الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات.. وحلم يطير...!!

ليلى الصفدي

2006 / 6 / 22
الادب والفن


الجولان المحتل
نهاية حلم..
عندما أخبرتني أمي حلمها لأول مرة لم أكن بعد اعرف أن سيغموند فرويد كتب مجلداً في تفسير الأحلام. كنا نلتف حولها بشغف ونستمع لحلمها الرائع معجبين فخورين... وظانين أن حلم أمي قد طرد اليهود عن أبواب دمشق...
أمي: "شيخ يلتف بالنور يلبس أبيض بأبيض.. ويحمل عصاً.. يحركها شاقاً السماء باتجاه الغرب... وكأنه يرد أحدهم... فجأة تنقشع الغيوم والظلام وتشرق الشمس"...
ويبدأ مخاض أمي لتضع مولودها الثالث في 19 حزيران 1967 ...
"في اليوم التالي نسمع الأخبار: اليهود تراجعوا والحرب ستنتهي".. هذا ما تقوله أمي بعد أن تكمل حلمها..
حلم أمي ودرس واحد عن فلسطين في المناهج الابتدائية هو كل ما سمعته عن اليهود وعن الاحتلال الإسرائيلي... في الدرس صورة لجندي إسرائيلي يصوب بندقيته باتجاه طفل صغير يكتب على الحائط "فلسطين عربية"...
حلم أمي ودرس واحد في المدرسة كانا كافيين لأكره اليهود، ولكنهما لم يكونا كافيين لأعرف الحقيقة.
ومن عالمين لا ثالث لهما، غير شاشة بالأبيض والأسود وكثير من التشويش وقليل من الحقيقة كنا نتعرف العالم ونعرف أن الحرب انتهت ونحن منتصرين، وأن الأمور تمام التمام طالما نستيقظ كل يوم ونجد قوته وأمنه وأم تدفع عنا الحقيقة بالأحلام.
كان يكفيني 11 عاما لأعرف أن الحقيقة تتجاوز عوالمي الثلاث الوهمية (البيت والمدرسة والتلفزيون)، وأن العالم اقل أمانا وأكثر وجعا....
عالم إجباري:
كلمة أو كلمتان قرأ، لا اعرف بالضبط، المهم انه استطاع بحسه الاستخباراتي تصنيفها رسالة غرامية، وقعت في يده خطأً كان يكفي أن يقرأ أولها حتى تقوم دنياه ولا تقعد.....
ولأنه عربي يتقن الغضب ولا حد فاصل لديه بين الحب والعهر جنّ جنونه وقرر أن يثأر لكرامته المجروحة.
حتى لا تفهم الأمور في غير محلها لم تكن إلا رسالة من معجب مراهق الى أختي ذات 12 عاما.
ذاكرتي الطفولية لا تذكر سوى شذرات من هذه الحادثة، ولكن بحسي الطفولي آنذاك.. المنفعل والخائف قررت أن التزم الصمت، أن ابني عالما إجباريا، عالما إجباريا من ورق، عله يكون أكثر أمانا، أكثر هدوءا، حتى وان كان اقل حبا واقل دفئا.
هادئة كعادتي، خائفة لأدق تفاصيل عظامي، باردة كشتاء بيتنا، جاحظة... متوترة
وأتمنى في لحظتها أن لا يكون هو أبي.
سمراء/ خجولة..
من المفيد أن تكون طفلا خجولا، انت بالنسبة للآخرين خجولا وربما تثير العطف ونقطة.
أما بالنسبة للخجول فالنتيجة رائعة... فهو سيتيح مساحة من الحرية، مساحة للتفكير بعمق وللداخل أكثر، فضاء لا يعكر صفوه إلا ملاحظات سخيفة لمن يدعون الجرأة.
خجولة!! هادئة!! غريب عالم الأطفال كيف يداوي جراحه بنفسه، الطفلة الخجولة في البيت هي الأكثر تميزا في المدرسة.
عشرون عاما استغرقت أمي لتقول لي أنني جميلة، ما ذنب طفولتي إذا كانت موضة العصر السمنة واللون الأبيض، كنت أتمنى أن أعيش زمنا عكسيا لأنال رضا وإعجاب أمي، واستغني عن الكثير من المعجبين الشباب فيما بعد. جملة لها وقع خاص قالتها أمي في لحظة صدق ودفء: "أنت السمراء الوحيدة التي أحبها".
خيبات جديدة..
مذ قدمت إلى هنا أصبحت علاقتي غريبة مع الهاتف... علاقة مختلطة.. الهاتف خندق صغير يصلني بذاكرة تبتعد كل يوم أكثر...
يخيل إلي أحياناً أنه حبل سري.. بقاءه يضر بي أكثر من زواله.. أنه يضعني بين عالمين.. اختيار احدهما ربما يكون تنازل عن الآخر...
مذ قدمت الى هنا أصبحت علاقتي بالأرقام تعيسة... لم أحفظ رقم هويتي المؤقتة، ولا أرقام هواتف "الأصدقاء" القلائل.. ولا المقربين.. ولم أعد أحسب عمري، لا لأني تجاوزت الثلاثين.. ولكن لأن حساب السنوات مؤلم... دليل وتأكيد دائمين على العجز.. على الدوران حول الكلمات والأمنيات... وأننا سنفعل!! سنعمل ونطالب.. سنغير.. أمنيات بعد كل هذه السنين ما زلنا نتقيأها.. لخيباتنا طعم مؤلم.. حامض..
وأعود مجبرة الى لسان حال أبناء الهزيمة.. لجيل كامل انكسرت أحلامه في الحرب.. أتقمص أحزانهم، وانكسارات عيونهم، أحياناً أحسدهم.. فهم لم يولدوا مهزومين... بل ولدوا مع حلم.. أما نحن.. جيل السبعينات... فجيل لا طعم له.. ولا لون!! نبحث عن معنى لوجودنا.. ولا نجده..
أتذكر الآن كيف اعتذرت لأمي حين بدلتُ هديتها الذهبية بمناسبة نجاحي في امتحانات "الكفاءة" واشتريت بدلاً منها خارطة فلسطين.. بدأت أتحسسها كأنني امتلكت العالم.. لبست العالم في قطعة تشبه القلب.. كان عمر الانتفاضة الأولى سنة.... عمر الألم الأول بعد الطفولة سنة، سنة ومشهد واحد يمر ببالي فيبكيني.. أنا أخجل أن أبكي خوفاً من كلام أهلي ومن نعتي بـ "أم دمعة"، لذلك قررت أن ابكي سراً.. في فراشي عندما يذهبون إلى النوم...أو في الحمام..
أهو مشهد من الذاكرة أو من فيلم سينمائي قديم... لا يبدو أنها مشكلة التلفزيون عندنا فهو باهت بالأبيض والأسود... رغم عدم وضوح الصورة إلا أن المضمون صارخ حد الجرح... والألم والقهر يظهر بكل الألوان.
"سياسة تكسير العظام"!!!! كل شيء يخطر ببالي إلا أن يمسك أحدهم عصاً ويكسر عظاماً حية بعيون باردة!!! بهدوء.. وعلى مهل!!! المشهد يبالغ في صناعة الألم.. أو لأنهم مبدعون؟ يبدعون حتى في اختيار أشكال الذل والقهر.
عدت لخلط الحديث والأوراق.. بدأت بالهاتف.. وانتهيت بتكسير العظام.. يبدو أن كل الأحاديث تقود إلى الهزيمة....
إذا حاولت أن أتفذلك على حلم أمي، وهذا ليس لبراعتي في تفسير الأحلام ولا لضلوعي في كتاب فرويد الأنف الذكر، إنما لبساطة حلم أمي، حلم أمي هو رغبة ملايين العرب، بإغراق اليهود في البحر، ولأن أمي/ العربي لا يؤمن إلا بـ "لا حول ولا قوة إلا بالله" فنحن نركن أحلامنا وأمانينا ورغباتنا في قلوبنا الخاشعة والمؤمنة، ونغمض عيوننا ونتوسل الله أن يحققها...
حلم أمي ببساطته لخص تاريخ ما بعد الهزيمة، نكوص طفلي نحو الماضي..... ذلك الأب كلي القدرة... الحامي... الأب ذو القدرة الفالوسية بعصاه الوهمية التي تشق السماء.. نافياً واقع الخصاء العربي... الأب الذي سيدخل معظم العرب تحت عباءته منذ ذلك الحين...
ما بال العرب؟؟؟ أتذكر الآن نكتة: عندما سأل أحدهم عربي عن رأيه بصرح ثقافي قديم، فقال: إنه يذكرني بالجنس!! وعندما استغرب السائل الإجابة قال العربي: "لا عليك.. إن كل شيء يذكرني بالجنس"..
أنا كل شيء يذكرني بالهزيمة...
صار عمر فلسطين 5 سنوات... كنت أتباهى أنني أحملها بجوار قلبي.. بعد فترة لا أعرف ماذا حدث!!! ربما بعتها.. ربما بدلتها.. لم أعد أذكر، ربما كان يجب أن أشتري خارطة أخرى... ولكني لم أر مرة في صاغة سورية خارطة للعراق... ربما قررت أن أبيعها لأنصف العراق.
هذه المرة كنت قد أصبحت بعيدة عن أهلي... أنا الآن في الجامعة... أبكي براحتي.. وأينما خطر لي، لا أحد يعرفني، وفي أسوا الحالات سيقولون أنها تعاني من أزمة عاطفية.. لا يهمني، المهم أن أبكي بحرية.. وللدقة بكيت في غرفة الغسيل، أنا أبكي هذه المرة لأنني أنتمي الى جيل لا ينتمي، أنا الآن في حرم الجامعة وبالتحديد في كلية الاقتصاد، في حمامها.. أحاول ترتيب شكلي المنفعل وترتيب أفكاري أمام المرآة، وبالصدفة أسترق السمع لجيل أنا منه: طالبة محجبة ترتب حجابها الأنيق وتقول لصديقتها: "يا خسارة.. صدام فات عالكويت.. وما لحقنا نجيب منها إشاربات، عندهم بالكويت إشاربات بتجنن".
دموعي التي مسحتها للتو عادت غاضبة.. ولأنني أتقن الغضب المؤقت أعدت لخبطة شكلي وغسلت وجهي بدموعي وخرجت.. أعلنت الإضراب عن الدوام.. عدت الى غرفتي.. إلى بعض من أصدقائي وبكينا معاً.. أتذكر أننا بكينا طويلاً معاً. عذرا من قضايانا التي كانت دوما اقرب الى قلوبنا من عقولنا.
إلى المطار...
سيارة الأجرة متجهة الى المطار والزمان يوم صيفي قائظ من أيام دمشق.. كلنا تجمعنا رغبة البكاء إلا السائق، فهو غريب اعتاد أن ينقل أشخاص متلعثمين بالفرح.. بالحزن.. بالعشق والكآبة، هو سيحافظ قدر الإمكان على حياديته من مزاج العالم المفرط في الانفعال، سيحاول أن يفرض مزاجه هو، وغالباً ما ينجح...

أذكره الآن كيف أخذنا عبر طريق أطول "على حسابه" ليقرأ لنا بعض أشعاره.. وليسمعنا بعضاً من أغان يحبها لفريد الأطرش..
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??