الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام المواطن السوري وطموحاته

إبراهيم اليوسف

2020 / 6 / 15
الادب والفن


أجرى التحقيق: محي الدين عيسو- اللجان

كثيرة هي الطموحات التي يحلم بها المواطن السوري في ظل واقعه المزري، ويأمل أن تساعده الظروف بغية تحقيق لو جزء يسير من أحلامه، وهو الذي يعيش يوميا هواجس الخوف والقلق من المستقبل، لما قد يترتب عليه من جراء التطورات الداخلية والخارجية والضغوط الممارس على وطنه نتيجة لسياسة نظامه الحاكم، من خلال جملة من الممارسات التي أنهكت هذا المواطن، فبعضهم لم يعد يحلم بأكثر من رغيف الخبز ليستر به جوعه، ومنزل يحميه من برد الشتاء وحرارة الصيف في وطن أقل ما يمكن قوله بأنه من أغنى الدول المحيطة.
الحلم ناتج عن ظروف مجتمعية وهواجس يفكر بها المواطن، فالأشياء التي نحن محرومون منها دائما تأخذ حيزا من تفكيرنا، والسعي خلف هذه الهواجس بغية تحقيقها تتطلب التخلي عن أشياء أخرى ربما تكون ثانوية بالنسبة لأحدهم، لكنها ضرورية للآخر، وبهذا فأن الآراء المطروحة تعبر عن شريحة واسعة من المجتمع السوري، فالذي يحلم بأن يملك منزلاً يعبر عن هموم وطموحات آلاف السوريين الذين لا يملكون أماكن تحويهم، والذي يحلم بكيفية تأمين رغيف الخبز ليسد به جوعه يعبر عن ثلث الشعب السوري المعاشين تحت خط الفقر، والذي يحلم بزوال كابوس الاستبداد عن صدره أيضا يعبر عن هموم غالبية سكان سوريا، كما أن الحالم بدخول الجامعة من جيل الشباب يعبر عن طموحات غيره من أبناء جيله.
المواطن السوري لم يعد يحلم بالكثير، وابتعد عن الحياة السياسية والثقافية، ولم يعد من صلب اهتماماته مواقف النظام ومراسيمه الاقتصادية الثقيلة، أو بيانات المعارضة التي لا تشبعه خبزا ولا يملك الوسيلة والوقت لقراءتها، فيقول جمال ( 43 سنة ) بأنه في ظل هذا الواقع لا يمكن للمواطن السوري أن يجد لنفسه عملا يعيش من خلاله، هذه هي المصيبة الكبرى، فأنا أحد المواطنين لست مع السلطة أو مع المعارضة ولا يهمني ما يصدر عنهما، أعمل أكثر من أربعة عشر ساعة في اليوم، ولست قادراً على شراء منزل أسكن مع عائلتي، فليس لدي أي طموح سياسي أو ثقافي، كل ما أحلم به العيش بسلام مع عائلتي وأن أكون قائدا ناجحا في منزلي، بحيث استطيع تأمين متطلباتهم البسيطة وتعليمهم ليكونوا قادرين على الحلم بما هو أكبر، وأنا اعتبر العائلة مشروع صغير وكبير في ذات الوقت، يجب علينا العمل عليها، ومنها ننطلق إلى المجتمع، فإذا كنت فاشلا في بناء علاقة أسروية ناجحة ومتماسكة، فالأحلام الكبيرة ستفشل أيضا.
فكثير من المواطنين السوريين الذين هجروا ديارهم وأوطانهم بحثا عن لقمة العيش بعد أن ضاق بهم السبل في وطنهم ومنهم الكاتب والصحفي إبراهيم اليوسف الذي هاجر إلى دولة قطر، تحدث معنا بكلمات بالغة الصدق قائلا: لعلّ أصعب موقف اتخذته في حياتي، على الإطلاق هو إقدامي على مغامرة ترك أسرتي، ومدينتي التي أحبّ، بل وبلدي سوريا، لأسافر إلى بلد آخر، بحثاً عن تأمين الرغيف، بعد أن عز ّ ذلك في بلدي، بلدي الذي ازداد فيه الفقراء فقراً، والأغنياء غنىً، وتحوّل على حين غرة إلى بلدين: سوريا البؤساء، وسوريا المتنعمين، ولعلّ التنعم، لم يأت لأحد من جرّاء جهده الشخصي، و شطارته ، بل لانخراطه في " لعبة " من أين تؤكل الكتف؟" كما إن أمثالي من المعتّرين، لم يرتموا في فخاخ البؤس، إلا نتيجة صدقهم، ونبلهم، وحبهم لوطنهم، لا تنبلتهم، وإلا أفمن المنطقى أن أعمل حوالي ثلاثين عاماً كمدرس، وكصحفي ، وككاتب وأخرج بخفي الفاسدين، لا بيت لي، إلا ذاك الذي أسكنني فيه أهلي مع أولادي، تصدقا ً على وأنا أول المنتجين من بينهم، وبقي كما هو منذ خمسة عشر عاماً، لا أستطيع تبديل قفل باب فيه، أو إضافة ولو لوحة على أحد جدرانه....!
أجل، عزيزي، الآن أتخيّل كلّ الذين خرجوا مثلي نتيجة ضيق ذات اليد، كيف أنهم يومياً يبتلعون آلاف الغصص، وكيف أنّ مرارة تبديل المكان قاسية لا تطاق، بل كيف أن ذكريات الأهليين والأصدقاء تأتي طعنات متواليات في الذاكرة، والروح ،وهل ثمة أصعب من أن تخرج من مدينتك، قادماً إلى عالم المجهول دون أن تجرؤ على" وداع أمك الطاعنة في المرض والشيخوخة"؟، خوفاً عليها، من أن تصاب بمكروه لا سمح الله، في لحظة الوداع، وكذلك دون أن تجرؤ على وداع آخر العنقود، من أطفالك ، وهو يتلذذ بترديد عبارة: بابااااااااااا ، التي لا أغلى منها في العالم البتة.....!
ويكمل " اليوسف " حديثه متحدثا عن الظروف التي جعلته يغادر مدينته مرغماً: أليس مؤلماً أن آخذ في بلد الإقامة ما يعادل ثلاثة آلاف دولار شهرياً على عملي نفسه ، الذي تعرضت بسببه لآلاف المضايقات، ولم تكن تبقى الأقساط من راتبي الضئيل إلا حوالي أربعين دولاراً،شهرياً، ماذا يمكن أن يقوم به أب له ابن في خدمة العلم وآخرون في الجامعات والمدارس؟، لقد كنت أعمل لأسدد فواتير الهاتف والأنتريت والماء والكهرباء، وأتعرض في كل شهر لتهديدات بقطع هذه الخدمات عني، بل إن هاتفي لا يزال مفصولاً من أشهر، وأنا الذي أعد بلا غرور وبلا تمنن- والحمد لله- أحد أكثر من تعب مع مدينته ، شارعاً شارعاً حياً حياً شخصاً شخصا ً، شجرة شجرة ، لا أرتاح أمام عطب لمبة كهرباء في شارع منها، إلا أن أعبر عن ذلك وأكتب، بل وأواجه ، بما استطعت ،والمدينة برمتها تشهد على ذلك، واقفاً دوماً ضد الشر، أياً كان مصدره، وهو ما كان يفتح في وجهي بوابة عش الدبابير، باستمرار، دون أن أتورّع عن ذلك، مفضلاً مصلحة كل من حولي على نفسي، على حساب أطفالي الذين بات يهددهم ليس الإملاق، فحسب، بل الجوع الحقيقي.....!
ويتابع الأستاذ إبراهيم اليوسف: كان قراري جريئاً، تحدياً للذات، رغم متاعب الديسك الذي يهدني في كل لحظة، فلا أهبه به، مادام في مخيلتي، بل وعيني كل تلك الصور الأليمة، معتبراً الجهاد الذي أقوم به من أجل أسرتي من الطراز الأكبر، ودفاعاً عن كرامتي، لأن من تثاقلت عليه ديون صاحب الحانوت، والجار ، والصديق، باتت كرامته على مرمى نفحة من الخدش.،كي أظل واقفاً، رافضاً كل مورد "غير شرعي" قد" يهرع "صوبه" سواي"، لأظلّ واقفاً كما أريد،كما سيفتخر بي، محبّيّ وأبنائي، وأهلي،وكما سيغيظ من هم مسامير وأدوات في أية آلة شر وفساد......!



http://www.cdf-sy.org/paper/isso4.htm

تعليق من إبراهيم اليوسف
أعلاه جزء من تحقيق مطول للإعلامي محي الدين عيسو نشره على موقع اللجان بعد سفري للعمل إلى قطر2007 حيث لم أبق هناك أكثرمن خمسين يوماً لأسباب ذكرتها في أكثرمن مكان- النص المنشور فيه مقدمة الإعلامي ومساهمتي الشخصية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي