الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فيلم -برسيبوليس-: قصة الثورة التي حولت إيران إلى سجنٍ كبير
كلكامش نبيل
2020 / 6 / 25الادب والفن
بعد مشاهدة فيلم "مُشع" الذي يتناول سيرة العالمة ماري كوري الأسبوع الماضي، اخترت بالصدفة مشاهدة فيلم رسوم متحركة لذات المخرجة الإيرانية الفرنسية. الفيلم بعنوان "برسيبوليس" – على اسم عاصمة الفرس الأخمينيين – وهو من اخراج الفرنسي فينسينت بارانود والإيرانية-الفرنسية مرجانة سترابي عام 2007. الفيلم مقتبس من كتاب مصوّر للكاتبة والمخرجة مرجانة ويتحدث عن طفولتها ومراهقتها في إيران وجسّدت الدور صوتيا الفنانة كيارا ماستروياني. يعتبر الفيلم من الأعمال المهمّة في هذا القرن وقد حصد تقييم مذهل بنسبة 96 في المائة على موقع روتين توميتو و8 من 10 على موقع قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت IMDb.
يتناول الفيلم سيرة حياة طفلة ذكية كثيرة الأسئلة تنشأ أبان الثورة الإيرانية عام 1979 لأسرة علمانية منفتحة وما تتعرّض له بسبب سيطرة الأحزاب الدينية على البلاد. الفيلم يجسّد رسومًا بالأسود والأبيض في الغالب ويبدأ بالتذمر من حكم الشاه ورغبة الشيوعيين في الإطاحة به ويقص حكاية وصول الشاه إلى الحكم بمساعدة الإنجليز وأنه كان يريد إعلان جمهورية وأن يكون أتاتورك إيران، لكن الإنجليز، بحسب الفيلم، يقنعونه بأن يصبح إمبراطورًا. يظهر الفيلم أن الملك كان يعتمد في حكمه على قصة دينية أيضًا ولكن الناقدين له يقرّون بدور الجد في تطوير إيران وتحديثها.
يظهر الفيلم سذاجة الأحزاب الشيوعية بمساندة الثورة ودفاع عم مرجانة عن نتائج الانتخابات ووصول الحزب الديني للحكم بنسبة 99.99 في المائة وقوله أن كل ثورة تمر بمرحلة انتقالية، لكن هذا العم، السجين في عهد الشاه، يتعرض للسجن والاعدام في عهد الثورة. يظهر الفيلم التغيرات التي حصلت في إيران وبعضٌ منها قد حدث في العراق بعد ذلك ومن بين ما تطرّق له الفيلم: مسألة الحجاب والقيود على ملابس النساء؛ بيع الأفلام والأغاني الأجنبية في الشارع سرّا بوقوف الباعة والهمس عن بضاعتهم وتعرض المشترين للمحاسبة من قبل نساء بعباءات؛ تمزيق صور الشاه من الكتب المدرسية من قبل معلمين كانوا يمجدونه سابقًا؛ وصول منظف زجاج المستشفى لمنصب مدير المستشفى بعد الثورة؛ خلو الأسواق من المواد والمنتجات بعد الثورة؛ اللطم في المدارس؛ تحول طهران إلى مقبرة بأسماء الشهداء بعد الحرب؛ المحاسبة على النبيذ وبيعه وصنعه في أقبية المنازل وكل الحفلات حتى داخل المنزل؛ دفع غرامات على لمس يد فتاة في الشارع وكل القيود على الطالبات والفصل بين الجنسين في المدارس؛ تدريس الفن بنموذج امرأة ترتدي عباءة وعرض صورة للوحة ولادة فينوس وقد تم اخفاء كل الأجزاء العارية من جسدها وغيرها الكثير. ينتقد الفيلم كل ما حصل بشكل ذكي ورائع ويخلد في الأذهان وساخر في بعض الأحيان، لكنها سخرية سوداء مؤلمة.
يتطرق الفيلم لموضوع الحرب العراقية الإيرانية، ولكنه يلوم العراق على بدء الحرب ويتحدث عن دعم الغرب للطرفين وبيع الأسلحة لهما لتطول الحرب، ويتطرق لذكر خداع النظام الإيراني للأطفال بمفاتيح "الجنة" وإلقاءهم للموت على الحدود وهم يركضون نحو حتفهم وسط الألغام. يتطرق الفيلم لحرب المدن والقصف العراقي للمدن الإيرانية، وكان هناك بالطبع قصف إيراني للمدن العراقية.
عندما كنتُ في كلية الطب في القاهرة، أذكر ضجة إعلامية أثارها الفيلم بسبب عرض قناة نسمة التونسية له وتغريمها لاحتواء مشاهد تجسّد الذات الإلهية. كانت المشاهد بسيطة جدا وتماثل تصوري للإله كطفل؛ أي رجل كبير مسن وأبيض فوق السحب. تكرّر الحوار بشكل عابر وجسّد غضب مرجانة من الرب لإنه لم يوقف الحرب ولم يساعد عمّها وغيرها من أمور. يخبرني والدي أنه حضر باليه روسي في بغداد عن آدم وحواء وكان هناك راقص باليه يجسّد دور الرب في نهاية السبعينيات ولم يعترض أحد في وقتها، وهذا يعكس مدى تراجع المنطقة في العقود الأخيرة وانغلاقها المتزايد.
تهرب مرجانة في البداية إلى فيينا وتعيش حياة سيئة هناك تصادف فيها جماعات فوضوية منبوذة تتعرف عليهم ولكنها تخوض قصص حب فاشلة وغير حقيقية وتتشاجر مع الراهبة في المدرسة الداخلية بسبب انتقاد الأخيرة للشعب الإيراني واعتباره بلا ذوق ولا تهذيب. كما تنخرط في الثقافة الغربية للاندماج ولكنها تشعر بأنها مختلفة وتضطر لإخفاء هويتها والادعاء أنها فرنسية ذات مرة فتلومها جدتها – في حوار متخيل – وتذكرها بأن تكون فخورة بكونها إيرانية مهما حصل. بالطبع، يناقش الفيلم الصورة التي تم فيها تشويه وجه إيران بسبب الحكم الإسلامي. للجدّة القوية دور كبير في الفيلم وفي شخصية مرجانة وجميع حواراتها مؤثرة وملهمة. ينتهي المطاف بمرجانة في الشارع لتأكل من القمامة وتنام على الأرصفة قبل أن تختار العودة إلى إيران.
يتناول الفيلم بعد ذلك حياة مرجانة في طهران والجامعة ودراسة الفن وفضول الأسرة وزواجها القصير والصعوبات المتزايدة في التسعينيات. في حديقة المنزل، تقول الجدة لها ذات مرة، "لماذا تضعين هذا على رأسك؟" في إشارة للحجاب، فتقول لها بأنها قد نسيت قلعه. تخبرها الجدة بضرورة عدم نسيان ذلك لأنه يزعجها وأن الخوف يجعل الناس مروّضة وهكذا يتم التحكّم بهم.
تظهر مقدمة الفيلم الكرتوني مشاهد متعددة من إيران وثقافتها وسط تناثر الياسمين – الذي تعطّر الجدّة الأنيقة جسدها به كل ليلة – كما تظهر رموز من حضارة بلاد فارس وإشارة عابرة لنجم المشرق المرتبط بقصّة ولادة المسيح ودور المجوس الثلاث في اللحاق به حتى بيت لحم. قد تفوت الكثير من الإشارات المتابع غير المنتبه ولكن الفيلم مليء بمثلها.
الفيلم محزن ومؤلم ويناقش قضايا مهمّة ومتشعبة. إنه قصة تحول إيران من بلد حر إلى سجن كبير وعيش سكانه في ظل رقابة شديدة على أبسط الأمور – بما في ذلك لون حذاء الفتاة وما تستمع إليه من موسيقى وغيرها. يظهر الفيلم بوضوح كيف أصبحت لحظات قصيرة بدون حجاب في السيارة دليل شجاعة تستحق الرهان. في النهاية، تدرك مرجانة أن إيران لم تعد لها فتحزم حقائبها وتتوجّه إلى فرنسا. شاهدت الفيلم بالإنجليزية ولكنه يضم مقاطع قصيرة بالفرنسية والألمانية والفارسية. الفيلم رائع للغاية وأنصح كثيرًا بمشاهدته.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح