الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتراب الغربة 9/15

محمد البوزيدي

2006 / 6 / 23
الادب والفن


قال الروبيو لرشيد:اسمع يا صاحبي الطريق باقية بعيدة، أنت غادي تونسني وغادي تبدأ تكب المازوط جنب الزودياك كي لا تقترب منه الحيتان الكبيرة اللي يمكن تقلب كلشي هاد الشي وتكلنا، وانتوما نعسو استراحوا راه الطريق باقية بعيدة حتى نوصلوا ونفيقكوم.
بدأ رشيد عمله الجديد، هاهو يركب البحر ويعمل فيه في آن واحد، لم يدر كيف أعجبه البحر خاصة أنه أحس براحة نفسية إذ سلمه الرايس أحد الأقراص التي تمنع القئ.
كان صوت المياه عذبا يثير الانتباه وسط الأقوام الذين لم يسبق لهم ولوج البحر، كانت الأضواء المنبعثة من يعيدوهم ينبعثون عنه في الشاطئ.
في هذه اللحظات ابتعد طارق ورجع إلى مقر عمله ليواصل صفقاته المعروفة، وكم درت عليه بعد أن تخلص من كابوس ظل يطارده طوال شهر وهي مدة اعتصام الفريق هناك.
خطرت لرشيد فكرة الغناء، راعه هذا المنظر وتذكر أيام كان يحلم أن يصبح قائدا لإحدى السفن الحربية، ألذلك بدأ يغني في قرارة نفسه الأغاني التي حفظها عن ظهر قلب أيام الجامعة لسيما أغنية مارسيل خليفة:يا بحريي هيلا هيلا وأغنية الشيخ إمام البحر بيضحك هي هي..لقد كان متفائلا خاصة أن الأمواج لم تكن بتلك الدرجة من القوة التي توقعها الربان الذي كان يضيف سرعة أخرى للمحرك لكسب الوقت والعبور قبل الفجر للدخول للمياه الدولية المتميزة بلونها الأزرق على خلاف اللون الأخضر الذي يعني أن النفوذ مغربي.
كانت الليلة مظلمة جدا وهو تكتيك خاص لأصحاب القوارب للإختفاء عن كاميرات المراقبة .
ساد الهدوء بين أعضاء الفريق الخمسين ،لكن لقطع الصمت وكسب الوقت ورفع المعنويات وجعل الرحلة أشد متعة وليست جحيما كما توقع من قبل بدأ ينشد أغنية عبد الحليم حافظ :لو أني أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت ،لوأ ني أعرف خاتمتي ما بدأتا ...
أحدهم بدأ يتلمس الماء بكلتا يديه ومن بعيد بدت إحدى الحيتان الكبيرة مما اضطر الرايس إلى تغيير اتجاه القارب ورفع لسرعته كما أمر رشيد بمواصلة سكب البنزين على جانب القارب لأن ذلك أحسن وسيلة للدفاع وإبعاد السمك المفترس عن الركاب.
بعد ساعتين تكلم الرايس الروبيو قائلا:راه احنا وصلنا النص فالطريق خصكم تبداو العد النهائي ولكن استراحو راه باقي تابعكم رحلة طويلة اسبانيا راها ما ساهلة ولكن ماتخافوش..راكم رجال .
بعد ساعة أخرى بدأا لقارب يقتحم الأمواج التي اشتد أزيزها رغم أنها لم تكن قوية، بدأ الخوف من الغرق يسود البعض لكن الرايس للسيطرة على الوضع كان لا ينبس بكلمة، بدأت البرودة تتسلل إلى أجسامهم ولمقاومتها طلب من رشيد فتح البيرة التي كان يحملها لأنها هي الواقية الوحيدة كما قال، بدا التصاق الجسام بعضها ببعض للتدفئة، بينما بدأ أحدهم في القيء الشديد فانتقلت العدوى لإفريقيين إثنين.
لم يهتم احد بالأمر واعتبروه عاديا بل وتركا لحالهم، بدأوا بالصراخ مما زاد من ضيق الروبيو الذي خاف انكشاف أمره للمراقبة الإسبانية، تذكر توجيهات طارق خاصة أن أحدهم بدأ يغمى عليه.
بدأ الرايس يفكر في تنفيذ الأوامر ،طرح سؤالا استكشافيا على رشيد :اش ظهر ليك ف هذا المنظر ؟
سكت الجميع /واصل المرضى العويل تدخل الرايس :سكتونا ولا نرد كلشي للمغرب .
تدخل شاب :المعقول لي قال ليكم راه بقات غير نصف ساعة .
كانت قوى المصروعين من هول اقتحام البحر لأول مرة قد انهارت مطلقا وأصبحوا كالضيوف الثقلاء.
أعاد الروبيو السؤال لرشيد:آش ظهر ليك
بدأ رشيد متضايقا من حالهم ومحتجا على عدم تحملهم السفر:إلي ما قد على السفر ما يصدع الآخرين.
تعمد رشيد التظاهر بالغضب ولو كان يعرف أن ذلك فوق طاقتهم لكن الروبيو فاجأه بسرية بالقول : صاحبي هادو خصنا نتخلصوا منهم .
استغرب لكنه رد :هادو الدراري ماشي رجالا أنا راه إلى وصلت مانعرف حد إلي با يموت يموت .
ازداد صراخ الثلاثة مما زاد من حنق الروبيو خشية فشل الرحلة ،وفجأة رن الهاتف كان طارق على الخط الآخر
**امنظرا قربتو توصلوا ولا مازال ،تا يبان ليكم غابات السبليون ؟
//قريب امون شاف ولكن
**ولكن اشنو
//راه واحد ثلاثة سخفو وتيردو ويغوتو
**واه عمرك ما خدمت تخلص منهم فالحال آن بيت نتفضحو وتفشل الرحلة ويمشي الزودياك الغالي وهمها ميتين ميتين سربي وصلهم الباقي ورجع الفريق الثاني بدا فالتجمع وراه كاينا عشرين ووصلو للمخيم ،آه فكرتيني شريت ليك اليوم ثلاجتان آخر موديل
واحد ديتها للوالدة ديالك والأخرى حطيتها ليك فالبارتما الجديدة ووصيت ليك على ماكينة الصابون وكمبيوتر من النوع الممتاز باش تشاطي فيه مع ....
//باي مون شاف طارق يحفظك لي وسلم على الوالدة .
أوقف الرايس الزودياك وسط ذهول الفريق صائحا فيهم :سمعوا الخوت هادو إلى ما تخلصنا منهم راه غادي يفضحونا وتشدو فالحبس اللي ما قد على البحر لاش داخل ليه ،هاد الفارقة حتى على وصلنا ما يقدر يكملوا للشاطئ وليتنكت التفت لأحد الفارقة رافعا رأسه دلالة على القبول نضحك الآخرون لأنهم لم يفهموا ما قال الرايس .
واصل كلامه وسط ذهول الآخرين هادو مشاو مشاة هارا عاوني أرشيد نحولهم لبلاصة أحسن ...
رفع للأعلى وسط تمويه بتحويله لمكان آخر، كان صراخه غائرا حملوا الشخص، وألقوا به في البحر بل وحرصوا على بدء عملهم بالقول بسم الله الرحمان الرحيم..
أعاد الكرة مع الجثة الثانية ،وحين اطمأن رشيد للتخلص من الإفريقيين استجمع كل طاقاته موجها الخطاب حول الآخر الذي مازال يئن بصمت :إيوا هاد الآخر راه بحالهم هاهو يحتضر ،شكون اللي عندو ثوب أبيض نكفنوه قبل ما نودعوه احنا المسلمين راه ماتنفرطو فالدين ديالنا .
صاح أحدهم:اللهم إن هذا منكر
زمجر الرايس :شكون اللي قالها
أدرك الجميع أن مصير الأفارقة يشبه مصيرهم فسكت الجميع وتركوا المسكين يلج المياه بدون حتى الكفن الموعود به.
في لحظة ساد الهدوء، أدرك البعض أن رشيد فقد كل إحساس إنساني وهو الذي يساعد الروبيو في التخلص من الضعيفة، تذكروا خطابه في الغابة عن إنسانية الإنسان واحترام كرامته لكنهم كانوا يعتقدون أن من عاشر قوما ليالي عديدة أصبح منهم.
كان درسا بليغا للآخرين للانضباط وكظم الغيظ والقيء والبقاء في يقظة تامة
بينما عاد الروبيو للمقود، استغرق رشيد في تفكيره، من مناضل يكافح في إطار حقوق الإنسان إلى شخص يقتل الأبرياء، ويرمي بهم أحياء، ترى هل كان يدري ما يفعل ؟أم أن البيرة أثرت فيه كثيرا أم ماذا؟لقد بدأ الضمير يؤنبه وحين بدأ في الإستغراق في ت؟املاته وتساؤلاته انتبه الرايس لذلك فصاح فيه :رشيد سربي رش المازوط راه بانت لي واحد الحوتة كبيرة
لم يرد رشيد فهم الرسالة جيدا ،لكنه رغم ذلك لم يندهش ولم ينزعج فقد شاركه في الجريمة ،وإذا سأله أحد أعد الجواب :لماذا لم تنبهني لذلك ولم تمنعني ؟
قدر رشيد أن الوقت المتبقي هو ساعة للوصول على الشاطئ
قال لهم الروبيو :استعدوا ياإخوان فقد دخلنا المياه الدولية الإسبانية ،لم يبق إلا القليل
سأله أحدهم وكيف عرفت ذلك ؟
قال ر:لقد لاحظت كثرة القوارب التي تشبه قواربنا ،ونحن نتبادل الإشارات ،انتبهوا عندما أعطي الإشارة بالمصباح يأتيني الجواب ،فذاك قارب آت من العرائش وذاك من الناظور وتلك الباخرة البعيدة فهي من اليونان ،ألتقيها من حين لآخر كل شهر وهي تنقل حقنا طبية من اسرائيل للبلدان الأوربية
بدأالعياء يدب على رشيد ،لاحظ حين ذاك وقال لها الروبيو : ياك حتا نتا إياك ما ؟
لم يجبه رشيد بل استمر في سكب البنزين على جانب الزودياك
فجأة توقف القارب سأله عبد الله : لماذا توقفت ؟
أجابه الرايس ؟مازالت عشر دقائق لتنسحب السرية الإسبانية المكلفة بالمراقبة في هذه الناحية ،هذه أخبار رسولنا هناك
بعد دقيقة واصل المركب رحلته لمدة عشر دقائق أخرى ،وحين توقف المركب صاح فيهم الروبيو :انتبهوا أيها الإخوة نويات أبناء البنوة والأبوة غفر الله لنا ولكم ،حمدا لله على سلامتكم ،الآن ستنزلوا واذهبوا سباحة مائة متر ثم ستصلون للشاطئ ،أول عملية تخلصوا من أوراقكم ،والبسوا ثيابكم الجديدة ،واتجهوا صوب الغابات والمزارع ،وإياكم والتجمع فإن الإسبان سيلاحظون ذلك ،ويبلغون عنكم وخذوا رقم الهاتف فسيمكنكم بعد شهرين من تسوية وضعيتكم وإعداد أوراقكم .
الان بقيت ثلاث ساعات على شروق الشمس، وهي كافية لتختفوا من هنا وتقطعوا عشرة كيلومترات على الأقل وانتبهوا للأسلاك الشائكة وإياكم أن تفارقوا سكينكم الذي تتزودون به ولا تترددوا في استعماله في كل الأوقات الحرجة فهنا اذبح أو تذبح ... أما الطعام فلا تأكلوه حتى تجوعوا كثيرا احتياطا لكل شيء اللهم قد بلغت...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-