الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرير الملك أحمد فؤاد الثاني

جمال عبد العظيم

2020 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


كعادته كل صباح قدم الصبي طعام الفطور لجواده الأحمر وتابع إفطاره هو الأخر ، فيما يستعد إخوته الصغار للذهاب إلى المدرسة ، بينما الأم ترعى وتساعد الجميع على أن يبدأ يومه . وكان أهمهم لديها هو إبنها البكر فهوالذي يتحمل مسئولية الأسرة منذ 3 سنوات حيث توفي الأب . راح يربت على ظهر الجواد الطيب ويلاطفه بينما يثبته في العربة الحنطور (عربة خشبية مغطاة ولها مقعد وثير ويجرها حصان). صوت الأطفال يتداخل وتزدحم به أجواء البيت مثل شقشقة العصافير في الصباح . ودعت الأم ولدها الشهم الذي أصبح أباً لإخوته وعمره لم يكن يزيد على 13 سنة . لم تكن تعلم أن أسرتها الفقيرة اليتيمة على موعد اليوم مع هجمة عسكرية ، وأن ساعة الصفر يحين موعدها الآن . إنطلق الفتى حسنين بعربته يسعى على رزق أسرته ، وشاء حظه العاثر أن يمر على كوبري طلخا الذي يربطها بمدينة المنصورة . الكوبري إتجاهان والسرعة عليه لا تزيد على 30 أو 40 كم . وفجأة برزت سيارة جيش ضخمة (ناقلة جنود) ، كانت تسير في الإتجاه المعاكس لإتجاه العربة الحنطور ، فتركت مسارها وداهمت العربة بسرعة جنونية حتى أنها إعتلتها وهشمتها
. كانت أخطاء الجندي السائق غير معقولة وتشي بأنه فقد السيطرة على السيارة ، وجاءت النتائج كارثية إذ لم ينج أحد ، لا العربة ولا الفتى ولا الحصان . كان المشهد قاسياً للغاية .. جثة الصبي متكورة على الأرض تلتصق بها ملابسه البسيطة ، تنساب منها الدماء فتختلط بدماء الحصان المتهشمة قوائمه . أما العربة فقد تحولت إلى كومة من الأخشاب .. كان تأثير المشهد المأساوي عميقاً جداً ، النساء صامتات تماماً ولا تستطعن السيطرة على دموعهن . بينما دخلت الرجال في حديث بخصوص إبلاغ شرطة المرور ، ويعلق أحدهم بأن الجيش سيكون هو المختص بالمعاينة وليس الشرطة . عندما وصلت السيدة أم حسنين إلى مسرح الجريمة لم تتمالك نفسها ، إرتمت فوق جثة إبنها وعائل أسرتها تقبله وتحاول إحتضان جسده المحطم . وتمرمغت في دمائه كي تتشربها ملابسها . ثم جلست في بركة الدم ورفعت يديها تشكو للسماء وصرخت قائلة : "موت وخراب بيوت" . كنت صغيراً بحيث لم أستوعب أن هناك مصيبة أخرى تجاور مصيبة الموت . وعندما سألت أخبروني أن المخطئ في الحوادث يلتزم بتعويض المجني عليه ، إلا إذا كان المخطئ تابعاً للجيش حيث تكون نتيجة المعاينة دائماً أن المدني هو المخطئ . فجيشنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
● سرير الملك أحمد فؤاد الثاني
وفي خريف 1994 كنت على موعد مع حادث مشابه إرتكبته نفس السيارة العسكرية الطائشة . حيث قابلني ضابط مفصول من مباحث أمن الدولة . وحكى لي سبب فصله من الخدمة والحصار الخانق الذي تتعرض له أسرته على يد السلطة الحاكمة في البلاد . وقال أنه ينتمي لعائلة تتاجر في الأنتيكات وكانت على موعد مع حدث سيوقف مسيرتها . حيث كانت الأسرة تمتلك سرير الملك أحمد فؤاد الثاني الذي نام فيه رضيعا . حيث إشترته الأسرة في مزاد دعت إليه وزارة الثقافة لبيع مقتيات أسرة محمد علي سنة 1962. وهو سرير خشب مطلي بماء الذهب صمم على هيئة مرجيحة معلقة بين حاملين . والسرير بسيط في قيمته المادية حيث كان ثمنه في المزاد 62 جنيه فقط لا غير . لكنه يمتلك قيمة تاريخية وأدبية لفتت نظر السلطة . ويكمل الضابط المنكوب : فجأة زاد الطلب على السرير واللافت أنهم ليسوا من هواة التحف والانتيكات و رفضنا بيع السرير المرة تلو المرة . وفي النهاية جاءت سيدة لديها محل انتيكات في مصر الجديدة وتدعى مدام سناء . طلبت السرير فتم الرفض فتحدثت بحسم وبوضوح تام قائلة : من الأخر أخوك علاء مبارك عاوز السرير و سيدفع فيه مليون جنيه . وأردفت أنها أخر من يأتي لطلب السرير . وسألته لماذا رفضت الصفقة اذن والعرض مجزي ؟ فأجابني بأنه لم يكن ليحصل على مليم واحد وأنها لو أحضرت المبلغ معها لأعطاها السرير على الفور . لكن الواضح أن المقصود هو الحصول على السرير بالمجان . إنصرفت مدام سناء وفي فجر اليوم التالي فوجئت الأسرة بقوة من مباحث المطار تقبض على عدة أفراد منها . وتستولى على مقتنياتها وأولها السرير وذلك تحت زعم أن الأسرة حاولت السفر بهذه المقتنيات التي تم تسميتها أثار . وتم تلفيق قضية تهريب أثار للأسرة التي لا تعرف شيئا عن الأثار . ولم يذهب فرد منها إلى المطار أو حتى كان لديه تذكرة سفر . وما ذكر في الأوراق أن المتهمين قبض عليهم في المطار وليس من منزلهم . وفي اليوم التالي كانت جميع الجرائد الصادرة قد وضعت خبر الحادثة المفتعلة في مكان بارز . ومنها الشعب والوفد وصحف الحكومة الثلاثة الاخبار والاهرام و الجمهورية . حصلت من الضابط المنكوب على وثائق ملكيته للسرير وخلافه وقصاصات الجرائد التي كتبت الخبر . وكتبت القصة وذهبت بها إلى جريدة الأحرار وسلمتها للأستاذ عصام كامل وكان وقتها مسئولاً عن الديسك المركزي . وقرأ العنوان " إبن مسئول كبير يستولي على ……" وسألني عن إسمه وما أن قلت علاء مبارك حتى قام كمن لدغه عقرب . وهرع إلى مكتب رئيس التحريرالأستاذ مصطفى بكري وأسر له بهذا فخاطبني الأستاذ مصطفى بأن أبتعد عن أسرة مبارك وعن السعودية ولا محاذير بعد ذلك . بعدها بعدة أشهر كنت في مقر هيئة الأمن القومي بحدائق القبة للإبلاغ عن مجموعة تتحرك من حولي . وتعرض علي برنامجاً بأكمله من عمل صحفي وحزبي وعلاقات عربية و بيزنس وتنسب نفسها لإسرائيل . تلقى الضابط مني هذا البلاغ ثم ألمح إلى محاولتي لنشر قصة سرير الملك أحمد فؤاد الثاني . وأشار إلى أن هذه أمور تمس الحكم وتطعن في نزاهته وتقوض الثقة فيه . وبالطبع أنا لا أتهم أو ألوم الزملاء الذين ذكرت أسمائهم ، فقد كنت مراقباً من عدة جهات وحتما رصدوا لقائي بالضابط المفصول كما أن الموضوع ليس سراً فقد كنت أسعى لنشره على الملآ . ونعود إلى الحادث الكارثي والذي إستخدمت فيه كل سلطات الدولة من أجل سرقة سرير ، ليس هذا فحسب بل وتمت معاقبة المجني عليهم لأنهم رفضوا سرقة ممتلكاتهم .
هل هذا معقول ؟ أسرة يتم إيقاظها عند الفجر لتجد نفسها فجأة في مواجهة مع دولة بأكملها .. فالشرطة تخترع وقائع والصحف تنقل عنها ، ويتم التشهير بالمجني عليه وتقديمه للمجتمع على أنه مهرب آثار حقير . والنيابة توجه الإتهام والقضاء يحكم فيصبح الحكم عنواناً للحقيقة ثم يطرد الأبناء من وظائفهم . ويتحول الجميع من شخصيات محترمة وموقرة من المجتمع ، إلى مجرمين ومنبوذين وأصحاب سوابق يتوارى منهم أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم . يحدث هذا في وجود دستور وقوانين وسلطات وأحزاب وصحف معارضة . لكنهم جميعا كانوا قد تعرضوا لنفس الحادث ، حيث خرجت السيارة المجنونة من ثكناتها فجر يوم 23 يوليو 1952 ودهست شعباً بأكمله فأفقدته حريته وحولته إلى عبيد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما علاقة مصر بالطغمة العسكرية الحاكمة ؟
جمال عبد العظيم ( 2020 / 6 / 30 - 15:02 )
أتعجب كيف لقارئ يتابع الحوار المتمدن وهو قبلة المثقفين في العالم العربي يستخدم ألفاظا بذيئة وعنصرية ضد بلد كبير في حجم مصر . ثم أن المقال يتحدث عن سلوك الأوليجاركية العسكري الحاكم في البلاد والذي تئن منه مصر كشعب وكبلد . هذا التعليق غير موفق ويحمل سمات عنصرية ضد مصر والمصريين الذين هم عروبيين ويحترمون كل البلاد العربية

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز