الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ٱلعلمانية مفهوم يحرف ٱلإدراك ويلغو فيه
سمير إبراهيم خليل حسن
2006 / 7 / 1ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
كان مفهوم ٱلسيكيولاريزم secularism (ٱلدنيوية) قد بدأ يظهر تأثيره عند ٱلمفكرين من أبنآء ٱللّغة ٱلفصحى مع ٱلحملة ٱلفرنسية وما تبعها من ٱلحملات ٱلأوروبية ٱلتى كان لها تأثيرها فى ٱلحياة ٱلفكرية وٱلاجتماعية وٱلسياسية فى جميع أراضى ٱلأمبرطورية ٱلعثمانية.
وقد أراد ٱلذين هيمنوا على علم ٱلِّسان وعلى علم ٱلدين فى بلاد ٱلشام (من أبنآء ٱللّغة ٱلفصحى ومعهم ٱلعاملون فى ٱلمسآئل ٱلفكرية ٱلمختلفة وعلى ٱلأخص رجال ٱلكهنوت ٱلدينى وٱلقومىّ منهم) أن تدل كلمة "علمانية" على مفهوم "ٱلحياة ٱلدنيا" ٱلذى تدل عليه كلمة secularism. وقد جآء ٱولـٰۤئك بكلمة "علمانية" ٱلمحرّفة لتحمل مفهوم كلمة سيكيولاريزم فى لسانهم ٱللاغى ٱعتمادا على ما وجدوه من لغو فى كلمة "عالَم" فى معاجم ٱللّغة ومنها ٱلمعجم ٱلوسيط: "عالَم: الخلق كلُّه. كلُّ ما حواه بطن الفلك. كل صنف من أصناف الخلق. كعالم الحيوان، وعالم النبات (ج) عَوالِم، وعالَمون".
لقد حُرفت كلمة "عالَم" فى ٱلمعاجم عن موضعها ونُقلت إلى موضع مفهوم "الخلق كلُّه. كلُّ ما حواه بطن الفلك". وهو ما كان صناع ٱلمعاجم يريدونه من مفهوم "ٱلحياة ٱلدنيا" ٱلذى ورد فى لسان ٱلقرءان ٱلعربى وٱلذى يقابله فيه مفهوم "ٱلحياة ٱلأخرة". وبهٰذا ٱللغو وٱلتحريف ٱلمثبت فى ٱلمعاجم جرى نقل مفهوم كلمة سيكيولاريزم إلى لسان ٱللّغة بكلمة عَلمانية. وبها صار ٱلبعض من أبنآئها يظن أنها تدل على ٱلدنيوية وٱلبعض ٱلأخر يظن أنها تدل على ٱلعلمية. وقد أخذ مفهوم هذه ٱلكلمة ٱلمحرّف يفعل بٱلظنون ويحتلّ مكانا بارزا لدى ٱلمفكرين وٱلسياسيين فى بلادنا وما زال على مكانه وفعله ٱلظنىّ إلى ٱليوم. وبهذا ٱلعمل ٱلتحريفىّ صارت كلمة "عَلمانية" تبتعد بإدراك ٱلمتلقّى عمّا يراد بها من دليلٍ وتحرفه إلىۤ أمرٍ يظن أنّه يتعلق بٱلعلم.
ولإظهار مسألة ٱلتحريف فىۤ أصل كلمة علمانية نظرت فى كتاب ٱللّه وفيه ٱلقول "ربُّ ٱلعَٰلَمِين". وٱسم "ٱٰلعالَمين" يدل على ٱسم جمع لاسم مفرد هو "عَالَم". وكنت فى كتابى ٱلثانى "منهاج ٱلعلوم" قد تناولت دليل كلمة ٱلفعل "عَلَمَ" ورأيت أنّ دليل ٱلاسم "عَلَم" من دليله. وظهر لىۤ أنّ ٱسم "عَالَم" (وهو ٱلأصل لكلمة علمانية ٱلمحرّفة) يدل على جمع أشخاص وليس على "ٱلحياة ٱلدنيا". كما ظهر لىۤ أنّ "ٱلعَالَمَ" ٱلذى يطيع ٱلأمر ٱلعربى ويسير فى ٱلأرض ينظر كيف بدأ ٱلخلق ويقرأ بٱسم ربِّه ٱلذى خلق يُوصل بنفسَه لاكتساب ٱلاسم "عَالِمٍ" وٱسم جمعه "علمآء".
ورأيت أنّ "ٱلعالَمَ" كان "عَلَمًا" بهيمًا قبل نفخ ٱلروح وأنّ ٱسم ٱلجمع له "علامات". ويدلنى ٱلثور (ءّالِف "ا") فى كلمة "عَالَم" على فعل ٱلروح ٱلمنفوخ فى نفس ٱلعَلَمِ ٱلبهيم. وهو فى ٱلكلمة يمسك بعينها يثير ويُهيّج نظرها ويجعلها تستطيع ٱلسير وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق وتقرأ ما نظرته وتبيّنه. فـ ٱلعَالَم ٱسم فرد وليس ٱسم للحياة ٱلدنيا ٱلتى تدل عليها كلمة سيكيولاريزم.
كذلك نقل أبنآء ٱللّغة ٱلفصحى ٱلقول ٱلانكليزى: Separation of church and stat بٱلقول (فصل ٱلدين عن ٱلدولة). وٱلصواب فى نقله بٱلقول (فصل ٱلمؤسسات ٱلطآئفية أو ٱلكنيسة عن مؤسسات ٱلدولة). وهذا ٱلعمل هو ٱلأخر من أعمال ٱللَّغو وٱلتحريف للكلم عن مواضعه. وهو مثلُ كثيرٍ من أعمال ٱللّغو وٱلتحريف ٱلجارية فى ٱللّغة ٱلفصحى (مقالى ٱللّغة ٱلفصحى لسان باطل).
وبسبب ٱلنقل ٱلمحرّف وبسبب ٱللّغو ٱلجارى صار لمفهوم ٱلسيكيولاريزم نشأة عندنا تختلف فى جميع جوانبها عن نشأته فى ٱلغرب.
إنّ كلمة secularism فى لسان ٱلانكليز تدل على ما هو دنيوىّ. وتدل كمفهوم فكرى وسياسى علىۤ أن سلطة ٱلدولة تهتم بشؤون ٱلناس وحاجاتهم للعيش فى ٱلحياة ٱلدنيا من دون ربط لتوجهاتها وتشريعاتها بمفهوم ٱلحياة ٱلأخرة. وقد كان مثل هذا ٱلمفهوم ٱلفكرى وٱلسياسى من ٱلمفاهيم ٱلتى لا تقبل به سلطة ٱلكنيسة فى ٱلقارة ٱلأوروبية حتى ٱنهارت سلطتها بفعل ٱلحروب ٱلدينية فىۤ أوروبا ٱلتى ٱنتهت بصلح وستفاليا عام 1648.
أما نشأة هذا ٱلمفهوم فى ٱلحياة ٱلفكرية وٱلسياسية ٱلأوروبية فقد بدأت مع أحداث حركة ٱلاحتجاج ٱلدينى "ٱلبروتستانت" Protestant ٱلذىۤ أطلقه "مارتن لوثر" فىۤ ألمانيا عام 1517. وصار من بعدها مفهوم ٱلسيكيولاريزم من ٱلمفاهيم ٱلفكرية وٱلسياسية ٱلتى توجّه ٱلسلطة من بعد صلح وستفاليا فى دول قومية وعلى جميع ٱلأرض ٱلأوروبية.
ومن ٱلمسآئل ٱلتى عززها هذا ٱلمفهوم فى حياة ٱلإنسان ٱلأوروبى تأتى على رأسها مسألة ٱلحرية ٱلشخصية للفرد. وكذلك مسألة إنهآء صيطرة وهيمنة ٱلكنيسة عليه وعلى سلطة ٱلدولة وعلى ٱلمجتمع وتشريعاته وتوجهاته ٱلنظرية وٱلعلمية. وبذلك صار فصل ٱلكنيسة عن ٱلدولة أمر قآئم ومطلب إنسانى يقوم على مسئولية ٱلفرد أمام ربه من دون تدخل فى تلك ٱلمسئولية. فهو صاحب حقوق وعليه واجبات فى ٱلمجتمع ٱلذى يعيش فيه بموجب ميثاق ٱجتماعى يحمى تلك ٱلحقوق وٱلواجبات. وصارت ٱلحياة ٱلسياسية وٱلسلطوية فى ٱلمجتمع تخضع لإرادة ٱلناس وحقوقهم ومصالحهم.
لقد هيمنت ٱلسلطة ٱلكهنوتية للكنيسة فترة طويلة على ٱلحياة فىۤ أوروبا. ونشرت فيها ما يعرف بعصر ٱلظلمات. وسوآء ءكانت سلطة ٱلكهنوت هناك وهنا تقوم بٱسم ٱلمسيحية أم بٱسم ٱلإسلام أو غيرهما فهى صيطرة كهنة بٱسم ٱلدين. وٱلكاهن هو ٱسم لبشر ٱنتشر فى نفسه مرض ٱلوسواس ٱلخناس. وهو مرض يجعل ٱلمصاب به يستند فى بنآء مفاهيمه على ٱلظنون ويبتعد به عن ٱلعلم فى ٱلحقِّ. ويبدأ ظهور ٱلمرض فى نفسه فى عرض مفاهيمه شعرًا. ثمّ يتطور ٱلمرض فى نفسه إلىۤ أن يوصل بقوله إلى ٱلجنون. وهو ما يبينه كتاب ٱللّه فى تفريقه بين قوله ٱلعربىّ ٱلمبين وقول ٱلشاعر وقول ٱلكاهن:
"وما هو بِقَولِ شاعِرٍ قَلِيلا مَّا تُؤمِنُونَ(41) ولا بِقَولِ كاهِنٍ قَليلا مَّا تَذَكَّرون(42)" ٱلحآقَّة.
فقول ٱلشاعر يأتى مندفعا بقوة مشاعره لا بقوة نظره وبحثه وتفكيره بما يقرأه بٱسم ربِّه فى ٱلحقِّ ويطمئنّ إليه. وهو قول مريضٍ فى نفسه يصدق مشاعره فلا يرى حاجة إلى ٱلثقة وٱلاطمئنان فيما يقول.
أما قول ٱلكاهن فهو قول مَن صار ٱلمرض فى نفسه أكبر من مرض ٱلشاعر. بسبب توغله ٱلبعيد فى ٱلظنون وٱلتخريص. وهذا يجعله قليل ٱلتذكر ويقوى فى نفسه مرض ٱلوسواس ٱلخناس فيتوجّه إلى غلق جميع سبل ٱلنظر وٱلعلم فى ٱلحقِّ ٱلتى لا يدرك ٱلسير عليها. ويملأُ ٱلرَّيبُ قلبَه بٱلظنون وٱلتخريص. وبها يعادى دين ٱللّه ويعادى ٱلعلم فيه:
"فذكِّر فماۤ أنت بنعمة ربِّك بكاهنٍ ولا مجنون" 29 ٱلطور.
وهو بقوّة مرض ٱلوسواس ٱلخناس يسعى ليتحكم بمفاهيم ومصاۤئر ٱلناس فى ٱلمجتمع. ويسعى ليكرههم على ٱتباع ما يظنه دينا مخالفا ٱلبيان ٱلعربى فى كتاب ٱللّه:
"وقُل ٱلحقُّ مِن رَّبِّكم فَمَن شآء فَليُؤمِن ومَن شآءَ فَليكفُر" 29 ٱلكهف.
"قُل يٰۤأيُّها ٱلكٰفرونَ/1/ لآ أعبُدُ ما تعبُدُونَ/2/ ولآ أنتم عٰبدون مآ أعبُدُ/3/ ولآ أناْ عابِد مَّا عَبَدتُم/4/ ولآ أنتُم عٰبِدونَ ماۤ أعبُدُ/5/ لكُم دِينُكُم وَلِىَ دِينِ/6/" ٱلكافرون.
وهو لا يعترف بأهلية (وطنية فى لغو ٱللّغة) مَن لا يتبع ظنونه وتخريصه فى ٱلبلاد ولا بحقوقه فى ٱتباع ٱلشرعة ٱلتى يريد كما يبيّن كتاب ٱللَّه:
"لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً ومِنهاجًا ولو شَآء ٱللَّه لَجعَلَكُم أُمَّةً وٰحِدةً ولكن لِيبلُوَكُم فى مآ ءَاتٰٰكُم فاستَبِقُوا ٱلخيراتِ إلى ٱللَّه مرجِعُكُم جَمِيعاً فَيُنبِئُكُم بِمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُون" 48 ٱلمائدة.
أمّا ما ورد فى كتاب ٱللّه من توجيه وبيان فهو ٱلذىۤ أراده مارتن لوثر فى ٱحتجاجه ٱلدينى. وهو ماۤ أراده ٱلتنويريون ٱلأوروبيون من مفهوم ٱلسيكيولاريزم. وكان تطور مفاهيم ٱلناس فىۤ أوروبا وتطور علمهم وصناعتهم هو ٱلذى جعلهم يسعون لاستبدال سلطة ٱلكاهن ٱلمجنون بسلطة أشخاص سليمين من مرض ٱلوسواس ٱلخناس وجنون صاحبه. وقد توصلوۤا إلى سلطة تهتم بٱلحياة ٱلدنيا وتمنع ٱلتدخل بين ٱلمرء وربه. وتترك له وحده مسئوليته عن عيشه وتطوره فى ٱلحياة ٱلدنيا وعن حظه فى ٱلحياة ٱلأخرة. وهذه ٱلسلطة ٱختارت ٱلانصراف إلى ٱلاهتمام بحماية حقوق ٱلفرد فى عيشه وتطوره ٱلعلمى وٱلمعرفى فى ٱلحياة ٱلدنيا وحدها. فلا تتدخل بما يتبع من منهاج يتعلق بحظه فى ٱلحياة ٱلأخرة. وبهذا تكون هذه ٱلسلطة قد فصلت بين ٱتباع ٱلشخص لمنهاج دينى وٱتباعه لمنهاج سياسى ٱجتماعى. وهى لا تنكر عليه حقه فى ٱلإيمان بما يشآء من دين أو حقه فىۤ أن يكون ملحدا.
هذه ٱلسلطة بمنهاجها ٱلسياسى وٱلاجتماعى أظهرت وصولهاۤ إلى طور دولة ٱلمدينة بفعل ٱلتطور لا بفعل ٱلهداية ٱلرّسولية. وهى كانت ٱختارت مفهوم ٱلسيكيولاريزم لتطلقه على نفسها وتعلن به عن ٱهتمام مؤسسات ٱلدولة بٱلحياة ٱلدنيا وحاجاتها وتترك مفهوم ٱلحياة ٱلأخرة للأشخاص. وبذلك أرىۤ أن مفهوم ٱلسيكيولاريزم ٱلمؤسس لسلطة ٱلدولة ٱلأوروبية جآء يوافق أركان ٱلدين ٱلأساس فى كتاب ٱللّه ٱلقرءان وأولها ٱلركن "لآ إكراه فى ٱلدين".
وكان أول تأثير لمفهوم ٱلسيكيولاريزم خارج أوروبا قد ظهر فى تركيا بٱنقلاب عسكرى علىۤ أثر سقوط سلطة ٱلطاغوت ٱلعثمانى فى ٱلحرب ٱلكونية ٱلأولى. وعلى ٱلرغم من ٱلزعم بٱلحياد ٱلقومى وٱلدينى لهذه ٱلسلطة ٱلعسكرية ٱلمتأثرة بمفهوم ٱلسيكيولاريزم إلاۤ أن رجالهاۤ أطلقوا ٱسم تركيا علىۤ أرض ميديا وأرض كيليكيا وأرض ٱسكندرون وأرض ٱلأناضول وكذلك على ٱلسلطة ٱلجديدة فيها. وٱسم ترك هو لقوم يحيا معهم علىۤ أرض مشتركة كلّ من ٱلكورد وٱلعرب وٱلتركمان وٱليونان. وكان هذاۤ أول مظاهر كذب ٱلعسكريين ٱلأتراك فيما يزعمون.
وحدث فى مصر ٱنقلاب مثله على سلطة ٱلملك فيها. وكان ٱلعسكريون ٱلمصريون من دعاة مفهوم ٱلسيكيولاريزم ٱلمحرّف بكلمة علمانية وٱلمقترنة بفكرة ٱلقومية ٱلعربية ناكرين على غير ٱلعرب فى مصر حقوقهم ٱلقومية. وحدث مثل ذلك فى ٱلجزآئر وفى ٱلعراق وفى سوريا وفى ليبيا وفى ٱلسودان وفى ٱلصومال وفى ٱليمن. وٱنتهت جميع هذه ٱلانقلابات فى وثنية (مستنقع) سلطة ٱلطاغوت ٱلفكرى وٱلسياسى ٱلقومى وحتى ٱلطآئفى وٱلعآئلى. وكانت تركيا ٱستثنآءً نسبيًّا من هذه ٱلوثنية (ٱلمستنقع). فقد أثَّر فيها ٱرتباطها بٱلغرب وطول علاقتها ٱلسياسية وٱلعسكرية مع أمريكا وحلف شمالى ٱلأطلسى. أما بقية ٱلانقلابات فقد ٱرتبطت جميعها بطاغوت ٱلشيوعية ٱلسوفيتية فتعطلت جميع سبل ٱلتطور فى مجتمعاتها وتوسعت ٱلفجوة ٱلتطورية بينها وبين ٱلمجتمعات ٱلمدينية (ٱلبورجوازية) فى جميع ٱلأرض.
لقد تابع أصحاب مفهوم ٱلعلمانية فى بلادنا مفهومهم ٱلمحرّف إلى جانب مفهوم ٱلقومية ٱليهودى. وأقاموا سلطة ما يسمى نخبة قومية قريشية (سلفية يهودية) نهجت منهاج ٱلدكتاتورية ومنعت ٱلتطور فى جميع جوانب عيشنا. وٱنتهكت بفظاظة حقوق ٱلإنسان ومنعت بغلاظة ٱلحريات ٱلشخصية ودمّرت عيش ٱلقرية وقطعت ٱلسبيل على مفهوم ٱلمدينة.
لقد زعم أصحاب مفهوم ٱلعلمانية فى بلادناۤ أنهم يسعون لإقامة دولة قومية ومجتمع لا يرتبطان مع مفاهيم ومواقف دينية. وزعموا ٱلفصل بين تكوين ٱلدولة وهيمنة مفاهيم ٱلدين بكلِّ ألوانها وشُعبها عليها. وكان شعارهم "ٱلدين للّه وٱلوطن للجميع" هو إعلانهم عما يزعمون. إلاۤ أنّ عدد ووزن ٱلكهنوت فى دولة ٱلقوم قد ٱزداد وطغى على ٱلدين وعلى ٱلناس وعلى تعليمهم. وصارت دولتهم ٱلقومية هى ٱلأكثر يهودية فى تاريخ ٱلناس.
أما أصحاب فكرة ٱلسيكيولاريزم فى ٱلغرب فقد أرادوا من فكرتهم ٱلمحمولة بكلمة ٱلسيكيولاريزم دولة مدينية لا تخضع لسلطة وصيطرة ٱلكنيسة. وهم لم يعلنوۤا أنّ دولة ٱلسيكيولاريزم ملحدة وتمنع ٱلدين. إلاۤ أنهم أعلنوۤا أنّ ٱلفرد هو إنسان حرّ ومسئول عن ٱختياره وأنّ ٱلدولة ترعى حقّ ٱلأفراد فى ٱختياراتهم مؤمنة كانت أم ملحدة. كما ترعى حقّ ٱلجماعات ٱلقومية ٱلمختلفة فى لسانهم ٱلخاص. وحقّ ٱلطوآئف ٱلدينية ٱلمختلفة فى مناسكها.
وكنت فى مقال "ٱلتحريف وأثره على ٱلإدراك" قد عرضت لتأثير ٱلتحريف على ٱلإدراك. وسبق لى وتسآءلت فى مقال "فصل ٱلدولة عن ٱلدِّين" هل يمكن حقًّا فصل ٱلدولة عن ٱلدِّين؟
وبعد أن عرضت لمفهومى عن ٱلدين بعيدا عن تأثير ٱلتحريف قلت ما رأيته أنه لا فصل للدولة ٱلمدينيّة عن ٱلدِّين. وأن ميثاق ٱلدولة ٱلمدينية هو دينها ٱلذى يحكم سنَّ ٱلتشريع فيها. ورأيت أنّ ٱسم ٱلمدينة وميثاقها وسلطة دولتها يأتى من ٱسم ٱلدِّين وميثاقه. وأن ٱلفصل ٱلمطلوب عن ٱلدولة ومؤسساتها هو للمؤسسات ٱلطآئفية وليس للدين. فٱلدين هو ناموس ٱلحقّ substantive law (ٱلقوانين ٱلموضوعية فى ٱللغة). ومَن ينفصل عن هذا ٱلدين يضيع عن ٱلحقِّ. وهو ما فعله ٱلكهنوت فىۤ أوروبا فصنعوا ٱلظلم وٱلظلمات فيها. وبسقوط سلطتهم وصيطرتهم بدأ ٱلنور بٱلانتشار فىۤ أوروبا وما زال يتابع ٱنتشاره. وٱلظلم وٱلظلمات هو ما فعله كهنوت ٱلمسلمين وٱلقوميين ٱليهود فى بلادنا. وهم ما زالوا فى مواقع ٱلسلطة وٱلصيطرة يفعلون.
كما قلت أنّه على ٱلعلمانيين ٱلإنسانييّن فى بلاد ٱلشّام عمومًا (وهم فرع من ٱلعلمانيين ٱلذين يتمسكون بشرعة حقوق ٱلإنسان) أن يستبدلوا ٱسم عَلمانى ٱلمحرّف بٱسم مدينىّ إن كانوا طلاب دولة مدينيّة تقوم على ميثاق بين أهلها يحكم تشريعها ٱلمتحرك. وليفترقوا به عن سلطة ٱلطاغوت فى بلادنا بسبب ما تدعيه هذه ٱلسلطة بٱلعلمانية لنفسها. فلا حاجة للعلمانيين ٱلإنسانيين بهذا ٱلمفهوم ٱلذى جآء به ٱلتحريف وٱشتهرت به سلطة ٱلطاغوت ٱلتى دأبت على سلوك يعادى ٱلمدينية وٱلإنسانية وما زالت على سلوكها.
ولن يكون لهؤلآء ٱلعلمانيين من شأن فى بلادنا من دون هذا ٱلتفريق ومن دون ٱلعمل على ميثاق مدينىّ يسعىٰۤ أتباعه لتحريض ٱلناس من أجل تغيير سلطة ٱلطاغوت فى بلادهم وإقامة سلطة دولة مدينة مكانها.
فما نريده هو سلطة دولة مدينة فيدرالية ديمقراطية. ترعى وتصون حقوق ٱلإنسان كفرد (ذكر وأنثى) ٱقتصاديا وٱجتماعيا وفكريا. وكجماعة قومية ذات لسان خاصٍّ. وكطآئفة دينية لها بيوتها وأساليبها ٱلدينية من دون إكراه ومن دون إلغآء ومن دون إلحاق. ولا حاجة لنا بمفهوم أصله لغو وتشتهر به سلطة ٱلطاغوت فى بلادنا ٱلتى لم ترَ أنّ للفرد أىّ حقٍّ من أىِّ لونٍ خارج مصالحها ٱلسلطوية.
وما حدث بٱلأمس وٱليوم بٱسم ٱلعلمانية فلا علاقة له لا بٱلأمس ولن يكون له علاقة ٱليوم بٱلمجتمع ٱلمدينىّ ولا بٱلديمقراطية ولا بحقوق ٱلإنسان. وما هو إلا عمل مرضىٰ ٱلوسواس ٱلخناس ٱليهود وقد دفعوا بمجتمعاتناۤ إلى خلف جميع ٱلمجتمعات.
أما ٱلعيش ٱلمدينىّ فهو منتشر فى جميع بلاد دول ٱلسيكيولاريزم فى ٱلغرب وهو من أعمال ٱلمدينيين ٱلذين يتبعون ميثاق ٱلمدينة ويحرضون ٱلناس للاعتصام به.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار
.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس
.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر
.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل
.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية