الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البكاء السياسي .

فريد العليبي

2020 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


بُكاء السياسيين في تونس قديم ، ولكن الجديد هو كثرته هذه الأيام ، فوزير يبكي يتلوه وزير ، بورقيبة أيضا كان يبكي عندما يتذكر طفولته البائسة وحذاءه المثقوب، وهو المُولع بالمسرح ، كان سبب بكائه نائما في شخصه ، وقد وجد في الماجدة وسيلة عطف الزوجة والأم ، قبل أن يطلقها في آخر العمر ، لكي تحل محلها سعيدة ساسي ابنة أخته ، التي كانت رصاصة رحمته.

بن على خليفته المنقلب عليه لم يبك ، لا لأنه قوي وعسكري ، وانما على الأرجح لأنه جاء الى السياسة بلا تاريخ و دون تجارب ، هو لم يواجه وضعا عصيبا على مدى طويل من زمن حكمه ، وفي آخره عندما جاءت الصعوبة القاتلة لا يُعرف ما إن بكى وهو في الطائرة التي أقلته الى الربع الخالي ، هناك حيث لاذ بالصمت ، ربما ضحك ، ربما بكى، وهو يتابع قبل موته ما آلت اليه تونس من بعده ، لا أحد يعرف غير زوجته التي يعتبرها كثيرون سبب بلائه.

بعد هروبه أو تهريبه تولى الرئاسة لساعات وزيره الأول محمد الغنوشي ، الذي بكى وهو يشاهد صرح سلطته وقد هوى، و في نفس الوقت كان غنوشي آخر( راشد) يبكي على الهواء في قناة اخوانية تبث من لندن ، وهو يشاهد اليساري عبد الناصر العويني يهتف وحيدا في شارع بورقيبة : بن على هرب فيا أيها التونسيون تنفسوا الحرية . والمفارقة أن الباكي أصبح حاكما ، بينما ظل من أبكاه محكوما ، وهو هذه الأيام معتصم بعد اقتحام الشرطة عليه بيته .

أما منصف المرزوقي وهو رئيس نزل بالمظلة من الجو ليسكن قصر قرطاج لبعض السنوات ، فلم يبك بسبب حدث تونسي وانما بكى وانتحب على قناة الجزيرة لأن الاخواني المصري محمود مرسي كان قد مات ، فبعد ان شتم الحداثيين والعلمانيين التابعين الحقيرين يومها انفجر عويلا عمن سماه الرئيس الشهيد ، ربما بكى وقتها حلمه المجهض بعد خروجه من قصرقرطاج مهزوما وصفة الطرطور تلاحقه . الباجي قائد السبسي انهمرت دموعه ايضا قائلا ان قلبه يبكي لان امرأة أبلغته انها لم تأكل اللحم منذ اشهر ثلاث ، وان ذلك غير معقول ، وواقع تونس مر وهو ما لا يجب ان يستمر ، وكان وقتها يطلب الأصوات خلال حملة انتخابية في حي شعبي من أحياء تونس العتيقة .

ومع كورونا استغرب التونسيون بكاء وزير صحتهم ،فأعداد المصابين والموتى لم تكن كبيرة ، وفهم كثيرون أن الامر دعاية ، فعين الوزير على الرئاسة القادمة ، حتى أنه نظم لنفسه استقبالا صاخبا في مستشفى ، وفي عز الحجر الصحي و" التباعد الاجتماعي " ، ثم لجق به في القائمة البكائية وزير الشؤون المحلية الذى راعه كما قال تدافع آلاف التونسيات والتونسيين للحصول على منحة زهيدة ، بسبب ما حل بهم من فقر جراء الوباء ، وكان آخر البكائين وزير المالية فالميزانية منهارة والموارد شحيحة .

يبكي الناس غالبا لألم وغم وكمد ومصيبة ، وقليلا لفرح وسرور وبهجة . ويبدو أن البكاء السياسي لا علاقة له بمثل تلك الحالات، وإنما هو وسيلة لتحقيق غاية ، وهي المقبولية الشعبية وكلما بكى سياسي فصدقه الناس نسج منافسه على منواله وبكى مثله لحصد الرضى ، لذلك ينحدر البكاؤون من أحزاب متنافسة ، فالأمر يتعلق ببكاء " مُتلفز " ، تنشره القنوات التي تسكن البيوت ، لذلك كثيرا ما يُقارنُ أصحابه بالتماسيح التي تنزل دموعها مدرارا وهى تلتهم فرائسها ، إنه بكاء لمخاتلة الضحايا قبل وبعد وأثناء الفتك بها ، وفي تونس اليوم فإن وسادة السلطة مُبللة بتلك الدموع التي لا نفع فيها للشعب ، فهي لا تُخمد نيران الفقر والمرض والفساد والبطالة ، ومثلما يُنصح بعدم اتخاذ التمساح صديقا لأن عيناه دامعة ، يُنصح بالحذر من السياسيين البكائين ، فالأوطان لا تحتاج بكاء وعويلا ولطم خدود ، وانما تدبيرا وعلما وعملا واقداما وشجاعة ، لقد أمسى البكاء السياسي مُبتذلاً، بل إن الدموع صارت تستحي من نفسها ،وعندما يُصبح الشعب واعيا بذاته فإن السياسي البكاء لن يجد من ينظر الى دموعه ويُصغي الى نحيبه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار