الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5

دلور ميقري

2020 / 6 / 15
الادب والفن


سيارة الفورد، عادت لتجتاز طريق الصالحية في مهمة عائلية. آخر مرة كانت السيارة تؤدي هكذا مهمة، حينَ قادها صالح قبل نحو شهر كي يستعيد طليقته مليحة. إنه الآنَ في سبيله لرد ضرّتها، ولم يكن متأكداً من نجاحه في ذلك. ثقته بلسانه المعسول، كانت ما تفتأ راسخة. لكنه باتَ على معرفة بطبع سعاد، الصعب المراس. طبيعته أيضاً، لم تكن أقل إشكالية: ما كان من ذاك النوع من الرجال، الذي يقع في الحب بمعناه الرومانسيّ. كان مغرماً بجنس النساء جميعاً، وفي الآن نفسه، لا يرغب أن تستعبده إحداهن. في المقابل، كانت استثناءً، السيدةُ عايدة، لحين أن تخلّصَ من تأثيرها عن طريق الارتباط بابنتها. من ناحية أخرى، حفظت السيدة جميله لما كان يواجه الأخطار خلال ثلاث سنين من الحرب كيلا تموت من الجوع والبرد هيَ وابنتها. هذه الأخيرة، لاحَ أنها عادت إليه بعد طلاقها، يدفعها الشعورُ بالغيرة وهيَ تراه يتمتع بعروس جميلة وفتيّة.
والدة سعاد، كانت في استقباله بوجهٍ متجهّمٍ، يَعِدُ بالمواجهة الحتمية. بمجرد أن جلسَ في صالة الاستقبال، بادرته قائلةً: " ابنتي لن تتمكن من الحضور، كونها متوعكة الصحة ". فكّرَ صالح، معيداً الجملة الأخيرة في ذهنه: " متوعكة الصحة؟ إنه تعبيرٌ مألوف، ليسَ بغريب عن سمعي! ". مع ذلك، أطلقَ لسانه متمنياً لامرأته استعادة عافيتها. قالت له الحماةُ ببرود: " ستبقى امرأتك، طالما حققت لها هذا الشرط الوحيد: أن تعيش هيَ في بيت مستقل أو أن تأتي أنتَ لتقيم معنا تحت هذا السقف "
" كأنها لم تذكر لكِ أنني وجدتُ حلاً لمشكلتها مع ضرّتها، بأن تستقل في القسم التحتاني من المنزل والذي يحتوي مطبخاً فضلاً عن الحديقة؟ "
" بلى، ذكرت ذلك لي. لكنها تعففت من أن تذكر لك، كيفَ وجدت ضمن وسادتها أحجبة من النوع المستعمل في السحر "
" سحر؟ رباه، ما هذا أيضاً! "، هتفَ صالح في شيء من الذعر. هزت المرأة رأسها توكيداً، مرددة: " نعم سحر، يا سيد صالح ". طفقَ صامتاً برهة، وما لبثَ أن شاء العودة بالحديث إلى عقدته الأساسية: " لنفترض أنها الضرّة تلك، مَن تسحر لابنتك. إذاً أعزلها عنها تماماً، بأن أرفع جداراً بين قسمي الدار "
" أنت تملك عقارين في حارتك، فهل تستكثر على ابنتي أن تقيم بأحدهما؟ لا تنسَ أنك اقترنت بها كأرملة، بينما كانت في الحقيقة بنتاً بكر "
" أقدّر كل ذلك، ولا شك. بل إنك بنفسك، تبدين كما لو كنتِ أختها الكبيرة! "، أطلق إحدى نغماته المعهودة. تضرّج وجه المرأة، وغمغمت كلمة شكر. آبَ صالح إلى القول، مستعملاً هذه المرة نبرةَ رجاء: " التقاليدُ تمنعني من إبقاء امرأتي في مسكن مستقل، بعيدٍ عن والدتي. الحل المقدم من قبلي معقول تماماً، ولا يختلف في واقع الحال عما تبتغيه ابنتك "
" سأنقل لها كل ما تحدثنا به، وعلى الله فليتوكل المؤمنون "، قالتها الأم بنبرة تسليم. بدا أن لسانه سحرها، حال تلك الأحجبة، المنذورة لجذب الأزواج!

***
حالما عاد صالح إلى المنزل، وكان الوقت على حد الأصيل، توجه إلى حجرة والدته. خاطبها بعدما أظهر الأحجبة أمام نظرها: " وجدتهم سعادُ داخل وسادتها، وسأقذفهم في وجه مليحة ثم أعيدها إلى دارها ". قال ذلك ثم همدَ جالساً على طرف السرير. طفقت الأم تتطلع إليه بنظرة حزينة، وما لبثت أن قالت: " أغلب النساء يفعلن ذلك، يا بني، لأجل الاحتفاظ بأزواجهن. ومليحة ليست استثناء. اذهب الآنَ واسترح في حجرتك، فإنك قضيت يوماً حافلاً بالمتاعب "
" سأفعل ذلك، لكنني لن أفوّت مسألةَ الأحجبة "
" لا خوف عليك من السحر، لأن منزل أمك محصّنٌ منه! أم أنك تجهل ذلك، بينما الحارة كلها على علم به؟ "، قالتها بنبرة مداعبة. جواباً، طبطبَ الابنُ على قدمها المخفية تحت الغطاء، متمتماً: " ليحفظك الله من كل سوء، أماه ".

***
لوقتٍ طويل، ربما زاد عن الشهر، بقيَ صالح ينتظرُ عودة سعاد إلى داره. كبُرَ على كرامته أن يزورَ منزلها ثانيةً، بالأخص أنها امتنعت عن رؤيته في تلك المرة. في التالي، استشار والدته من جديد. قالت له السيدة شملكان على الفور، وكأنما فكّرت قبلاً بهذه النصيحة: " أرسل لها ورقة الطلاق، على أن يكونَ بائناً "
" بائناً؟ ألا أظلمها في هذه الحالة "
" لا يا بني، إنها ليست من ثوبنا "، ردت الأم باقتضاب.
نزل صالح عند رأي والدته، وما أسرع الطلاق أن تم دونَ عراقيل. ما أدهشه، أن سعاد رفضت في المحكمة حقها في مؤخر الصداق. مليحة، من جانبها، جهدت أن تبقى بعيدة عن عينيه في خلال الفترة تلك. لكنها المسكينة حواء، مَن صبَّ عليها غلّه حينَ سألته مرةً ما لو سيواظب نومه منفرداً. قال لها عندئذٍ، بعدما عيّرها بالبلادة والقبح: " أنتِ أيضاً ستنامين في منزل أهلك منذ اليوم، لأنني لم أعد أطيق رؤيتك ".
بيد أن المنزل لم يخلُ لمليحة لفترة طويلة، مثلما أملت. جرى الأمرُ عقبَ اتفاق صالح مع ابنة عمه، ريما، على الزواج بمقابل أن يساعدها في انتزاع ابنتها الوحيدة من بين أيدي أخوتها لأبيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل