الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين هدم التماثيل وصنع التماثيل !

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2020 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لازال قتل المواطن الأمريكي ذي الأصول الافريقية ( جورج فلويد ) على يد شرطي من ذوي البشرة البيضاء يخيم بضلاله على المشهد السياسي ، ليس فقط في أمريكا وانما على صعيد العالم . احدى تداعيات هذه الجريمة هي العودة الى ماضي العبودية وتجارة الرقيق في القرون الماضية وحتى صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في باريس يوم العاشر من كانون الأول/ ديسمبرعام 1948 الذي جاء في المادة الرابعة منه: ( لا يجوز استرقاقُ أحد أو استعبادُه، ويُحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما). جدير بالذكر ان هذا الإعلان ،رغم شمولية مواده، لم يتمكن من إيقاف هذه الظاهرة التي تمارس حتى يومنا هذا ولكن باساليب وطرق مختلفة .
تاريخ المجتمعات الإنسانية شاهد على مدى بشاعة العبودية حيث الانسان وسيلة يتم استهلاكه وليس غاية بحد ذاته، هناك مجتمعات لها اليد الطولى والتاريخ المخزي في الاسترقاق وتجارة العبيد ومنها بريطانيا وكذلك العديد من الدول الأوروبية . اعدام جورج فلويد أيقظ ضمير العالم وأعاد بالرق والعبودبة الى ماضيه المؤلم والأشخاص الذين تورطوا في عملية تجارة الرقيق هذه وكسبوا من وراءها ثروات طائلة اضطروا فيما بعد ، وكعملية ذر الرماد في العيون ، الى صرف قسم من تلك الأموال في بناء المدارس والمستشفيات، فتم على أثره نصب تماثيل لهم في تلك المدن " عرفانا بجميلهم " دون العودة الى الوسيلة التي جنوا من خلالها تلك الأموال، ومن هؤلاء تمثال تاجر الرقيق ( إدوارد كولستون ) في مدينة بريستول الواقعة جنوب غرب إنكلترا ، كان كولستون عضواً في الشركة الأفريقية الملكية التي يُرجَّح أنها كانت وراء نقل أكثر من 80 ألف رجل وامرأة وطفل من أفريقيا إلى الأميركتين. وفي عام 1721 مات كولستون بعد أن أوصى بأن تكون ثروته لصالح "الأعمال الخيرية" ولا تزال هناك في مدينة بريستول نصبْ تذكارية ومبانٍ كان يمتلكها، حسبما أفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
يوم الاحد المصادف 7 / 6 / 2020 ،وهو اليوم الثاني من الاحتجاجات التي خرجت ضد العنصرية في بريطانيا، حطم محتجون من حركة "حياة السود مهمة" تمثال تاجر الرقيق هذا وألقوا به في النهر وهم يرقصون فرحا وانتصارا كون هذا التمثال يمثل رمزا العبودبة في القرن السابع عشر.
بعد ما جرى لهذا التمثال، وتعرية الوجه الحقيقي لصاحبه ،عمت عملية اسقاط وتحطيم تماثيل العديد من أمثال هؤلاء وشملت دولا عديدة في أوروبا حتى وصلت الى تمثال كرستوف كولومبوس في مدينة لوس انجلوس الأمريكية.
مقارنة بسيطة بما يجري هناك من تحطيم التماثيل التي ترمز الى تأريخ إجرامي بحق الانسان، وما نراه في بلداننا وبالأخص " الإسلامية " منها ، يظهر العكس تماما، حيث صناعة التماثيل من خلال الرموز التي تعتبر " مقدسة " وهي راقدة في قبورها، تقديس يتخذه أصحابها كذريعة لطلب " الشفاعة والمغفرة " من تلك الرموز . بالتزامن مع هذا ، هناك
عملية أخرى تجري على قدم وساق في صنع التماثيل ، ولكن هذه المرة ليس للأموات وانما للأحياء من ذوي النفوذ والسلطة بحجج أما دينية وإرثيه أو سياسية وهو ما يجري اليوم أمام أعيننا في العراق .
صناعة هذه التماثيل في بلداننا لم يأت من فراغ وانما جاء من ضرورات مادية تستوجبها عملية فرض السطوة والسلطة بكل السبل على الجماهير من أجل اضطهادها وتوهيمها بكون طريق الخلاص من البؤس والشقاء لا يأتي سوى عن طريق الخضوع لما يصدر من كلام وفتاوى من قبل تلك الرموز .
هذه الظاهرة امتدت لتشمل حتى بعض القوى التي تحسب نفسها على اليسار كالحزب الشيوعي العراقي ومن خلال قيادتها الحالية ولربما ستشمل آخرين كذلك.
ان صناعة الرموز والتماثيل قد ولى عهدها، وما على الجماهير سوى اخذ الحيطة والحذر من الانجرار وراء دعوات بهذا الاتجاه وان الخلاص لا يأتي الا عن طريق النضال الجماهيري من أجل اسقاط كل هذه السلطة مع جميع رموزها وتماثيلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب