الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العلمانية
أحمد عبد العظيم
2006 / 7 / 1ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
كلمة عَلمانية, هي الكلمة البديل لكلمة سيكيولاريزم secularism, ذات الأصل الانكليزي. وهي في أصلها تعني الدنيوية أو الدهرية. إلا أن كلمة عَلمانية تشكل مفهوما مضطربا عندنا يأخذ بالناس إلى مفهوم العلم وإلى مفهوم الدهرية في نفس الوقت.
ومن المفيد معرفة أسباب انتشار هذا المفهوم المضطرب عندنا, فقد كان معظم دعاته في بلادنا, وحملة لوائه الاوائل هم من مفكرين غير مسلمين ينتسبون إلى أقلية مسيحية, ومنهم شبلي شميل (1850-1917), وفرح أنطون (1874-1922), وجورجي زيدان (1816-1914), ويعقوب صوروف (1852-1917), وسلامة موسى (1887-1958), ونيكولا حداد (1878-1954).
وقد عمل هؤلاء ومن لحق بهم من سياسيين على إشاعة أفكارهم المشبعة بمفاهيم القومية وتغليبها على الدين إبان الحرب العالمية الأولى, وبعد انتصار الغرب على الدولة العثمانية, خوفا من طغيان الأكثرية المسلمة, على الحياة وعلى السلطة بعد سقوط الدولة العثمانية. وقد أسس كل من أنطون سعادة, وميشيل عفلق, حزبين قوميين, تأثرا بالأصل (حزب البعث الايطالي "فاشي", والحزب الوطني الاشتراكي الألماني "نازي"). وبدأ كلّ من الحزبين العلمانيين, ينشر فكره القومي, المعادي لليهود والغرب الديمقراطي والدين, ويعمل لأخذ السلطة وبناء الدولة العلمانية القومية التي عليها فقط التفكير والعمل على محاربة طائفة اليهود في الداخل وفي الخارج. وقد رأى هؤلاء, أن بلادنا بكثرتها المسلمة, سوف تتركهم كمسيحيين بعيدا عن مواقع الفكر والسلطة إن لم يتقدم الفكر القومي على أي فكر أخر, وسعى الجميع لاستعداء الأكثرية المسلمة على طائفة اليهود والتنكيل بهم أينما وجدوا في البلاد, وبفعلهم هذا هاجر اليهود من جميع الأقطار العربية إلى فلسطين ليعملوا على تأسيس دولة يهودية لهم فيها وقد ساعدهم على ذلك احتلال الانكليز لفلسطين. وبذلك صار لهؤلاء حجة دائمة على استعداء المسلمين على الدولة اليهودية, وحلّ المسيحيون مكان اليهود المهاجرين في أعمال المصارف والجمارك والصياغة وصرافة العملات في جميع البلاد العربية. ولم يكن تفكير هؤلاء العلمانيين القوميين, يتوجّه إلى تقليد دولة السيكيولاريزم الغربية, في إبعاد هيمنة الطائفة عن سلطة الدولة والتشريع, ولا في حماية حقوق الأفراد فيما يتبعون من مواقف. ليس هذا وحسب, بل لم ينظروا إلى حاضرهم إلا وكأنه موصول من دون انقطاع مع أمجاد قومية تاريخية, وفي ماض بعيد. وهذا جعل سلطة العلمانية القومية في بلادنا, لا تختلف في تفكيرها وفي عملها, عن جماعات السلفية المغرقة في نظرتها التقديسية للماضي. وعملت هذه العلمانية على تقييد الحاضر بماض ترى فيه مجدا لا تستطيع صناعة مثله في حاضرها. فقد ركز هؤلاء, على مفاهيم القومية, وإحياء مفاهيم السلف واجترارها, من دون أن يلتفتوا إلى علمٍ في حاضرهم, ولا إلى ما يحدث من تطور في مجتمعات الغرب بإتباع دوله لمفهوم السيكيولاريزم في بلادها. وهؤلاء لم يدركوا أن سلطة دولة السيكيولاريزم في الغرب عززت العلوم وفتحت الأبواب أمام مفاهيم التطور, إلى جانب مفاهيم الحكم الفيدرالي والديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان والحريات الشخصية وحتى حقوق الحيوان وحقوق البيئة, وعملت على تطوير وتقوية جميع المسالك إليها. كما جعلت من الماضي البشري, موضوعا للدرس والبحث في أسليب تطوره وصولا إلى الحاضر, ولم تجعل منه مجدا لمن هو أعلى منه تطورا. كما عملت لإسقاط سلطة وفكر كلٍّ من الفاشية والنازية السلفية القومية من حياتها الفكرية والسياسية, وطلبت مساندة قوى خارجية من أجل ذلك, من دون أن تخجل من مزاعم وطنية لا أصل لها إلا في استمرار سلطة تلك الفاشية وتلك النازية.
وما أراه في العلمانية والعلمانيين في بلادنا, سواء كانوا في السلطة كسلطة البعث في سوريا أو مفكرين وأحزاب قومية كحزب المؤتمر القومي العربي لصاحبه معن بشور, أنهم لا يستطيعون السير بشعوبنا وبلادنا إلى أمام, ما لم يقطعوا صلتهم بأمجاد الماضي, ويركزوا اهتمامهم جميعه على الحاضر وحاجاته. كما أرى أن عدوّ الفكر القومي الذي نشره أتباع أنطون سعادة وميشيل عفلق ويتابعه اليوم البعث السوري ومقاتلي البعث العراقي وحزب المؤتمر القومي العري, ليس عدوا لعلماني يريد حاضرا مزدهرا بسلطة القانون المدني الذي يحمي المؤمنين كما يحمي الملحدين, ويحمي الكردي والتركماني والأشوري والقبطي والأمازيغي وغيرهم, كما يحمي مَن يظنون أنّ والدهم يعرب بن قحطان وشقيقه غسان, بالإضافة إلى مَن يظنون أنّ أمجاد قرطاج وصيدون هي أهداف لعدوّ بغيض اسمه إسرائيل واليهود.
ومن أجل نجاح العلمانيين, بما فيهم الماركسيين, في سعيهم من أجل سلطة يسود في ظلها القانون المدني, وبه تخلص مجتمعاتنا من قانون الطوارئ والحاجة إليه, عليهم التوقف عن متابعة إعلانهم معاداة الغرب ومغازلة أنظمة الاستبداد في بلادهم, وعلى الأخصّ منه الولايات المتحدة الأمريكية, وأن يقبلوا مساعدتها في إقامة دولة القانون التي تحمي الحريات العامة والفردية, كما حدث مع شعوب ألمانيا وإيطاليا ومن ورائهم شعوب أوروبا كلها, في الحرب العالمية الثانية التي أشعلتها القومية النازية والقومية الفاشية. وقد طلب قادة هذه الشعوب المساعدة من جميع حلفاء الديمقراطية, وكانت الولايات المتحدة على رأس أولئك الحلفاء. وبغير ذلك لن يكون للعلمانية أكثر مما للسلفيين الآخرين. وستبقى شعوبنا العربية بسبب ما هي عليه العلمانية في بلادهم من تخلف مهددة بالمزيد من العيش المتخلف ومزيد من الضعف.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز