الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور برقاوي -دفاعاً عن العرب-

صالح بوزان

2020 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


قرأت مقال الدكتور أحمد برقاوي بعنوان " دفاعاً عن العرب". ومن متن المقال لا نجد أن الدكتور يدافع عن العرب ضد الاستعمار والصهيونية وتركيا الأردوغانية التي تحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية ولا ضد الوجود الايراني والروسي والأمريكي في سوريا، بل وظّف مقاله للهجوم على ما يسميه الأقليات من السريان والكرد والأمازيغ. وفي ذلك يتفق ضمناً مع رفاقه البعثيين السابقين في بيانهم " العرب السوريون في الجزيرة والفرات" الذي صدر بتاريخ 6.23. 2020
ليست هذه هي المرأة الأولى يهاجم فيها الدكتور برقاوي الأقليات ولا سيما كرد سوريا. فمنذ 12 سنة كتب في جريدة الثورة البعثية العدد 13747 تاريخ 28/10/2008 وفي زاوية معاً على الطريق مقالة قصيرة بنفس هذا المحتوى. تحت عنوان "العرب ومفهوم الأقلية". قال حينذاك حرفياً: "وعندي أن الغرب وأمريكا يلعبون هذه الورقة - يقصد ورقة الأقلية- ويحاولون عبرها التدخل في الشؤون الداخلية لبلداننا واستخدامها لضرب وحدة المجتمع. ولهذا علينا أن نواجه ذلك لا بالصمت بل بالهجوم والعمل على خلق الوعي بالانتماء الكلي.". وهكذا يرى هذا الأكاديمي والبروفسور أن أي تحرك للأقليات ناتج عن تدخل الغرب، وأن ذلك يستدعي من العرب الهجوم على هذه الأقليات وليس الحوار معهم. ومن ناحية أخرى كأن هذه الأقليات راضية بمصيرها في ظل النظام العربي، ولا سيما البعثي.
لم يقف الدكتور برقاوي عند هذه التهمة الكلية الفجة، بل تابع القول أن أكراد "المدن الشامية ما عادوا أكراداً بمعنى الأتني المدعى به. منهم من حكام المنطقة واقطاعيها وشعرائها وفنانيها ..الخ فيما أكراد شمال العراق الذين استمروا بالعيش داخل طابع كردي صرف وحافظوا على لغتهم وأعيادهم ووعيهم هم أقلية كردية.). الغريب في الأمر أنه يصر على مفهوم الأقلية ولا يريد أن يعترف بالكرد كشعب، وثانياً يبدو فخوراً ضمنياً على ما جرى من تذويب الكرد في العروبة. فهو لا يدين ذلك، بل يريد أن يترسخ في ذهن الجميع ولا سيما في ذهن الكردي بأن يقر بعد اليوم أنه عربي.*
نعلم أن الدكتور برقاوي فلسطيني وليس سوري، ورغم مكانته الأكاديمية فهو بعثي عريق. لم يضف في كتاباته حول القومية شيئاً على معلمه ميشيل عفلق. يريد في مقاله ترسيخ النظرية العفلقية القومية في ذهن العرب من جديد، وأن جميع من يسكن هذه الجغرافية التي سماها حزب البعث بالوطن العربي هم عرب من أصول مختلفة تاريخياً، وهنا يضع خطه الأحمر. يرى أن تفكيك هذه النظرية من قبل السريان والكرد والأمازيغ هو العيش في حلم اسطوري. لا شك أن جميع النظريات القومية العرقية لم تعد تصمد أمام العلم الحديث، ولم تعد الشعوب تفكر بهذه الطريقة إلا من مازال يقول: "أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالد".
السيد برقاوي حزين لانهيار نظريته القومية. فأغلبية السكان في شمال أفريقيا هم أمازيغ، وصمت المثقفين العرب عن هذه الحقيقة خلال قرن كامل كان بدراية مقصوداً لتعزيز الذوبان القصري. يلاحظ برقاوي أن ثمة مثقفين عرباً وليس من السريان والكرد والأمازيغ باتوا يقولون أن العرب خرجوا من الجزيرة العربية غزاة باسم الاسلام. وهو يعرف أن حزبه، ومن خلال القمع المنظم، فرض في القرن الماضي العروبة البعثية على الشعب السوري وعلى سوريا كجغرافية. وبتنا نعيش في سوريا منذ سيطرت حزبه على السلطة عام 1963 في وهم فكري وسياسي فرض حزب البعث على الواقع بقوة السلاح.
هل المثقفون الكرد والسريان والأمازيغ يحملون عداء ضد العرب كما يتوهم برقاوي؟ لماذا يقلب الآية لكي يبث الحقد عند العرب ضد هذه الأقوام؟ هل يعترف الدكتور بأن العرب استولوا بالقوة على حقوق هذه الشعوب؟ هل فكر الدكتور مرة بأن يطلب من العرب الاعتذار عن الظلم الذي ألحقوه بهذه الأقوام تاريخياً؟ هل طالب الدكتور من العرب بأن يعطوا في هذه الجغرافية التي يسميها الوطن العربي كل ذي حق حقه، ومن ثم يترك الحرية الشخصية للكردي والسرياني والأمازيغي إذا كان يريد أن يقول مثله أنه عربي بغض النظر عن DNA في دمه؟
من الذي أثار الكراهية ضد الآخر؟ هل المثقفون الكرد أم المثقفون البعثيون ؟ هل يتذكر برقاوي أن حزبه كان يسمي كردستان العراق بالجيب العميل وإسرائيل الثانية؟ هل يتذكر قصيدة رفيقه صابر فلحوط رئيس الصحفيين في سوريا لدهر من الزمن أنه كتب في عام 1963 قصيدة عصماء مليئة بالحق الأعمى على الكرد؟
كان الدكتور برقاوي طيلة سنوات تدريسه في جامعة دمشق مخلصاً للنظام السوري وليس لنظرية ميشيل عفلق في القومية. كان يدرك، دون شك، أن نظام حافظ الأسد وابنه فيما بعد لا علاقة له بفكر حزب البعث، بل انزلق من القومية إلى الطائفية. ورغم ذلك كان يهادن برقاوي هذا النظام مادام يدّرس في جامعة دمشق. فلم يوجه انتقاداً واحداً لهذا النظام الطائفي. لأنه الأعلم، إذا اختلف مع حافظ الأسد وابنه سيكون مصيره إما السجن أو الحرمان من أبسط وسائل المعيشة أو الاضطرار للهجرة. وبالتالي بقي في عبودية الولاء للأب والابن حتى خروجه من سوريا.
يدرك الدكتور برقاوي اليوم أن منطق الفكر البعثي في التاريخ وفي الفكر القومي انهار. فكل البعثيين المنشقين من حزبه خلال الأزمة السورية وانضموا للمعارضة السورية داسوا على هذه النظرية وأعلنوا ولاءهم للنزعة العثمانية الجديدة لأردوغان. فلم يتوقف في مقاله عند هذا الولاء الذي يتخذ شكل الخيانة الوطنية والقومية. ولعله قرأ الكثير في أدبيات حزب البعث، وربما كتب هو أيضاً في السابق عن الاستعمار العثماني وما سبب من تخلف العرب خلال أربعة قرون. فكل ذلك لم يعد يثير اهتمامه، وإنما يعبر عن امتعاضه من اليقظة القومية لدى ما يسميه الأقليات التي باتت تقاوم الذوبان في العروبة، كما كان يحدث في تاريخ الامبراطورية الاسلامية العربية. هذه هي العنصرية القومية بصياغة أكاديمية. وبالتالي يستطيع برقاوي اليوم أن يكرر ما قال معلمه ميشيل عفلق مرة في بيروت: "أنا البعثي الوحيد".
هل المثقفون الكرد في سوريا يكرهون العرب ؟ لا يوجد دليل واحد على هذا الاتهام الباطل. إن أي متتبع مستقل للشأن الكردي السوري سيجد أن المثقفين والساسة الكرد ضد أي تمزيق لسوريا، وأنهم يريدون العيش مع العرب بإخوة، وأن القوات الكردية هي الوحيدة التي دافعت عن تراب سوريا ضد الدولة الاسلامية "داعش" وضد تركيا. أضيف إلى ذلك أن المثقفين الكرد يعتزون باللغة العربية وبالثقافة العربية، فكل ما في الأمر أنهم يريدون أن يطوروا لغتهم إلى مستوى العصر بحيث تتسع لكل الثقافات، وأن يكون لديهم كيان في سوريا يمارسون فيها خصوصيتهم القومية وعاداتهم وتقاليدهم دون أن يُفرض عليهم شيء لا يرغبون فيه. يدرك الدكتور برقاوي أن 95% من الكرد في سوريا مسلمين وسنة. لكنهم لا يريدون دولة دينية، ولا يريدون أن يتعاملوا مع محيطهم الوطني من خلال الرؤية الدينية، كما يرفضون أن يتعامل معهم هذا المحيط من خلال الرؤية الدينية والمذهبية. بينما خريجو تربية حزب البعث وتثقيفه القومي العلماني بعد أكثر من نصف قرن باتوا من ألوية سلطان مراد العثماني.
يحتاج العرب قبل الكرد والأمازيغ والسريان إلى ثورة فكرية في سبيل التحرر من عقدة السيطرة التاريخية على الشعوب الأخرى وثقافتها وتراثها.
-------------
* في ردي على مقالة الدكتور برقاوي قبل 12 سنة ستجده في هذا الرابط:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=-print-&sid=4728








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - برقاوي
محمد البدري ( 2020 / 6 / 29 - 09:34 )
قرات مقاله في موقع جسر
https://www.jesrpress.com/2020/06/28/%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D9%8B-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8/
وللاسف فيبدو انه فقد عقله

اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات تخلف 17 شهيدا بينهم أطفال


.. الجزيرة تحصل على صور أقمار صناعية تظهر بعض المواقع العسكرية




.. بالشموع.. مظاهرات كوريا الجنوبية تتصاعد مع قرب التصويت على ع


.. لماذا تعد حمص مفتاح السيطرة في سوريا؟




.. المعارضة السورية المسلحة: سيطرنا على آخر قرية على تخوم مدينة