ، فالبرج اليوم يدر سنوياً أموالاً لخزينة الحكومة بملايين الدولارات ، وقد كان فرعون أمر هامان ببناء الاهرامات لكي يبلغ الأسباب ، وبالرغم من اختراق البشرية للغلاف الجوي ، ووصول الإنسان إلى الفضاء الخارجي ، إلا في كل مرحلة يسارع في إعادة حصر الفكرة في المراقبة ، بالأمس كانت المراقبة من خلال بناء برج عالي ، واليوم تطلق أقمار اصطناعية تدور في الفضاء الخارجي حول الأرض لمراقبة كل شاردة وواردة لكل من هو عليها ، وبالتالي هناك شعور لدي الفرد يتعزز يوم بعد الآخر ، بأن الأرض تحولت بالكامل إلى سجن ومعلومة ، إذن ليس غريباً ، أن لا يِسّلم التعليم من أنماط الرقابة والضبط والخوف والقلق التى جميعها تتكفل من إنتاج أفراد معلوماتهم كحبة السكر مع اختزال الناس بين ثنائية الذكاء والغباء ، في المقابل ، المعرفة تتولى أتوماتيكياً إنتاج سلطة عُليا ، وهذه السلطة تسيطر على السلطات التى اختزلت نفسها بالمعلومة ، لهذا نشاهد احياناً أشخاص تمكنوا من المعرفة التى جعلتهم أهم من الدول التى يعيشون فيها ، فالعالم تطور تطوراً كبيراً وبفضل التكنولوجيا ، تحرروا الناس إلى حد كبير من الرقابة وبالتالي انكسرت ثنائية الذكي والغبي ، وأتاحت شبكة العنكبوتية ومرفقاتها للآخرين تحرير أنفسهم من التعليم التقليدي وإكتشاف أنفسهم ، وهذه المعرفة حررت المجتمعات من الحياة التقليدية ، لتصبح البشرية منقسمة بين الأرض والفضاء الخارجي والعالم الافتراضي ، الذي يوشك أن يصبح هو العالم الحقيقي من شدة بلادة من يمشون على الأرض . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال


.. عبر الخريطة التفاعلية.. تحركات عسكرية لفصائل المقاومة في قطا




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس


.. قصف إسرائيلي على حي الصبرة جنوب مدنية غزة يخلف شهداء وجرحى




.. مظاهرة في العالصمة الأردنية عمان تنديدا باستمرار حرب إسرائيل