الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوات في المتاهات

وليد الحلبي

2020 / 6 / 21
كتابات ساخرة


تعود كتابة هذا المقال الساخر إلى عام 1990، ولم ينشر من قبل، وسبب نشره الآن أننا نجد اليوم أن تجليات ما كان يدور في الذهن بشكل ساخر قبل ثلاثين سنة، قد تحول اليوم إلى واقع مؤلم يؤرقنا ليل نهار:

شغفت منذ صغري بالدبلوماسية، ولئن خانني الحظ في دراستها أكاديمياً، إلا أنني أفلحت – والعلم عند الله – بتعلم شيء منها من خلال السباحة على موجات الأثير، أو القفز بين أعمدة الصحف، إلى أن وجدتني أفهم فيها أفضل من بعض وزراء الخارجية العرب، على الأقل.
وربما كان أفضل ما تعلمته منها أنك إذا رغبت في هزيمة عدوك وإرباكه، فعليك أن تتبع في تعاملك معه المبدأين التاليين (اللذين طبقا علينا بكل نجاح):
1- أن تقزِّم أي شيء يطلبه منك خصمك، مهما كبر، أي أن تضع كرته الثلجية على نار هادئة إلى أن تذوب وتختفي تماماً، وهذا المبدأ يطبق على لب الصراع العربي الإسرائيلي، فقد بدأنا من المطالبة بتحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة من البحر إلى النهر، وانتهى الأمر بنا إلى ما نعلم.
2- أن تضخم أي شيء يطلبه منك خصمك، مهما صغر، أي أن تدحرج كرته الثلجية وتلقي بها من أعلى قمة في جبال الهملايا، فتكبر كلما تدحرجت أكثر، وهذا ينطبق على مبدأ (الانتخابات) الذي بدأ بالمطالبة بانتخابات حرة بعد انسحاب قوات الاحتلال، وتشكيل وفد فلسطيني يتكلم باسم الناخبين ويعبر عن أمانيهم، وبعد أن هوَّلت إسرائيل من خطورة تلك الانتخابات وهذا الوفد، انتهى الأمر إلى المطالبة بشيء لا يدري أحد ما هو: هذيان وتخبط من أجل تشكيل وفد من أعضاء ذوي أصول وميول لا يعلم أحد عنها شيئاً، من أجل هدف لا يعلم أحد عنه شيئاً، يفاوض في زمان ومكان لا يعلم أحد عنهما شيئاً، ومع ذلك، وكلما مرت الأيام، اشتد تهويلهم وتخويفهم المتصنَّع من خطر هذا اللا شيء الذي أوصلوك إليه، وصوّروه بكل مهارة على أنه الخطر الذي سوف ينهي الحياة على سطح الأرض، مع أنه لا شيء.
أما ما لم أستطع تعلمه من فن الدبلوماسية، فهو كيفية تمكنك من فرض شكل وطول وعرض وارتفاع وفد خصمك المفاوض، وربما سيكون فتحاً جديداً ومثيراً في عالم الدبلوماسية، أن تجد أحد طرفي المفاوضات يستطيع أن يفرض على الطرف الآخر هوية وماهية أعضاء وفده، مثل:
1- الوزن: حيث يجب أن يكون وزن العضو المفاوض في وفد خصمك فوق المئة والخمسين كيلوغراماً، لكي يغلبه النعاس بعد افتتاح الجلسة التفاوضية بدقيقتين على الأكثر، ولا يصحو إلا قبل انتهائها.
2- الثقافة: حيث يجب أن يتصف أعضاء الوفد الخصم بالجهل المطبق بكل أنواع المعارف والعلوم الدبلوماسية، ولا يحسنون سوى تدخين السيكار الهافاني، وبالكاد يتكلمون لغة أجنبية.
3- الوعي: أن تكون أضراس العقل قد اقتلعت من أفواه جميع أعضاء الوفد الخصم، سواء بعملية طبيعية أم قيصرية، هذا إذا كانت تلك الأضراس قد نمت بالفعل.
4- عقائدياً: أن يكون أعضاء الوفد الخصم من النوع الذي يؤمن بمبدأ أن الحصول على أي شيء أفضل من لا شيء، حتى وإن كان هذا الشيء لا شيئاً.
وبعد أن تكون قد طبقت كل ما ذكر وغيره مما يمكن أن تتفتح عنه قريحتك التفاوضية، تأخذ بيد خصمك بكل رفق وحنان، وتدخله في لعبة المتاهة، متاهة المفاوضات، بحيث أنه لكي يصل إلى المخرج، لا بد أن يمر بجملة من الضغوط النفسية والمعنوية: أضواء تلمع، وظلام يعم،،، أصوات ذئاب،،، مطر وبرق ورعود،،، موسيقى صاخبة... ولأنك أحسنت اختيار أعضاء وفد الخصم، فإنه سيفقد أعصابه، وينسى الهدف الذي من أجله أراد اجتياز هذه المتاهة، ويصبح همه الأول النجاة بجلده من هذه الورطة، والخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه بين الحياة الموت، بعد أن كان يحلم بأنه قادر على تحقيق ما يريد.
فخذ حذرك عزيزي القاريء عندما تكون في طريقك إلى إحدى جلسات المفاوضات، إذ أن بعض أساطير الدبلوماسية تروي أن الكثيرين ممن دخلوا تلك المتاهات، شوهدوا يخرجون منها وقد فقدوا بعض ملابسهم الداخلية، أو كلَّها.
4 مارس 1990








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا