الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظل آخر للمدينة6

محمود شقير

2020 / 6 / 30
الادب والفن


لا أذكر متى دخلتها أول مرة.
كنت أصحو على صافرات القطارات في المحطة التي لا تبعد كثيراً من قريتنا. وكان أهالي القرية يعتمدون على أسواقها في أمور معيشتهم. يذهبون إليها في الصباح المبكر لبيع منتوجات أغنامهم من جبن وحليب وألبان. وتذهب النسوة إليها لبيع الدجاج البلدي والبيض والخبيزة التي يلتقطنها من سفوح الجبال (قلة قليلة منهن كن يذهبن إلى حمّام المدينة للاغتسال مرة أو مرتين في السنة، فيتعرضن جرّاء ذلك لتعليقات ساخرة من نساء أخريات ورجال، باعتباره ترفاً لا داعي له. متزمتون في قريتنا رأوا فيه أمراً غير مألوف، وقالوا: على المرأة أن تستحم في بيتها، ورددوا إشاعات روتها بعض النسوة، عن محاولات تلصص على النساء المستحمات، يقوم بها رجال عابثون من أبناء المدينة. آخرون تحدثوا همساً عن أحد أبناء عشيرتنا الذي كان يكمن للنساء العائدات من حمّام المدينة، في طريق عودتهن إلى بيوتهن، يغازلهن، وهو متلهف على جسد ناعم خارج لتوه من تحت الماء الساخن والصابون والبخار).
وفيما بعد، تحول قسم من أهالي القرية إلى الاعتماد على الزراعة، وأصبح سوق الحسبة الواقع أمام باب الساهرة، قبل أن يجري نقله إلى نزلة الصوانة، موقعاً أساسياً بالنسبة لهم، يبيعون فيه الخضروات التي ينقلونها على ظهور الدواب، ثم يعودون إلى القرية حاملين معهم ما يلزمهم من سلع المدينة. كان الأطفال يترقبون عودة ذويهم بلهفة، للظفر ببعض الحلويات والفواكه والأطعمة التي يجلبونها معهم من المدينة، كالحلقوم والملبس والحلاوة والخبز المدني والتمر والبرتقال.
يصطحبني أبي معه في بعض الأحيان إلى المدينة، أشعر بالفرح حالما يبدأ استعدادنا للرحلة مشياً على الأقدام. نصعد، في رحلة الذهاب إلى المدينة، قمة الجبل.
نجتاز الطريق المحاذي لقصر المندوب السامي (جرى بناؤه بعد سنوات من دخول القوات البريطانية إلى البلاد، وقد عمل فيه أبي، وهو في سن الشباب، عاملاً، وكان يتقاضى ثمانية قروش فلسطينية في اليوم). أتعجب من الهدوء الذي يخيم على القصر، فلا أرى أولاداً يلعبون ولا كلاباً تنبح. ونظل سائرين في الطريق الترابي، ندخل منطقة البقعة، وشارع الخليل. نجتاز جورة العناب، وبركة السلطان. نقترب من باب الخليل حيث "القهوة المعلّقة" (التي هدمها الإسرائيليون بعد حرب 1967 لكي يبنوا بناية جديدة، ولكي يواصلوا طمس الهوية الأصلية للمكان). يصعد أبي، وأنا أتقافز خلفه، درجات البناية نحو المقهى المطل على باب الخليل، يجلس في الشرفة مع رجال آخرين. يبهرني مشهد السيارات، ويجعل للمدينة مذاقاً لا ينسى.
تصيبني كثرة الحوانيت وما فيها من سلع وأطعمة، ونحن ندخل أسواق البلدة القديمة، بالدهشة، فلا أكف عن التلفت والتحديق في كل اتجاه، معتمداً على أبي الذي يقبض على يدي، فلا أضيع في أحد الأسواق.
غير أنني تعرضت ذات مرة لاحتمالات الضياع.
يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_