الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الأوبئة(9) نهاية الجائحة، أي ثمن للخلاص؟

عبد المجيد السخيري

2020 / 7 / 1
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


واكب انتشار الجائحة الفيروسية الجديدة نقاشات وتكهنات واستشرافات بشأن المستقبل، حيث طغت فكرة غير واضحة تمر حتى الآن في صورة أقرب إلى التعوذ منها إلى التفسير أو الاستشعار العلمي، مفادها بكل ببساطة أن العالم بعد "كرورنا" سيكون غير العالم ما قبلها. ويستند مروجو الفكرة إلى أن تداعيات الأزمة الصحية التي تسببت فيها الجائحة ستكون لها آثار وانعكاسات لا مفر منها على مستوى العلاقات الدولية، مثلما ستترك بصماتها على مستوى تمثلات واعتقادات الأفراد ومواقفهم من عدد القضايا والأسئلة الوجودية والسياسية والأخلاقية، وبالتالي سينعكس كل ذلك في العلاقات الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي ودور الاقتصاد والعلاقة مع الطبيعة والبيئة ..إلخ.
لكن ما يهمنا من كل هذا هو فقط الجانب المتعلق بتوقع مسار الجائحة ونهايتها، انطلاقا مما توفره التجارب التاريخية وخبرات المجتمعات في هذا الباب، إضافة إلى القناعات التي يكونها مجتمع العلماء والأطباء والمخططين الاستشرافيين بشأن التعامل مع تفشي الفيروس عالميا.

الطفرات الجينية للفيروس وموجات وبائية محتملة

إن ما تتيحه الملاحظة العلمية، وكذلك قراءة تاريخ الأوبئة والجوائح (الطواعين، الأنفلونزا..)، هو أن الوباء غالبا ما يتطور على شكل موجات من المد والانحسار، مع وجود طفرات جينية تشهدها أغلب الأمراض الوبائية، خصوصا ذات المنشأ الفيروسي، ما يجعل مسارات التطور والانتهاء تختلف بحسب نوع الإجراءات الطبية الوقائية والاجتماعية والسياسية المواكبة، ومدى فعاليتها على أرض الواقع، سواء منها إجراءات "الحجر الصحي" والتباعد الاجتماعي وإغلاق الحدود وتشديد المراقبة، أو اكتشاف "محور العدوى" وتطوير البروتكولات العلاجية وانتاج اللقاحات، أو سواء تعلق الأمر بنجاعة تدخل الفاعل الدولي ومستوى التضامن الأممي، فضلا عن تشكل مناعة جماعية(مناعة القطيع) بشكل غير متوقع يؤدي إلى تراجع موجة التفشي ودخول رحلة التعايش مع الفيروس. ولعل التوقعات حول مسار جائحة كوفيد 19 تظل حتى اليوم متضاربة بصورة مدهشة، مع وجود اختلافات كبيرة حول منشأ الفيروس وفهم "سلوكه" وكيفية انتشار العدوى، تنضاف إليها تدخلات سياسية وتجارية تنشر المزيد من الشكوك والتخبيط والخلط.
وإنه من المرجح، بحسب الخبرة التاريخية، أن نشهد موجات عدة يعود من خلالها الفيروس على غرار ما حدث مع أنواع أخرى من الأوبئة، ربما على فترات متباعدة كما يعتقد بعض الخبراء، مثلما يحدث مع سلالات الأنفلونزا، وهو ما من شأنه أن يطرح تحديات صعبة أمام الأنظمة الصحية العالمية وينهك قدراتها، خاصة في الدول الفقيرة. فرغم الجهود التي بُذلت حتى الآن على مستوى تحليل واستكشاف الخريطة الجينية والتسلسل الجيني للفيروس، وسرعة تقاسم المعلومات بين الفرق والمجمعات العلمية والأفراد من الأطباء والعلماء على نطاق واسع، وذلك منذ أن بادرت الصين بداية يناير 2020 إلى إمداد دول العالم بما توفر لدينها من معلومات في هذا الباب، ودعوة خبراء منظمة الصحة العالمية إلى القيام بزيارات ميدانية داخل مختلف مناطق الصين في الشهر نفسه، فإنه لا يزال أمام العالم الكثير مما ينبغي القيام به لفهم ما يجري والتوصل إلى مداخل فعلية للسيطرة على الوضع الوبائي، فضلا عن التقدم لإيجاب أجوبة بعيدة المدى لمستقبل الانسانية في مواجهة أخطار ظهور أوبئة جديدة أخرى أشد فتكا، وبالتالي حلول مبتكرة لمنع انتشارها والحد من تداعياتها على الصحة العامة، سواء على مستوى تطوير منظومة البحث العلمي على الصعيدين المحلي والدولي، والدفع بالتعاون العلمي إلى مستويات أفضل ودائمة، وإرساء منظومة قانونية جديدة تستجيب لتحديات الشفافية في تقاسم المعلومات وعدالة توزيعها على دول العالم، وأيضا الحق في الولوج إلى العلاجات والحصول إلى اللقاحات على نحو متكافئ ودون شروط أو ضغوط أو ابتزاز سياسي أو اقتصادي، طالما أن الأمر سيتعلق بمكافحة عدو مشترك للإنسانية جمعاء.

السباق من أجل الخلاص بين هاجس الربح والبحث عن المجد

إذا كانت مجلة مرموقة كمجلة "ذي لانسيت" قد عمدت أوائل شهر يونيو/ حزيران 2020 إلى سحب دراسة نقدية حول دواء هيدروكسي كلوروكوين المثير للجدل، وذلك منذ الشروع في استعماله ضمن بروتوكول علاجي خاص بمرضى كوفيد 19 من قبل عدد من البلدان، بسبب شبهة وشكوك تزوير حامت حولها، فهذا يلفت الانتباه إلى ما يشهده هذا الحقل من البحث العلمي من اختراقات المصالح السياسية والتجارية للدول وجماعات ضغط وشركات الأدوية، ويعيد إلى الواجهة سلسلة فضائح أكاديمية مثيلة أثيرت أكثر من مرة في تاريخ البحوث الطبية، كما يطرح أكثر من سؤال حول مدى حصانة العلوم الطبية والصيدلية من ضغوط المصالح على غرار ما يقع في حقل العلوم الاجتماعية.
ولعل السباق المحموم بين الشركات والمختبرات العالمية، والعدد الهائل من التجارب قيد التنفيذ حول عشرات الأدوية(ألف تجربة سريرية إلى حدود كتابة هذه الأسطر وفق قاعدة بيانات "لا نسيت" /https://covid-trials.org)، علاوة على سلسلة تجارب سريرية تجري حول عدد من اللقاحات في عدد من دول العالم، خمسة منها تجرى على البشر فقط في الصين التي شهدت ظهور الفيروس أول مرة، وهي الدولة التي تتساهل كثيرا في تسريع الإجراءات للتوصل إلى اللقاح قبل أي دولة أخرى، ما من شأنه أن يحسن صورتها خارجيا ويمنحها امتيازا كبيرا في ظرفية عالمية تتطلع فيها شعوب العالم إلى الخلاص من كابوس الجائحة والعودة إلى الحياة الطبيعية. وقد أحصت منظمة الصحة العالمية حتى اليوم نحو 128 مشروع لقاح في المرحلة ما قبل السريرية، وهي مشاريع تعتمد مقاربات متعددة لا حاجة لنا لإيراد تفاصيلها في هذه الورقة.
هكذا أصبحنا في سياق السباق المشار إليه نسمع عن "السرعة الصاروخية"، وهو أحد الأسماء التي أطلقتها الإدارة الأمريكية على عملية دعم وتمويل مختبرات الأبحاث لتوفير 300 مليون جرعة من اللقاح في أفق بداية السنة المقبلة، فيما نسمع منذ بداية تفشي الوباء في العالم عن سناريوهات توفير اللقاح ما بين سنة، بالنسبة للأكثر تفاؤلا، وسنة ونصف بحسب الواقعيين. غير أن ما يهم المواطنين في العالم هو أي ثمن ستدفعه الدول مقابل الحصول على اللقاح؟
تحاول الشركات المهيمنة في حقل صناعة الأدوية، وهي قوة خطيرة متزايدة النفوذ، أن تطمئن الناس بأنها ستطرح اللقاح بثمن معقول، وربما لن يتجاوز ثمن تكلفة الانتاج، بينما نشهد على حرب خفية بين أهم الشركات العالمية تحملنا على الشك وتوقع المفاجآت، أو عل الأقل عدم الاطمئنان. وإن ما يدفع إلى التخوف بشأن المستقبل لا ينفصل عن الحقائق التي عرتها الجائحة في العالم، وبشكل فاضح في البلدان المتقدمة التي اعتقد الكثيرون أنها ستكون دائما في مأمن من الأزمات الصحية والغذائية بفضل تقدمها العلمي والتقني، وتطور أنظمتها الصحية ومنظومة الرصد والتطبيب والتمريض. فقد أبانت النظم الصحية في هذه البلدان بالخصوص عن عجز وارتباك واضحين في مواجهة تفشي الجائحة والتقليل من الخسائر البشرية، والمرتبطين أساسا بأهم الحقائق المتصلة بطبيعة النظام الرأسمالي ومساوئه، منها تمجيد عقيدة النمو والنزعة الانتاجية، وتحويل الربح إلى قيمة القيم، وتسليع منظومتي التعليم والصحة وإخضاعهما المتزايد لقوانين السوق والارتهان لمنطق الربح.
ومن ثم نستنتج أنه لن يجدي في شيء تطوير البحث العلمي، وهو أمر مطلوب بإلحاح من دون شك، ولا الرفع من الكفاءة التقنية لأداء النظام الصحي، إذا لم يقترن ذلك وغيره من الإجراءات والقرارات الأخرى السياسية والتقنية، بالحسم في قضية الرأسمالية، أصل الشرور كلها.

(يتبع)

-




-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف