الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : تساؤلاتُ أيمن عودة في حضرةِ قاتلٍ فذّ

عبدالله عيسى

2020 / 6 / 18
الادب والفن


الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب :
تساؤلاتُ أيمن عودة في حضرةِ قاتلٍ فذّ

بالرَوائِحِ
تلكَ الّتي بقّعتْها شقائقُ نُعمانِ مرجِ ابنِ عامرَ
فوق حِجارةِ أسوارِ حيفا القديمةِ ،
واسْتَنْبتَتها نِساءُ القُرى في أهازيجِهنَّ عشيَّةَ قَطْفِ الكُرومِ،
وأنفاسِهنّ الطَرِيَّاتِ حينَ يُبرّدْنَ شايَ الصباحِ لأزواجِهنّ
لكي يقتفوا أثرَ النحلِ خلفَ التلالِ الّتي هَرِمَت ْ،
جِيءَ بي .
أكْتَفي من غَدِي أن أرى عُشبةَ الأبديّةِ تنمو
، كذاكرةِ البحرِ ،
في ظلّ نايي المُحَصَّنِ ، مثلي ،بما صنعتْ بي يَدِيْ ،
من ذِئَابِ البَوادِي ، ومُكْرِ الأفاعي .

فمِنْ أيّ صحراء أخرى أتيتَ
لِتَرمي غُبارَ طرائدِكَ المتعفِّنَ في بِئْرِ بيتي ،
وتنشرَ ما أوْرَثَتْكَ الملوكُ الّتي انْقَرضَتْ
من سَراويلِ زوجَتِكَ الوسِخَاتِ ،
وأخطاءِ قتْلاكَ
تشقى بما ترَكَتْ في الممرّاتِ من جُثثٍ تَتألّمُ ،
فوق الغصونِ الّتي كانَ يغفُو عليها القَطا مُطمئّناً هُنا
قبلَ أنْ ترتَقي التلَّ والمُنحنَى مرّتينِ؟
بما كان يُوحي لجَدّاتِنا أن يُخِطْنَ على نَحْرِ أثوابِهنّ سماءً
لكلّ الشعوبِ القديمةِ واحِدةً ،
ويُصلّينَ من أجلِ ألا تُشيدَ الجراذينُ
تحت جذورِ وُرودِ السياجِ الّتي يَئِسَتْ
من رُقودِ خُيولِ الغُزاةِ عَليْهَا
مَمالكَ ،
كي لا يُقيمَ المُغيرونَ أضْرِحَةً من رُكامِ قُرى أفْسَدُوها ،
فكيفَ لِمَنْ كانَ مثلكَ
من روّضَ العشبَ بالنارِ ،
والمدنَ المُطمَئِنّةَ بالمنْجَنِيقَاتِ ،
من يَهدُمَ البيتَ
كي يعبُدَ الحجَرَ المُلتَحِي بالرُقى والتَجاعِيدِ ،
أنْ يُدركَ اليومَ حِكمةَ أنْ تُصبحَ اليَرَقاتُ فَراشاً ؟
وفتنةَ أنْ يترُكَ الأنبياءُ،
ومن عَصَوا ربّهمْ،
بحرَنا منذُ ماتَ على أرضِنا
، قبل أن يعبُروا من كُهوفِ الأساطيرِ تلكَ
إلى درجاتِ الرسالاتِ ،
في الأبجديّةِ حيّاً ؟ .

بِحِكمةِ لؤلؤةٍ خَصّني حَلَزُونُ البحارِ القديمةِ
من أيْكَةٍ تتعرّى على شاطِئِ الأبيضِ المتوسّطِ
حتّى انْتِباهِ الأكاسيا إلى عطرِها في يديّ على ساحِلِ الأطْلَسِيّ ،
أُحدِّقُ مُستبْشِراً في غَدي .

لا لِحَربٍ قَرَعْتُ الطُبولَ ،
ولكنْ لأبْعِدَ عن جَسَدي لَعْنةَ الغُربَاءِ ،
ولم أبنِ عند تُخُومِ التِلالِ تماثيلَ تُشبِهُني في المرايا
لأعْلُو
على أُمَمٍ قلّدتْ جَسَدي في التَطَهّرِ من إثْمِ قتلي
زكاةً لربّ رأوهُ كما شَاءَهُ الكَاهِنُ الوثَنيّ.

فَمِنْ أيّ كهفٍ خَرجْتَ
لتُلْقِي وصايا الخَفَافيشِ في غُرَفِ الجِنَرَالاتِ ،
أو قُمْرةِ الطائِراتِ الّتي تتجَوّلُ عمياءَ بينَ نوافِذِنا ،
. وعناقٍ وَهَبتُ لهُ ما استطعتُ ذِراعَي ؟


أنا مُوقِدُ النارِ فوقَ رُؤوسِ التلالِ الّتي سجدتْ
في الصلاةِ معي كالينابيعِ حتّى يعودَ الربيعُ ،
ويأنس بي الكَبْشُ ،
والحَجَلُ الضَالُّ بينَ سماوَين ،
والغجرُ الراحِلونَ ،
وأجريتُ بين السهولِ غديراً
، فأسقي الرعاةَ وقطعانَهمْ ،
وأرى فيه وجهَ الذي لم يَعُدْ
من وراءِ الهِضابِ التي جِئتَ مِنْها
لِتَقْطُنَ في بيتِهِ.

فبماذا تحدّثُ وردَ السياجِ الّذي طَمَرتْهُ وَصايَاكَ بالقَار،
أو جَسداً لم يزلْ يَتشبّثُ ، منذُ ثلاثةِ آلافِ عام ٍ،
كما ينبغي
بظلالِ قُرى
كلما زارَها نهَضتْ كي تُصافِحَهُ
بالغُبارِ الّذي سوّلَتْهُ يَداكَ ،
أو البحرَ ذاكَ الّذي خانَنا كي تعودَ
وتَسْرقَ مِنْ خبزِنا الملحَ ؟ .

ماذا تقولُ لهَذا الهواءِ الذي صَيّرتْهُ لواعجُ آهاتِنا ؟
كيفَ أفسدْتَهُ بروائحِ قتلى يئنّونَ بين يديكَ ،
ورطْناتِكَ الواقعاتِ عليهِ كبوقِ نحاسٍ
تصدّأ بين شفاهِ ضحاياكَ ؟.

لاشيءَ يحمِلُ في الأرضِ وِزْرَكَ عنكَ ،
لا أحدٌ في السمواتِ يغفرُ
أنّكَ ترجمُ ما أرسلَ اللهُ منّا سَلاماً وبَرداً عَليكَ .
ليسَ ثمّةَ صحراءُ أخرى
لتبقى هُنا في الروايةِ جارَاً لنا
فتروي لنا كيفَ تضربُها بِعَصاكَ فَتأتِيكَ
آبارُنا وحواكيرُنا بعدَ هذا الضياعِ .

تعلّمتُ مِنْ هذهَ الأرضِ كامِلةً
أن أكلّمَ من يُصدقّنِي في السَماءِ.
لماذا يُطالِبُني قاتلو الأنبياءِ كعادتِهمْ أنْ أصيرَ نبياً
لكي يقتِلوني؟
فكَمْ مَعْبداً في الجحيمِ سَيكْفي رُعاةَ الخطيئةِ
، مِثلَكَ ،
حتّى يَتُوبُوا ؟ .

أنا صاحبُ الوجهِ في النَهرِ ،
فيما سَتبْقى على جنَباتِ المرايا الّتي تَتألّمُ
تِيهَ القِناعِ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى