الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك الشّعبي التّشريني في العراق... رؤية تنظيمية قبل فوات الأوان!

وليد سلام جميل
كاتب

(Waleed Salam Jameel)

2020 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن الحراك الشعبي في العراق نتيجة ولادة لحظة تاريخية فارقة، بل كان قائماً وكامناً في نفس الوقت في كل الهياكل المتآكلة للدولة الجديدة بعد 2003، وبدأ ينشط بشكل أكثر فاعلية منذ سنة 2011 وتأثير الدومينو في كثير من بلدان الوطن العربي كان واضحاً. كانت الخدمات هي المطلب الأساسي للإحتجاجات، ثمّ تطورت شيئاً فشيئاً كأي حركة إحتجاجية في التاريخ حتى جاءت الحركة التشرينية التي انطلقت يوم الأول من تشرين سنة 2019 وما زالت تتحرك إلى اليوم. إذ تميّزت هذ الحركة بمميزات عديدة أهمها أنها انتقلت من المطالب الخدمية إلى السياسية والإقتصادية، أو بكلمة أخرى انتقلت إلى المطالبة ببناء "الدولة الغائبة". إنّ هذا التوجه لم يكن وليد اللحظة بل كان نتيجة التراكمات السيئة لسياسات وسرقات السلطات والأحزاب وغياب الأمن والعدالة الإجتماعية. بدأ الشعب العراقي يدرك أنه مهدداً تهديداً وجودياً حقيقياً، ومن الضروري التوحد والتوجه نحو بناء دولة وطنية مؤسساتية حديثة تعيد للعراق مكانته التي يستحقها كأقدم بلد وُلدت فيه الحضارات. ويمكن إستنطاق هذا التوجه الشعبي من خلال أبرز شعارات الحركة التشرينية (نريد وطن)، فلم يعد الشعب يطالب بالكهرباء والماء وتوفير الخدمات كما السابق بل إتجه للتغيير البنيوي، أو التغيير الفوقي وليس السفلي، إنّه يريد وطناً مسلوب منه. وقد ولّد هذا الحراك (الضمير الجمعي) إذ مثّل حركة إحتجاجية سوسيو-سياسية، تعبّر عن التلاحم والتفاعل ما بين الضمير الفردي والضمير الجمعي بحثاً عن (هوية عراقية)، فما تزال الهوية مشوّهة ولا لون لها ولا ملامح تميّزها، وذلك من خلال بناء دولة وطنية، تحمل الضمير الوطني وتعمل لخدمة شعبها، بعيداً عن المحاصصة الطائفية والفئوية وسياسة المحاور الإقليمية والدولية. ومن المميزات الأخرى أنها لم تحمل طابع (العنف) للتغيير ولم تطالب بتغيير النّظام كما حدث فيما يُسمّى (الربيع العربي) الذي أسقط الأنظمة القائمة حينها، وإنّما إتجه ل"إصلاح النّظام" بنفس أدواته متمثلةً بالدستور، عن طريق ثورة إحتجاجية شعبية عفوية، وكان شعار (السّلمية) هو الشعار البارز منذ إنطلاق الإتجاجات رغم العنف المفرط الذي قوبلت به من قبل السلطات والميليشيات الدّاعمة لها، حيث زادت ضحاياه عن 700 شخص وتجاوز عدد المصابين 30 ألفاً!. هذا الوعي السّلمي الجماهيري يحمل همّ بناء الدولة من جديد وإصلاح ما أفسدته السلطات وأحزابها والقطيعة مع ما هو قائم من تقاسم للمصالح بين الجهات المتنفذة التي تنظر إلى الشّعب كفائض عن الحاجة، لا يستحق الكرامة!.
من هنا فلا بُدّ أن تنتقل الحركة الإحتجاجية الشعبية من العفوية إلى التنظيم ووضع هياكل ورؤى متينة ومجالس تقود الحراك الشّعبي، فليس من المعقول والمنطقيّ أن تطالب حركة ببناء الدولة ومؤسساتها وتنظيمها ثمّ لا تنظّم نفسها تنظيماً ذاتياً وموضوعياً. إنّ أكثر ما نخشى عليه هو تشتت الحراك وفقدانه رمزيته الوطنية إذا ما استمر من دون تنظيم واضح، وتضيع دماء الشهداء التي كانت تحلم بالعيش الكريم ورؤية العراق كما يجب أن يكون. لذا فإنّ هذا المقال يسعى لطرح رؤية تنظيمية جديدة، تطوّر من فاعلية الحراك الآني والمستقبلي، مفترضاً بادئ ذي بدءٍ "أن الحركة التشرينية حركة ناضجة يمكن تنظيمها".
تتركز الإحتجاجات الشعبية الآن في 11 محافظة عراقية، وتمارس نشاطاتها في ميادين (ساحات) موحدة، وهذا ما يجعل تنظيمها أكثر سهولة، إذا ما قام النّخب والأكاديميين بدور عمليّ على الأرض بشكل أكبر وأكثر فعالية. تنطلق رؤيتنا من تشكيل مجالس تنظيمية بصيغتين الأولى على مستوى المحافظة والثانية على مستوى العراق. تتمثل وظيفتهما بصياغة الرؤى ورسم السياسات ووضع الخطط وتنظيم الشعارات وتوحيد البيانات. أما آلية تشكيلها فهي عن طريق ساحات الإحتجاج نفسها، إذ يوجد في كل ساحة مجموعات "قوى الضغط" من النقابات والنّخب والتجمعات المدنية ومنظمات المجتمع المدني إضافة للإتحادات الطلابية والنّسوية، ويمكن من خلالها تكوين مجلس إداريّ لكل محافظة نطلق عليه "المجلس الإداري للحراك الشعبيّ"، يمثل كل شرائحها عن طريق طرح كل مجموعة ممثلاً لها في هذا المجلس. ويكون عدد أعضائه متناسباً مع الكثافة السكانية، كأن يكون لكل مئة ألف ممثل واحد في المجلس الإداري. وكمثال توضيحيّ فإنّ عدد سكان محافظة بغداد بحدود تسعة ملايين تقريباً، وبقسمتهم على مئة ألف يكون الناتج تسعين شخصاً، وهؤلاء هم عدد ممثلي المحافظة بالمجلس وهكذا باقي المحافظات، والعدد والنسبة وما يتبعها يمكن مناقشتها ما بين المحتجين للخروج بصيغة نهائية. ثمّ بعد ذلك ينبثق "المجلس الإداري الأعلى للحراك الشّعبي" الذي يتكون من مجموعة من الأعضاء ممثلين للمجالس المحلية أو ما أطلقنا عليه "المجلس الإداري للحراك الشعبي" في كلّ محافظة، ليكون التنظيم أكثر مركزية وإنضباطاً، ويكون هذا المجلس مركزه العاصمة بغداد لما تمثله من ثقل سياسيّ وتاريخيّ وهو مركز القرارات النهائية في ما يخصّ الحراك وآلياته وتوقيتاته وشعاراته، بعد المداولات والمشاورات المستفيضة ما بين أعضائه. وتعمل المجالس المحلية على العمل التطبيقي في الميادين كافة بعد صدور التعليمات من المجلس الأعلى. ما يميّز هذه المجالس أنها تمثّل المجموع بما يحمله من مكوّنات بنظرة وطنية وليست قيادات فردية تمثّل مصالحها الشّخصية أو الفئوية، لضمان عدم إنحرافها وإيمان وثقة الشّعب بها.
أمّا من النّاحية الإستراتيجية، فيمكن لهذ المجالس أن تنطلق بمشروع سياسيّ على المستوى الوطنيّ، مكوّنة جبهة سياسية بعيدة عن الطائفية والقومية والفئوية، تحمل مشروعاً وطنياً لكل العراقيين، مستقطبة أبناء العراق جميعاً بمختلف توجهاتهم، وراسمة لإستراتيجيات واضحة وخطط واقعية للنهوض بالبلد، بما يملكه من موارد وطاقات بشرية شبابية هائلة وعقول علمية ناصعة. أو تتحول إلى حركة إجتماعية كبرى تمثّل وحدة رقابية لأداء الحكومات، وتعمل على وضع ثقتها بجبهات سياسية وأشخاص جدد في الإنتاخابات القادمة لتدفع الشّعب نحو إنتخابهم. إذ أن أكبر مشكلة يواجهها المحتجون هي كيفية إختيار ممثليهم في الإنتخابات ليكونوا صوتهم في مؤسسات الدولة في ظلّ غياب مشروع جديد وحزب جديد!. من الضّروري التنبيه على أن التأخير في التنظيم ليس من صالح الحراك الشّعبي في العراق أبداً...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من