الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق المتهم بحضور محامي في مرحلة جمع الاستدلالات وموقف القانون المقارن والقانون الامارتي منه

نضال الابراهيم

2020 / 6 / 23
دراسات وابحاث قانونية


مدخل:
تثير منظمات حقوق الانسان من حين الى اخر قضية حق الشخص المشتبه به او المتهم، في توكيل محامي ابان مرحلة (جمع الاستدلالات) من قبل مأموري الضبط القضائي، وهل هو حق للمتهم ويعتبر من ضمانته الدستورية والقانونية ام لا. والسبب في اثارة هذه القضية هو اختلاف الانظمة القانونية في العالم فمنها من يمنح هذا الحق للمته، بأن يقوم بتوكيل محامي فور القبض عليه، وقبل ان يتم (سماع اقواله) من قبل مأموري الضبط القضائي، وذلك باعتبار هذا الامر من ضمانات المتهم التي ينص عادة عليها في الدستور والقوانين في مواجهة اجراء الاتهام ومؤامة مع التشريعات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان التي تؤكد على ذلك.
وفي المقابل هناك انظمة قانونية لا تمنح هذا الحق للمتهم، إلا بعد ان تتم اكتمال اجراءات الاستدلال ويتم احالة المتهم الى النيابة العامة بصفته متهم بقضية جنحة او جناية، حيث يحق له وقتها المثول امام النيابة العامة مع وكيله " المحامي" وذلك ضمن اجراءات محددة، وبعدها يصار الى احالته الى المحكمة المختصة حتى يحاكم امامها.
كل ذلك يدخل في إطار الإجراءات الجزائية المنصوص عليها في النظام القانوني والقضائي المعني، وهناك أنظمة قانونية سكتت عن منح او منع حق توكيل محامي في مرحلة جمع الاستدلال ومنها النظام القانوني والقضائي في دولة الامارات العربية المتحدة.
وهنا لا بد من الإشارة للمادة 100 من قانون اتحادي رقم (35) لسنة 1992، بإصدار قانون الإجراءات الجزائية، التي جاء فيها (يجب أن يمكن محامي المتهم من حضور التحقيق معه، والاطلاع على أوراق التحقيق ما لم يرَ عضو النيابة العامة غير ذلك لمصلحة التحقيق). (1) وهي واضحة الدلالة على حضور المحامي مع المتهم اثناء تحقيق النيابة العامة وهو تحقيق قضائي يبدأ بعد انتهاء مرحلة جمع الاستدلالات من قبل الشرطة.
والمقصود بالإجراءات الجزائية في هذا المقام، مجموع الخطوات الواجب توفرها منذ لحظة وقوع الجريمة حتى تنفيذ الحكم و تقسم هذه الاجراءات الى ثلاث مراحل هي :
1: مرحلة جمع الاستدلالات بواسطة الضبطية القضائية والتي تنحصر مهمتها في البحث
عن الجرائم ومرتكبيها وجمع عناصر التحقيق .
2: ومرحلة التحقيق الابتدائي الذي تباشره النيابة العامة أو قاضي التحقيق، والغرض منه مراقبة عمل الضبطية القضائية وإتمامه، وجمع القرائن والأدلة وتقرير ما إذا كان هناك محل للمحاكمة ام لا.
3: ومرحلة المحاكمة التي تعتبر المرحلة النهائية من الإجراءات الجزائية والتي يصدر بها الحكم على المتهم ان كان بالإدانة أو البراءة.
وعليه تم تقسيم هذه المقالة الى ست فروع كل فرع يتناول جزئية من الموضوع لتسهيل القراءة والفهم على غير المختصين في المجال القانوني:

الفرع الأول: التمييز بين مرحلة الاستدلال والتحقيق.
تتميز مرحلة الاستدلالات بأن إجراءاتها تسبق البدء في الدعوى الجنائية، لذلك تعد مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية، أما التحقيق فهو المرحلة الأولى من مراحل الدعوى الجنائية وينبني على ذلك أن الدعوي الجنائية لا تتحرك إلا بالتحقيق، ولا تعتبر أنها قد بدأت بأي إجراء من إجراءات الاستدلال ، كما وان الدليل بمعناه القانوني هو ما يستمد من التحقيق أما أعمال الاستدلال فلا يستمد منها أدلة قانونية ، ويتميز الاستدلال كذلك بأن إجراءاته لا تنطوي على مساس بالأشخاص أو بحرمة مساكنهم، خلاف إجراءات التحقيق الابتدائي التي تنطوي على إجراءات قهر وقد تنطوي على مساس بحرمة الشخص أو مسكنه.

الفرع الثاني: اهمية مرحلة الاستدلال.
1- تعتبر نقطة البداية لعمل الضابطية القضائية او الشرطة في كشف الغموض الذي يحيط بالجريمة.
2- يكون لها في كثير من الاحيان أثر فعال في تكوين عقيدة القاضي أي توجه في اصدار الحكم على المتهم من حيث الميل الى البراءة او الإدانة.
3- وجود العديد من القيود الإجراءات الشكلية التي ينبغي الالتزام بها من قبل الشرطة، فأي خلل فيها أو انتهاك لها يؤدي الى فسادها وبطلانها، وبالتالي بطلان الآثار المترتبة عليها مما قد يعرقل سير التحقيق.
4- تسهم في اختصار الإجراءات الجنائية فقد تستند النيابة العامة إلى محضر جمع الاستدلالات والأدلة والقرائن التي تم جمعها وتحليها إلى المحكمة خاصة في المخالفات والجنح.
5- تساهم في تجميع الأدلة والمحافظة عليها لحين حضور النيابة العامة، وذلك بمنع الحاضرين من لمسها أو الاقتراب منها وأن تأخيرها قد يؤدي الى ضياع الأدلة.

الفرع الثالث: تعريف المتهم في القانون المقارن وقانون الاجراءات الجزائية الاماراتي.
يبدو ان اغلب التشريعات الجزائية العربية لم تضع تعريف جامع مانع لمصطلح المتهم، رغم انه يستخدم في مختلف مراحل الإجراءات الجزائية، حيث يستخدم للتعبير على كل من توجه له تهمة بارتكاب جريمة ما، فهو ذلك الشخص المتابع بالإجراءات القضائية. والملاحظ عمليا أنه كثيرا ما يتم الخلط بين بعض، المصطلحات المتشابكة كلفظي المشتبه فيه والمتهم، وهما مصطلحان يستحيل التمييز بينهما من الناحية اللغوية فكلاهما يعني الظن لا اليقين، ويمكن التمييز بينهما إجرائيا حيث أن مرحلة الاشتباه تسبق مرحلة الاتهام التي لا تبدأ إلا باقتناع القاضي بقيام الاتهام، فمتى وصلت الشبهات الى الاقتناع بإسناد التهمة عد الشخص متهما. (2) هذا وقد عرف أيضا المتهم بأنه: "الطرف الثاني في الدعوى الجنائية وهو الخصم الذي يوجه إليه الاتهام بواسطة تحريك الجنائية قبله (3). او هو كل شخص تقام عليه الدوى الجزائية. (4) وعرّف المتهم ايضا بأنه كلّ شخص توافرت ضدّه أدلة أو قرائن قانونية لتوجيه الاتهام إليه وتحريك الدعوى الجزائية ضدّه، إذ يعرّف الفقيه عمر الفاروق الحسيني المتهم بكونه الشخص الذي قامت ضدّه أي سلطة سواء بإجراء قانوني أو بمجرّد عمل مادي يكشف في ذاته عن يقينها أو اشتباهها في مساهمته أو اتصافه بفعل يعدّ جريمة.
رغم أهمية الوضع الذي يجعل من الشخص متهماً في الدعوى الجزائية، إلا أن قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي قد جاء خلواً من تعريف محدد للمتهم، لذا فقد اجتهد الفقه والقضاء في وضع تعريف للمتهم إذ أن تعريفه يعتبر من الأمور الجوهرية، التي تلزم سلطة التحقيق معاملته على أساس تلك الصفة، وبقراءة التعريفات الواردة في الفقه العربي للمتهم يمكن ردها إلى اكثر من اتجاه وأهمها ما تم الاستقرار عليه في الاجهاد القضائي والفقهي المصري والإماراتي وهو اتجاه يأخذ بمفهوم واسع لتعريف المتهم ووفقاً له يعتبر متهماً كل شخص اتخذ ضده أي إجراء من الإجراءات الجنائية بمعرفة السلطة المختصة أو هو المبلغ ضده في جريمة ما وبمعنى آخر يمكن اعتبار الشخص متهماً – وفقاً لهذا الاتجاه – إذا كانت تنطبق عليه احد الصور التالية :
1- إذا تم القبض عليه أو صدر ضده أمر بضبطه وإحضاره من النيابة العامة أو سلطات الضبط القضائي.
2- إذا نسبت إليه الجريمة في عمل من الأعمال الإجرائية الجزائية كمحاضر الشرطة أو محاضر جمع الاستدلال أو محاضر تحقيقات النيابة.
3- من وجه إليه اتهام من النيابة العامة باعتبارها سلطة اتهام أو تحقيق أو ويبدو أن هذا الاتجاه هو الذي أخذت به محكمة النقض المصرية، كما انه يعد الأكثر انسجاماً مع نصوص قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن حيث أن هذا الاتجاه يعد الأكثر انسجاماً مع قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي فذلك واضحاً من خلال قراءة نصوص هذا القانون ، فالمشرع الاتحادي قد أطلق لفظ المتهم على كل شخص يكون محلاً لإجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة ، مثلاً ما ورد في المادة ( 36 ) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي، التى نصت على انه " يجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها ويجب أن تشمل تلك المحاضر زيادة على ما تقدم توقيع المتهمين والشهود والخبراء الذين سئلوا وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأوراق والأشياء المضبوطة" وأيضاً المادة (40) من نفس القانون التي نصت على أن " لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الأدلة أن يسمعوا أقوال من تكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها وان يسألوا المتهم عن ذلك ولهم أن يستعينوا بالأطباء وغيرهم من أهل الخبرة ولا يجوز لهم تحليف الشهود أو الخبراء اليمين إلا إذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة". (5)

الفرع الرابع: حقوق المتهم في مواجهة العمل الشرطي.
يشكل العمل الشرطي في مواجهة المتهم حدثاً غير عادي إذ يقوده مكرهاً غير مختار، إلى ولوج مسالك العدالة الجنائية لإقدامه قصداً أو عن إهمال على ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون، وبالتالي فهو بحاجة لحماية حقوقه الأساسية حتى لا تهدر نتيجة لجهله بتلك المسالك أو للنيل منه قصداً أو عن غير قصد فتفقده الحصانة التي منحها له الدستور ووفرتها له القوانين، وتعرض شخصه ومصالحه للخطر والحماية الفضلى التي يمكن أن تؤمن له تتوفر عبر الالتزام الكلى باحترام حقوقه الأساسية، التي أعلنت عنها المواثيق الدولية وأكدتها الدساتير والقوانين الوطنية والمتمثلة في :
1-الحق في قرينة البراءة.
2-الحق في السلامة الجسدية.
3-الحق في الصمت.
4-الحق في الاستعانة بمحام.
واهم ما يتعلق بموضوعنا هو الحق في الاستعانة بمحام، فقد أكد دستور دولة الإمارات العربية المتحدة في المادة (28) منه على حق المتهم في الاستعانة بمحام للدفاع عنه أثناء المحاكمة، وترك للقانون تحديد الأحوال التي يتعين فيها حضور محام عن المتهم، وبقراءة قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي، نلاحظ انه لم ينص على حق المتهم في الاستعانة بمحام في مرحلة الاستدلال، وأجاز ذلك في مرحلة التحقيق الابتدائي الذي تتولاه النيابة العامة ما لم ير عضو النيابة غير ذلك لمصلحة التحقيق " المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي ".
ومع كل ما تقدم حق المتهم في الاستعانة بمحام هو حق ينبغي إقراره في مرحلة الاستدلالات، أسوة بمرحلة التحقيق الابتدائي ذلك لأن الدفاع حق مصون للإنسان، لا يمس في جميع مراحل الإجراءات بلا استثناء بما فيها مرحلة جمع الاستدلالات، بل أن مرحلة جمع الاستدلالات تعد من أخطر المراحل وأشدها حاجة للاستعانة بمدافع ذلك لأنها مرحلة الإجراءات الشرطية التي يتسم العمل فيها بالسرية، وهي المرحلة الحرجة التي يمر بها المتهم فالدليل الناتج عنها هو في الغالب ما تبني عليه القضية.

الفرع الخامس: موقف القانون الدولي لحقوق الانسان من حق الحصول على المساعدة القانونية في مرحلة جمع الاستدلالات.
في العام 1962 قامت لجنة حقوق الإنسان المنعقدة بهيئة الأمم المتحدة، وفيما بعد المؤتمر الدولي الثاني عشر لقانون العقوبات المنعقد في المانيا -هامبورج عام 1979 إلى التوصية بضرورة تمكين المتهم من الاستعانة بمدافع في كافة مراحل الإجراءات الجنائية بدون استثناء خاصة في المراحل الحرجة منها والمتمثلة في مرحلة التحري والاستدلال.
يضاف الى ذلك اغلب المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان تتضمن حق الشخص المتهم في توكيل محام يختاره ومنها الاتي: المادة 14 – 3 – د من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 – 1 – ج من الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، والمادة 6-3-ج من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والمادة 8-2-د من الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان.
يضاف الى ذلك ما ورد في القاعدة 93 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لعام 1955 والتي تنص على ما يلي:" يرخص للمتهم، بغية الدفاع عن نفسه، بأن يطلب تسمية محام تعينه المحكمة مجانـا حين ينص القانون على هذه الإمكانية، وبأن يتلقى زيارات محامية إعدادا لدفاعه وأن يسلمه تعليمات سرية. وعلى هذا القصد يحق له أن يعطى أدوات للكتابة إذا طلب ذلك. ويجوز أن تتم المقابلات بين المتهم ومحامية على مرمى نظر الشرطي أو موظف السجن، ولكن دون أن تكون على مرمى سمعه".
وما ورد في المبدأ رقم 18 من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 43/173 المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر1988
1-يحق للشخص المحتجز أو المسجون أن يتصل بمحاميه وأن يتشاور معه.
2-يتاح للشخص المحتجز أو المسجون الوقت الكافي والتسهيلات الكافية للتشاور مع محاميه.
3-لا يجوز وقف أو تقييد حق الشخص المحتجز أو المسجون في أن يزوره محاميه وفى أن يستشير محاميه ويتصل به، دون تأخير أو مراقبة وبسرية كاملة، إلا في ظروف استثنائية يحددها القانون أو اللوائح القانونية، عندما تعتبر سلطة قضائية أو سلطة أخرى ذلك أمرا لا مفر منه للمحافظة على الأمن وحسن النظام.
4- يجوز أن تكون المقابلات بين الشخص المحتجز أو المسجون ومحامية على مرأى من أحد موظفي إنفاذ القوانين، ولكن لا يجوز أن تكون على مسمع منه.
5- لا تكون الاتصالات بين الشخص المحتجز أو المسجون ومحاميه المشار إليها في هذا المبدأ مقبولة كدليل ضد الشخص المحتجز أو المسجون ما لم تكن ذات صلة بجريمة مستمرة أو بجريمة تدبر. (6)

الفرع السادس: موقف التشريعات من تأكيد حق المتهم بالاستعانة بمحام خلال مرحلة جمع الاستدلالات.
اختلفت التشريعات المقارنة بتقرير هذا الحق وفق ثلاثة اتجاهات هي:
1-الاتجاه الاول:
يتمثل بالتشريعات التي نصت صراحة على تقرير حق كل شخص يشتبه به ان يستعين بمدافع عنه يحضر معه أثناء استجوابه من قبل رجال الشرطة أو الأمن من هذه التشريعات القانون اليوناني حيث تنص المادة 104 اجراءات جنائية على أن للمتهم حق كامل بالاستعانة بمدافع عنه أثناء مرحلة الشرطة وكذلك الحال بالقانون الياباني والهندي.
2-الاتجاه الثاني:
يتمثل بالتشريعات التي لم تنص صراحة على تأكيد ضمانة حق المتهم بالاستعانة بمدافع عنه أثناء مرحلة التحقيق الشرطي ففي فرنسا مثلا أثيرت هذه المشكلة نظراً لعدم وجود نص في القانون فاتجه الرأي الى عدم ضرورة توفير هذه الضمانة وذلك بناء على أن تحقيق الشرطة يختلف عن التحقيق الابتدائي فالمشتبه به لا يجد متسعاً من الوقت للاستعانة بمدافع كما أن اجراءات التحقيق هنا ستعاد لاحقاً أمام قاضي التحقيق حيث يمكن آنذاك تأمين مدافع وفقاً للقانون وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن ضمان الاستعانة بمدافع لا يطبق إلا أثناء اجراءات التحقيق التي يقوم بها قاضي التحقيق وليس في مرحلة جمع الاستدلالات المسماة التحقيقات الاولية .
ومن التشريعات التي لم تنص صراحة على هذه الضمانة أيضاً القانون الألماني وكذلك الحال القانون الإنكليزي حيث تعترض الشرطة عملياً على حضور المحامي بدعوى أن حضوره يعرقل إجراءات البحث والتحقيق باعتبار أن المحامي سينصح موكله بعدم الإجابة على أسئلة الشرطة أو اعطاء معلومات كاذبة أو ناقصة.
3-الاتجاه الثالث:
تشريعات تنكر صراحة حق المتهم بالاستعانة بمدافع عنه لدى مثوله أمام الشرطة فالقانون الاتحاد السوفيتي السابق أجاز للمتهم حق الاستعانة بمدافع عنه بعد انتهاء التحقيق الابتدائي، وفي القانون السوداني نجد أن الفقرة الرابعة من المادة (46) من اللوائح العامة للشرطة أنكرت على المحامي حقه بالحضور مع موكله أمام ضابط نقطة الشرطة في مرحلة التحري، رغم أهمية الدور الذي تقوم به الشرطة في هذه المرحلة. (7)
وبشكل مفصل أكثر نجد في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، حيث أقام هذا الأخير تفرقة واضحة بين ثلاث فئات للمتهمين هم: (المتهم أمام مرحلة التحقيق ) و(المتهم في دعوى أمام محكمة الجنح والمخالفات ) و(المتهم المحال إلى محكمة الجنايات ) كما (اوجد المشرع الفرنسي مرحلة سابقة على الاتهام أطلق عليها الاشتباه ) وصف الشخص فيها بالمشتبه فيه وهو الشخص الذي لا ينطبق عليه وصف من الأوصاف السابق ذكرها ويرد ( في محضر جمع الاستدلالات كمشتبه فيه بارتكاب جريمة أو مساهم فيها ) أو من تتوافر قبله دلائل أو إمارات قوية تسوغ اتهامه بارتكاب جريمة (كما أقام المشرع الفرنسي مرحلة وسطى بين الاشتباه والاتهام أطلق عليها مسمى الشاهد المشتبه فيه حيث أجاز لهذا الشاهد رفض الإدلاء أو سماع أقواله بصفته شاهداً وإنما يطلب معاملته كمتهم حتى يتمتع بالضمانات التي يكفلها له قانون الإجراءات الجنائية ) وأهمها حق الاستعانة بمحام • وفي العام 1993 اعترف القانون الفرنسي بحق المشتبه به في الاستعانة بمحام أمام مأموري الضبط القضائي فحتى عام 1993 لم يكن بإمكان المحامي التدخل الى جانب المقبوض عليه أمام الضابطة العدلية ، ولكن ومع صدور القانون الجديد أصبح بإمكان المشتبه به ومنذ بداية التوقيف الاستعانة بمحام أمام مأموري الضبط القضائي .
وفي التشريعات الأنجلوساكسونية اعترفت للمشتبه به في مرحلة الاستدلال بجميع الضمانات التي قررتها للمتهم في المراحل اللاحقة استناداً الى ما قررته القواعد الدستورية من عدم إلزام الشخص بأن يشهد ضد نفسه، أو يساهم في تقديم دليل ادانته وقد طبقت هذه القواعد بالنسبة للمدعى عليه، والمشتبه به دون تفرقة بينهما.
ففي أمريكا مثلاً اعتراف المحكمة الفدرالية العليا بعد قضية ميرندا بتاريخ 13/6/1966 للمقبوض عليه بحق الاستعانة بمحام منذ بداية التوقيف، وقبل أي استجواب فقد قضت المحكمة العليا في قرار لها: (بأنه يثبت حق الاستعانة بمحام لفرد من الأفراد عندما تتوجه التحقيقات التي تجري معه الى الحصول على اعتراف منه بمعنى آخر عندما تزول عن التحقيق عموميته).
كما أكدت في مجال آخر بأنه: (يجب أن يخطر الشخص الموضوع في الحراسة بوضوح بأن له الحق في أن يبقى صامتاً، وأن كل ما يقوله سيستخدم ضده في المحاكمة، كما يجب أن يخطر بأن له الحق في أن يستشير محامياً، وأن يكون معه محام خلال استجوابه، أو أن ينتدب له محام في حالة عجزه المالي عن استخدامه).
كما نهج القانون الكندي في هذا السبيل في تقرير حق المشتبه به بالاستعانة بمحام في مواجهة اجراءات الشرطة، ورفع هذا الحق الى مرتبة الحقوق الدستورية فنص في وثيقة الحقوق الكندية في الفقرة /ج/ من المادة الثانية على أنه: (يجب ألا يفسر أو يطبق أي قانون في كندا على نحو يحرم أي شخص قبض عليه أو حبس من حقه في استشارة محام دون تأخير).
أما على الصعيد الأوربي اعترفت التشريعات في ألمانيا وايطاليا وفرنسا بحق المشتبه به بالاستعانة بمحام في مرحلة الاستدلال، ومن ذلك فقد نص القانون الألماني للإجراءات الجنائية في المادة /136/ على حق المشتبه به في الاستعانة بمحام أثناء اجراءات الاستدلال ومنح المحامي حق الاطلاع على الملف الخاص بالمشتبه فيه دون أن يكون له الحق في مساعدة المشتبه به أثناء التحقيق الذي يجريه معه مأمور الضبط القضائي.
كما نص القانون الايطالي في المادة /225/ من قانون الاجراءات على حق المشتبه به في الاستعانة بمحام أثناء مباشرة اجراءات الاستدلال، بمعرفة مأمور الضبط القضائي. وألزم القانون الايطالي مأمور الضبط القضائي في حالة عدم وجود محام للمشتبه به أن ينتدب له محام من الجهة المختصة.
ومن التشريعات التي لم تنص صراحة على ضمان حق الاستعانة بمحامي، أثناء مرحلة الاستدلال في القانون البلجيكي والقانون السويسري.
اما في التشريعات العربية، ـ فلا يوجد في اغلب القوانين العربية ما يشير الى وجود نص ينظم تدخل المحامي أمام الضابطة القضائية ورغم أن الدساتير العربية تنص على حماية حرية الأفراد، ورغم أن هذا الأصل الدستوري الذي يستوجب في أبسط تطبيقاته حق المشتبه به بالاستعانة بمحام أمام أي مرجع كان بما يكفل احترام حريته ومنعه من التفوه بما قد يساهم في تقديم دليل ادانته، وهو غير مكلف بذلك. على أن القانون المصري نص في المادة /82/من قانون تنظيم مهنة المحاماة، على امكانية حضور محامي المشتبه به أمام الضابطة القضائية عندما نص على ما يلي:
(للمحامين دون غيرهم حق الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم والنيابات وهيئات التحكيم ودوائر الشرطة والجهات القضائية والإدارية ذات الاختصاص القضائي وجميع الجهات الأخرى التي تباشر تحقيقاً جنائياً أو ادارياً أو اجتماعياً ولا يجوز تعطيل هذا الحق في أي صورة أو لأي سبب). كما نص قانون الاجراءات الجنائية على هذا الحق.
في القانون السعودي، نجد ان نظام المحاماة ونظام الاجراءات الجزائية قد جاءا خلوا من حضور المحامي مع المتهم في مرحلة الاستدلال، او حق اطلاعه على في هذه المرحلة على اوراق من محضر الاستدلال او التحريات او المذكرات او التقارير طالما انها لا زالت في هذه المرحلة. إلا انه يحق له الحضور في حالة ندب أحد مأموري الضبط القضائي من قبل النيابة العامة للقيام بأحد اجراءات التحقيق.
كما ان المشرع الاردني سكت عن اعطاء المشتبه به او المشتكى عليه الحق بتوكيل محامي في مرحلة جمع الاستدلالات، مما فتح الباب امام الاجتهاد الفقهي وكذلك الامر بالنسبة للمشرع الكويتي سكت عن اعطاء المشتبه به او المشتكى عليه الحق بتوكيل محامي في مرحلة جمع الاستدلالات. (8) وكذلك المشرع العراقي واليمني والتونسي والجزائري. ومن التشريعات التي لم تنص صراحة على ضمان حق الاستعانة بمحامي أثناء مرحلة الاستدلال ايضا القانون اللبناني.
أما المشرع المغربي منذ صدور قانون المسطرة الجنائية، فقد حرم المشتبه به من الاستعانة بالمحامي في مرحلة البحث التمهيدي ومرحلة الاستنطاق أمام سلطة الاتهام، إلى أن تم صدور قانون 301291 الذي عمل على تعزيز حقوق الدفاع وأضاف ضمانات جديدة للمشتبه فيه أثناء البحث التمهيدي وأثناء الاستنطاق أمام السيد وكيل الملك وفي مرحلة التحقيق الإعدادي. وقانون " المسطرة الجنائية " المغربي اعطى الحق للمتهم بتوكيل محامي ابان فترة جمع الاستدلالات ولكن دون اية صلاحيات فعلية.
والخلاصة فيما يرى الاستاذ الدكتور توفيق رشوان مدرس القانون الجنائي في كلية شرطة – ابوظبي،
بقوله: " لابد من التسوية بين مرحلتي جمع الاستدلالات ( التحقيق الفوري ) والتحقيق الابتدائي من حيث السماح للخصوم ووكلائهم بحضور اجراءات التحقيق، باعتبار أن اجراءات الاستدلال تعد من بين عناصر التحقيق بمعناه الواسع وعى كل حال فإنه من الأفضل أن يسمح ضابط البحث الجنائي لمحامي المتهم أن يحضر معه أثناء تحرير المحضر – إلا إذا رأى بناء على مبررات قوية أن حضوره سيعوق اجراءات للتحقيق – لأن حضور المحامي التحقيقات الفورية هو من الضمانات الهامة التي تزيل الثقة في سلامة هذه الإجراءات وتدعم قيمتها في الإثبات، فحضوره فيه رقابة على المحقق تمنعه من اتخاذ أي اجراء تعسفي كما انه يهدئ من روع المتهم ويساعده على الاتزان والهدوء في اجاباته فلا تصدر منه اعترافات غير ارادية ولاشك في ان منظم الضبط الذي يرعى القانون والحق والعدالة يهمه أن يكسب اجراءاته هذه الميزات ".
وإذا تم الاخذ بالرأي الوارد اعلاه فان ذلك قد يتطلب تعديلات تشريعية في قانون الاجراءات الجزائية الامارتي وقانون ممارسة مهنة المحاماة، او أحدهم وهو الذي يتطلب اجراءات ومراحل متعددة وبكل الحالات فأن الامر يخضع لتقدير السلطة التنفيذية والمشرع الاماراتي، فيما إذا كان بقاء الامر على حاله دون نص واضح على حق توكيل محام في مرحلة جمع الاستدلالات ام لا.

مصادر والمراجع
1. قانون اتحادي رقم (35) لسنة 1992م، بإصدار قانون الإجراءات الجزائية.
2. سامي صادق الملا، اعتراف المتهم رسالة دكتوراه دار النهضة العربية، جامعة القاهرة،1969، طبعة3، ص30.
3. أحمد فتحي سرور، الوسيط في شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، 1988، طبعة2، ص9.
4. ضمانات المتهم اثناء الاستجواب، سردار علي عزيز، ص 10.
5. الدكتور رفعت رشوان -التنظيم القانوني للضبطية القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة "محاضرة مقدمة في إطار الخطة التدريبية السنوية لإدارة الشؤون القانونية بوزارة الداخلية". وكذلك انظر: الدكتور رفعت رشوان، حقوق الانسان المتهم في ميزان العمل الشرطي، دراسة تحليلية ونقدية للقواعد الإجرائية المتعلقة بالعمل الشرطي في دولة الامارات العربية المتحدة ص: 2 وما بعد.
6. الموقع الرسمي الأمم المتحدة، حقوق الانسان، مكتب المفوض السامي، المنشورات والموارد، تاريخ الاسترجاع 22/6/2020. العنوان الالكتروني: https://www.ohchr.org/AR/.
7. المحامي ضياء خضور الاستعانة بمحامي اثناء مرحلة تحقيق الشرطة، مقال منشور على اخبار سورية والعالم، تاريخ الاسترجاع 22/6/2020، العنوان الالكتروني: https://worldnews-sy.com.
8. للتفصيل أكثر في اراء الباحثين في التشريع الأردني والكويتي في موضوع توكيل محامي خلال مرحلة جمع الاستدلالات انظر: خليفة المطيري، رسالة ماجستير ضمانات حق الدفاع في القانونين الكويتي والأردني، دراسة مقارنة، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، عمان، 2010 ص: 60.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة