الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات مضيق الرمال (8)

طارق حربي

2020 / 6 / 21
الادب والفن


يوميات مضيق الرمال
(8)
عدا السويد!

قال لي صديقي الفنان التشكيلي سعد الموسوي المقيم في ستوكهولم، يوم أمس عبر المسنجر مازحاً، بأن السويد وضعت اسمي في القائمة السوداء! لأنني انتقدتُ اجراءاتها في مواجهة كورونا في يوميات مضيق الرمال! قلتُ لهُ حسناً هذه هي الدولة الرابعة التي وضعت اسمي على القائمة السوداء، بعد (الأنظمة الديمقراطية) جداً ، في كل من المملكة العربية السعودية والكويت * والإمارات، نظراً لأني انتقدتُ مواقفها العدوانية منذ ثمانينيات القرن الماضي، بمساندة صدام ضد مصالح الشعب العراقي، ودورها في تمويل حربه العبثية ضد إيران خلال ثماني سنوات 1980-1988. ثم تمويل الارهاب ضد العراق بعد الاطاحة بصدام ونظامه الفاشي في سنة 2003! والآن قُلْ لي بِربِّكَ، ماذا يمكن لشاعر عاش المأساة خلال عقود من السنوات، إن كان له ضمير حيّ، أن يكتب غير ما كتبتُ، وليكن بعد ذلك ما يكون!

بدتِ السفينة التي حجزنا أنا وأصدقائي على متنها في مطلع هذا الشهر، تذاكر ذهاب وإياب إلى السويد، مهجورة على شاطىء المضيق بعد إلغاء السفر! فقد قررتِ الحكومة النرويجية في نهاية الأسبوع الماضي، فتح الحدود البحرية مع الدنمارك وألمانيا، والسفر على متن الخطوط الجوية ** اعتباراً من الأول من الشهر القادم، على مسارات 66 مدينة صغيرة وكبيرة في الدول الأوربية، عدا السويد! حتى تَتَّخِذَ الإجراءات اللازمة للقضاء على الفيروس نهائياً. وكما منعتِ السلطات الفنلندية، النرويجيين المارّين عبر الأراضي السويدية، من دخول أراضيها، أغلقتِ الدنمارك منفذ السويد التجاري الوحيد، المارّ عبر أراضيها إلى القارة العجوز، وتأزمتِ العلاقة بين البلدين منذ حوالي شهرين إلى درجة التراشق الإعلامي، بين زعيميّ الحزب الحاكم في السويد، والمعارض في الدنمارك!

وعدا ذلك فلا مشاكل اقتصادية حصلت للنرويج، سوى أن الصين قررت منع استيراد سمك السلمون، ويُعَدُّ النرويجي أجود أصنافها في الأسواق العالمية، فانخفضتِ الصادرات بمقدار الثلث خلال الأسبوع الماضي لتصل إلى 240 طنا. بعد ادعاء بكين أنها عثرتْ على (Covid-19)، على خشب تقطيع الأسماك في سوق (شين فادي) في وسط العاصمة بكين، ورداً على ذلك قامتِ النرويج بإيقاف رحلاتها الجوية إلى الصين. لكن الأزمة سوّيتْ مؤخراً بما يفيدُ مصلحتيّ البلدين.

أقلُّ بقليلٍ من تسعة ملايين مصاباً في أرجاء العالم المختلفة، احتلتِ الهند المرتبة الرابعة في تفشي الفيروس، بعد الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا، وحولتِ المزيد من القطارات إلى مستشفيات!

لكن القطار المنساب بين المراعي اليانعة ومحطته القريبة من سكني، ما زال يعمل، أستقلُّهُ أحيانا إلى العاصمة أو المدن القريبة من المضيق. وما زال الرّكاب يتقيدون بالتعليمات، فلا راكب يجلس إلى جانب آخر، ما حرمنا من الجلوس بجانب حسناوات النرويج، والكلام معهنَّ حول الطقس وارتفاع سعر صرف الكرون مقابل العملات الأجنبية، واختلاف الثقافات، وتنعقد صداقات عابرة أحياناً! كما أن سكان المضيق ما زالوا ملتزمين بتعليمات التباعد وتجنب المصافحة والعناق، استمروا على نفس النهج في تأدية التحيات في ضحك وابتسام! بما فيهم الأجانب المقيمون. في متجر بيع المواد الغذائية تعرفتُ قبل أسبوع على سيدة من بيرو، قالتْ بأنها من عاصمة الأنكا القديمة كوسكو، زوج بحار نرويجي التقتْ به قبل حوالي ثلاثة عقود، حينما كان سائحاً في بلادها. ولمّا مددتُ يدي لمصافحتها بعد انتهاء اللقاء، امتنعتْ عن ذلك بلطف وقالت ضاحكة
- لا رجاء. إنها كورونا .. كورونا!

ومثلما لا يمكن مشاهدة طاقة الهواء إلّا في دفعه للشراع، لا يمكن مشاهدة الفيروس إلا في عدد ضحاياه! لكن لا ضحايا كثيرين في المضيق بعد اندحار الفيروس عن سكّانه. شفي 44 مصاباً وتوفي واحد خلال ثلاثة أشهر. ولم تسجل إصابة واحدة بين السكّان منذ مطلع هذا الشهر.

كان الطقس حاراً يوم أمس، وهو ما تهفو إليه نفوس النرويجيين المعتادين، بعد شهور طويلة من البرد القارس وتساقط الثلوج وانتشار الظلام وجنون العزلة، على الجلوس في المطاعم والمقاهي المنتشرة في المدينة وعلى الشاطىء، في أجواء من المرح والموسيقى. ولا سيما في المنطقة المحصورة بين باخرة (Color Line) الضخمة، وسفينة صيد الحيتان القديمة الأصغر منها وتبعد عنها حوالي 100 متراً، الخليقة بأن تكون متحفاً لجمع ذكريات الصيادين. وعلى رصيف الميناء خلفها وُضعتْ للذكرى بندقية صيد الحيتان قديمة، أشبه ما تكون نصباً تذكارياً، تُذَكّر بسلاح مقاومة الطائرات خلال الحرب العراقية الإيرانية!

في مربع خصصته بلدية المضيق على الشاطىء، إلى يسار الباخرة الرّاسية في قلب المضيق هادىء الأمواج، يزاول نرويجيون بينهم أجانب الرياضة على العُقْلة. أمامهم حوريات شِبْه عاريات يَتَمَدَّدْنَ على عشب الشاطىء، كأنهنَّ خرجنَ للتوِّ من زبد البحر، ورحنَ يتناولنَ المرطّبات بتلذذ، ويسمعنَ الموسيقى باسترخاء. وهرعتِ الإوزّات البيضاء تمدُّ بأعناقها الطويلة، متوسّلة الطعام من أيدي الماشين على الشواطىء النظيفة الهادئة، يداً بيدٍ وكتفاً لكتفٍ أصدقاءً وأزواجاً.
21/6/2020
مضيق الرمال
__________________
* حتى المجموعات الشعرية التي ترجمتها عن اللغة النرويجية (إلى الأرض مع التحية) لرولف ياكوبسن، الصادرة عن دار المدى في سنة 1996 . و (ما لا قيمة له) لتور أُلفَنْ، الصادرة عن دار الواح في سنة 1999 وغيرهما، مُنِعَتْ في معرض الكويت الدولي السادس والعشرين للكتاب لسنة 2002)على سبيل المثال، كما أخبرتني صديقة شاعرة تقيم في الكويت!

** سوف تخضع الرحلات الجوية النرويجية إلى قيود صارمة، لمكافحة انتشار العدوى، عبر هذه التعليمات
1- يجب على الممسافرين ممن هم فوق سن السادسة، وضع الكمامات على الأنف.
2- الغاء الخدمة على متن الطائرات.
3- خلال صعودهم إلى متن الطائرة ونزولهم، يجب على المسافرين الحفاظ على مسافة مناسبة بين بعضهم البعض.
4- يتوزع المسافرون على المقاعد ملتزمين بالتباعد، المقاعد في وسط الطائرة، آخر ما يتم استخدامها.
5- تقوم شركات الطيران بتطهير طائراتها حسب تلك الإرشادات، بما يقلل من المخاطر على كلٍّ من المسافرين وطاقم الطائرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة