الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 4

دلور ميقري

2020 / 6 / 14
الادب والفن


سعاد، بعقليتها المتحررة، كانت مؤمنة بأن المنزل لا يتسع سوى لزوجة واحدة. لاحَ أن صالح قد اقتنع بوجهة النظر هذه، ويستعد لإرسال امرأته الأخرى إلى أسرتها، حينَ أجبرته والدته على الذهاب إلى الصالحية لإعادة طليقته مليحة. هذه الأخيرة، كانت على عكس حواء؛ السمراء غير الجميلة، والخجولة جداً. فما أسرع أن اصطدمت سعاد مع القادمة الجديدة، المبهرة الحُسن والتي لا تحسب حساباً لما تفعله. بدأت مليحة أولاً بتحويل المنزل إلى النظام القديم، عابثةً بالترتيبات الجديدة لضرّتها وبالأخص في الحديقة. لما احتدم الجدل بينهما، تدخلت السيدة شملكان لتأمرَ كلتاهما بالتزام حجرتيهما.
" أريد منك أن تنقلني إلى منزل آخر، لأنه محالٌ عليّ العيش مع مليحة "، فاجأت سعاد رجلها بهذا القول حالما اجتمعا في حجرة نومهما. رد عليها، متكلفاً الابتسام: " هل سأستأجر لك منزلاً، وهذه الدار تتسع لعشيرة؟ "
" لا شأن لي بعشيرتك، مثلما أنني أعلم بأنك تملك منزلين آخرين "
" آه، لحقتِ أيضاً أن تجمعي المعلومات عن عقاراتي! "، قالها بنبرة ساخرة. ثم أردفَ بشيء من الحزم: " حتى لو كان لديّ القدرة المادية على فتح منزلين، فإن الأصول تمنعني من تركك تعيشين وحيدة "
" إذاً أنتقل للعيش مع والدتي في دارها، وأنا أرضى بأربعة أيام تقضيها معي كل أسبوع "
" كيف أربعة أيام بالأسبوع، ولديّ امرأتان غيرك؟ "
" لكنك كنتَ في سبيلك لتطليق حواء، أليسَ صحيحاً؟ "، ذكّرته بما سبقَ ووعدها بذلك قبيل عودة مليحة. طفقَ يستجمع فكره، بعدما تبلبل في خضم هذه المناقشة. برغم أنه لم يشعر بالحب تجاه تلك المرأة، لكنه كان يشفق عليها وعلى ابنتها الصغيرة. تنهّد وهوَ يرد، كاذباً: " حواء حامل، ولن أدع طفلي يحيا تحت رحمة الأغراب ". ثم استدركَ عندما همّت امرأته بمقاطعته: " الحل الوحيد، الذي في وسعي تقديمه لهذه المعضلة، هوَ أن تستقلي بنفسك في البيت التحتاني. سنعيد المطبخ القديم للخدمة، وبذلك لا يكون سبيلٌ لأيّ من نساء الدار على الاحتكاك بك ". لم تعلّق سعاد على الاقتراح، ولم ترفع بصرها إلى صاحبه. انشرح صدر صالح نوعاً ما، وما لبثَ أن غادر الحجرة كي يُبلغ والدته بالترتيب الجديد للدار.

***
في ظهيرة اليوم التالي، آبَ صالح من عمله وركن السيارة في مكانها المعتاد بإزاء باب حديقة الدار، الخارجيّ. شاء أن يلج إلى الداخل من ذلك الباب، المفضي إلى البيت التحتانيّ. لقد تصوّر المكانَ على شكله الجديد، وأن سعاد لا بد واهتمت به على أكمل وجه، كونها ستستقل فيه لوحدها. بيد أنه مرّ في طريقه بالمطبخ القديم، وكانت خيوط العنكبوت ما تفتأ منسوجة على إحدى زواياه. فكّرَ في نفسه: " لعلها لم تلحق انجاز العمل هنا ". ارتقى من ثم الدرجَ إلى البيت الفوقاني، ليجد والدته جالسة على حصيرة عند مدخل المطبخ.
قالت السيدة شملكان لابنها: " سعاد تركت الدارَ عقبَ خروجك صباحاً للعمل، وطلبت مني إبلاغك أن توافيها في دار والدتها ". ظل صالح مذهولاً لحظات، لحين أن نبهته ضجة امرأته مليحة وهيَ تخرج من المطبخ. خاطبته هذه بلهجتها المعهودة، غير المقيمة وزناً لأحد: " ما بك وقفتَ بلا حول، كأنما حلّت مصيبة؟ "
رد عليها الرجلُ، محتداً: " أصلاً وجودك في الدار، مصيبة لوحده! "
" لِمَ لا تُهرع إليها، إذاً، كي تعيدها لتأمر وتنهي كأنها سلطانة يلدز؟ "
" عودي إلى عملك، لألا أصبَّ غضبي كله عليكِ "، صرخَ وقد خرجَ عن طوره. عند ذلك، تراجعت مليحة إلى الخلف بسرعة وتوارت داخل المطبخ. رنت إليه والدته، ثم سألته ورنّة حزن يشوب صوتها: " ستذهب لتحاول إعادة سعاد، أليسَ كذلك؟ ". هز رأسه بغموض دونَ أن يملك جواباً. وما عتمَ أن سارَ نحو حجرة نوم المرأة التي هجرته، ليختفي بدَوره داخلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل