الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحالف اليسار وحركات الإسلام السياسي الرهان على الحشد افلاس للاصولية اليسراوية !

يوسف بوستة

2020 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


رغم وجود بعض تجارب تنسيقية ووحدوية بين القوى اليسارية الديمقراطية وبعض الحركات الاصولية في الوطن العربي، فان التاريخ حافل بصراعات دموية ويشهد على جرائم واغتيالات فضيعة في صفوف القوى التقدمية والديمقراطية، نفدتها قوى ظلامية اسلاموية، مستهدفة فيها المفكرين والمثقفين والادباء والاعلاميين، والعديد من القادة السياسيين، وامام واقع الانحصار وانسداد افاق الصراع الديمقراطي الجماهيري بعد عقود من الصراع وهيمنة وتحكم قوى الاستبداد في كل مفاصل الدولة والمجتمع، خاصة في الالفية الثالثة، دفع بالبعض بان يطلق دعوات من داخل قوى اليسار لطرح ما يعتبره بديلا تاريخيا للقوى "المعارضة للنظام"، بعد فشل شعار الكثلة التاريخية الذي ظل حبرا على ورق، وتعثرت او تم تعطيل مهام الجبهة الوطنية الديمقراطية، وطرح ذلك البديل باعتباره هو القادر على "هزم قوى الاستبداد كمهمة ذات أولوية على المسالة لديمقراطية بكل ابعادها" حسب تعبيرهم، من خلال العمل علىتوحيد جميع القوى "المعارضة للنظام"، بالشروع في التنسيق الميداني مع حركات الاسلام السياسي التي تعتبر نفسها "راديكالية"، وتقف على نفس المسافة مع المعارضة اليسارية في مواجهة الاستبداد والفساد، ويتم هذا دون اية مراجعات فكرية اوسياسية، ولا حتى الاقرار بتلك الاخطاء التاريخية ونبذها بلا رجعة كاضعف الايمان.
وهكذا انطلقت مبادرات هنا وهناك لترجمة ذلك عبر ما يسمى بالتنسيقات الميدانية، مع ما صاحب ذلك من زرع للأوهام والترويج لما يعتبره أصحاب المبادرة ب "إنجاز تاريخي" غير مسبوق، وفي نفس الوقت الاقرار بما يسمى بالشرعية الجماهيرية التي اكتسبتها هذه الحركات أي القدرة على الحشد.

صحيح ان الحركات الاسلاموية تختلف في مرجعياتها ومواقفها ونشاتها وتطورها، وتتباين مواقفها السياسية من انظمة الحكم والسلطة، ولكنها تتخندق في جبهة واحدة كلما أستشعرت بخطر يستهدف مشروعها السياسي ويعيق تحقيق اهدافها المشتركة، وتوظف جميعها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في معاركها واضعة مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار، وسرعان من تضع خلافاتهم جانبا لتتوحد في خندق واحد معلنة النفير والتعبئة العامة والحشد لمواجهة ما تعتبره ب "الخطر المحدق" اي المشروع الديمقراطي اليساري بما يحمله من أهداف ومبادئ نقيضة للمشروع الاسلاموي في قضايا السلطة والحكم والدولة والمجتمع.

وقد تمكنت هذه الحركات الاسلاموية مجتمعة او متفرقة عبر محطات ومنعرجات تاريخية من فرض هيمنتها الفكرية والايديولوجية وحتى التنظيمية، ولم تتردد في استعمال كل الاكاديب والاضاليل لفرض وتكريس الاتجاه النكوصي كلما سنحت لها الفرصة، والضغط من اجل ترجمته في العديد من القوانين والنظم في الدولة والمجتمع، وتسييده في عدة إطارات او انشطة جماهيرية نقابية ومهنية وحتى شعبية، مما مكنها من استقطاب المزيد من الاتباع والصعود بقوة واستعراض عضلاتها في الشارع السياسي العربي.

وبعد وصول بعضها الى السلطة في عدة أقطار نتيجة قوتها الضاربة في التنظيم وقدرتها على الحشد والتجييش، اصابتعا عمى السلطة والهيمنة على الدولة بعد ان اطبقت سيطرتها على جزء مهم من المجتمع، فكان اصرارها على فرض اختياراتها وتطبيق اهدافها فرضا احد الاسباب الرئيسية في سقوطها وتراجع شعبيتها، وراكمت عدة اخطاء استغلها خصومها، خاصة عودتها الى ممارسة العنف والاصطدام الدموي مما يدفعها نحو التفكك.

ولكن بالمقابل مازالت القوى الديمقراطية واليسارية أسيرة الصراعات الفكرية والسياسية بمعزل عن الممارسة الميدانية، مما جعلها تسقط في دائرة الانتظارية والأوهام، قبل ان تهتدي البعض منها الى ما يعتبره الاختيار الصعب والدعوة للتنسيق مع حركات الاسلام السياسي لا لشيء سوى انها تتواجد في الخندق المعادي للاستبداد المخزني وكونها حركة سياسية قادرة على الحشد الجماهيري الضروري لقلب موازين القوى لصالح الشعب، وهي ممارسة انتهازية غارقة في البراغماتية المقيتة التي تتعامل مع الجماهير كقطيع وليس كقوى وطبقات اجتماعية صاعدة تسعى من اجل التغيير، والا كيف يمكن تفسير فشل العديد من المبادرات السياسية ولم تستطع قوى اليسار ان تتوحد في جبهات وطنية ديمقراطية قادرة على تحريك وتاطير القوى الشعبية والكادحة التي تدعي أنها تعبر عن طموحاتها وتطلعاتها.

وهذا ما يتضح من خلال حجم المشاركة السياسية في الانتخابات والاستشارات الشعبية، سواء في مصر أو تونس لأنهما البلدان العربيات اللذين شهدا أول انتخابات حرة ونزيهة بالرغم من العديد من الخرقات هنا وهناك، فكانت الاصطفافات والتحالفات مؤسسة على مرجعيات فكرية وسياسية وبمنطلقات واهداف بعيدا عن القدرة على الحشد من عدمه، ونفس الامر بالنسبة للمغرب حيث تم اعتماد أساليب غير ديمقراطية في استمالة الناخبين، ( شراء الأصوات، التهديد ، الترهيب، استغلال الدين، الخ ). مما يجعل العملية الانتخابية في العديد من البلدان لا تعدو أن تكون مسرحية لخلق خرائط سياسية على المقاس، لذلك فإن مهمة الديمقراطيين والوطنيين خاصة منهم اليساريين في الوطن العربي، مهمة جسيمة لترجيح كفة الثورة الديمقراطية وتحقيق التطور والتقدم المنشود، عبر تاطير وتعبئة الغالبية الساحقة من الشعب حول مشروع موحد للتغيير الديمقراطي المؤسس على التعدد والاختلاف والمساواة والمواطنة الكاملة، وهي مقدمات اساسية لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية !

* يوسف بوستة
كاتب من المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان