الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في آفاق جديدة للقضية القبطية

جوزيف بشارة

2006 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


نقاشات مطولة تدور في السنوات الأخيرة حول حقوق المسيحيين المنتقصة في مصر. فيدعي البعض بأنها جزء من الحقوق العامة المهدرة للمسلمين والمسيحيين على السواء، وبينما يتمسك البعض الأخر بأنها حقوق خاصة استقطعت عن عمد من الأقباط عبر حقبات زمنية طويلة للتقليل من نفوذهم الكمي والكيفي. ما بين هذا وذاك يبرز رأي ثالث يجمع بين الرأيين إذ يرى بأن هناك مشكلات عامة يعاني منها المجتمع المصري بمسلميه ومسيحييه، ولكن هناك مشكلات أخرى يعاني منها المسيحيون بصفة خاصة. يؤكد هذا الرأي على أن مشاكل الأقلية المسيحية في مصر تبدأ بحرمانهم من الحقوق الوطنية الأساسية التي يحرم منها المصريون بصفة عامة مسلمين ومسيحيين والتي تشمل غياب الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان، وتنتهي بحرمانهم من الحقوق الخاصة بهم والتي تضم تقييد بناء كنائسهم وندرة ترشيحهم للانتخابات وحظر ترقيتهم في المناصب العليا. يدعي البعض بأن المسيحيين يتمتعون بحقوقهم كاملة دون تفرقة، بل أن البعض يذهب إلى أن نظام الرئيس حسني مبارك يضطهد الأغلبية المسلمة، ولكن هذا الرأي لا يعبر إلا عن المتطرفين غير الموضوعيين وغير الصادقين مع أنفسهم الذين ينكرون حق المسيحيين في المساواة والمواطنة. فالمسلمون في مصر، كما في سائر الدول العربية والإسلامية، ليسوا مضطهدين، اللهم إذا قصد أصحاب هذا الرأي مطاردة الحكومة المصرية للإرهابيين وأعضاء الحركات الإسلامية المتطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين. ولقد وقع الجانب الأكبرمن مهمة إبراز خصوصية مشاكل المسيحيين المصريين في السنوات الأخيرة على عاتق أقباط المهجر بمشاركة فعالة من مجموعة من المسلمين الليبراليين، وفي هذا الصدد تبرز أهمية مؤتمرات الأقباط التي يعقدها أقباط المهجر بين الحين والأخر.

للوهلة الأولى تبدو مؤتمرات أقباط المهجر أعمالاً تطوعية فردية، ويتبناها رجل أعمال وطني مغترب وهو المهندس عدلي أبادير بمساعدة مجموعة مميزة من المسيحيين والمسلمين المؤيدين للقضية القبطية، إلا أن المؤتمرات، وإن افتقدت تنظيم ودقة المحترفين، نجحت بشكل كبير في إلقاء الضوء على خصوصية مشاكل الأقلية المسيحية في مصر التي تم السكوت عنها سنوات طويلة. وفي هذا الإطار تناقلت وسائل الإعلام هذا الأسبوع نبأ انعقاد المؤتمر الرابع لأقباط المهجر في نيويورك بالولايات المتحدة، والذي قيل انه واجه بعض المصاعب قبل التئامه بعدما سحبت الأمم المتحدة موافقتها على عقد المؤتمر بإحدى قاعاتها. لا شك في أن عقد المؤتمر بمقر الأمم المتحدة كان يضمن للمؤتمر زخماً دولياً وأبعاداً أكثر عمقاً، ولكن يحسب لمنظمي المؤتمر الإصرار على إقامة المؤتمر في موعده بأحد الفنادق لتفويت الفرصة على راغبي إفشال الحركات الوطنية المدنية الباحثة عن حقوق المسيحيين في مصر. ومن ناحية أخرى فقد سعى منظمو المؤتمر لإعطاء المؤتمر ثقل إقليمي بضم أقليات أخرى من المنطقة العربية كمسحيي لبنان وسوريا، ولكن لا يبدو أن المؤتمر حقق نجاحاً يذكر في هذا الصدد بسبب محدودية مداخلات ممثلي اللبنانيين والسوريين، فضلاً عن عدم تمثيل هذه أصحاب المداخلات لمسيحيي البلدين بصورة حقيقية. لذا فقد بقي المؤتمر قبطياً قلباً وقالباً.

حمل مؤتمر هذا الأسبوع مفاجأة من العيار الثقيل، فقد شهد مشاركة عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم في مصر الدكتور جهاد عودة. لا أدري إن كانت مشاركة شخصية نافذة بالحزب الحاكم ومقربة من الأمين العام المساعد للحزب جمال مبارك دون غيره من الشخصيات الحزبية والوطنية الأخرى إيجابية في حد ذاتها أم سلبية، إذ أن هذه المشاركة ينفي عن المجموعة القبطية المشاركة بالمؤتمر صفة "المعارضة" وتصبغهم بصبغة حكومية، باعتبار الدكتور عودة ممثلاً لحزب الحكومة. ولكن يبدو أن منظمي المؤتمر يهتمون بالمقام الاول بتحقيق مطالبهم، فهم لا يعبأون كثيراً بأن يكونوا معارضين للنظام الحاكم أو بأن يتفاوضوا مع ممثل حزب الحكومة، وقد صرح مسئولون بالجماعات القبطية بالخارج بأن دعوات عديدة وجهت لبعض رموز النظام الحاكم لحضور المؤتمرات السابقة بغرض التفاوض والتوصل إلى حل لمشاكل المسيحيين، غير أنها جميعها قوبلت بالرفض. لا يرى الكثيرون وربما كان على رأسهم البابا شنوده الثالث حرجاً في تفاوض المسيحيين واحتفاظهم بعلاقات طيبة مع التيار الإصلاحي بنظام الرئيس مبارك الذي يعتقدون بأنه حتماً سيكون الخيار الأفضل للمسيحيين في مصر في ضوء التصاعد المخيف لجماعات الإسلام السياسي المتطرفة.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار هذه النقطة فقد جاءت مداخلة الدكتور جهاد عودة إيجابية إلى حد ما، خاصة إذا ما أغفلنا الجانب التنظيري المتعلق بنماذج العلاقة بين الدولة والمجتمع. ويعد انتزاع المؤتمر اعترافاً صريحاً من أحد الرجال المؤثرين بمركز صناعة القرار بلجنة السياسات بحزب الحكومة بوجود مشاكل كثيرة للأقباط نجاحاً كبيراً، وأزعم أنها المرة الأولى التي يعترف فيها أحد المسئولين علناً بعدم تمتع الأقباط بحقوق المواطنة الكاملة. ولكني أرى أنه يجب التعامل بحذر مع التعاطي الجديد والجريء والمفاجيء لحزب الحكومة مع قضية الأقباط الذي قد يأتي في إطار الصراع الداخلي بين من يطلق عليهم رجال الحرس القديم ورجال أمين السياسات جمال مبارك. لقد تعاملت الحكومة المصرية حتى وقت قريب مع أقباط الخارج على أنهم مجموعات خارجة تستقوي بالخارج على حساب المصلحة الوطنية، واستخدمت وأبواقها الإعلامية في كيل الاتهامات لتنظيمات أقباط المهجر بالعمالة وتهديد الوحدة الوطنية وغيرها. فضلاً عن ذلك ففي ظل حالة الحراك الوطني التي تفرضها الظروف السياسية القوى المعارضة يجب الأخذ في الاعتبار وجود رغبة ملحة لدى النظام الحاكم في تطوير أدواته ومواقفه السياسية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة، لذا فقد يكون التطور الإيجابي في موقف الحزب الحاكم من قضية الأقباط جزءاً من مناورة كبرى في معركة كسب النقاط التي يخوضها الحزب الحاكم مع المعارضة نظراً لما لقضية الأقباط من ثقل دولي ومحلي. ومن ثم فإنه بجانب عدم التهليل بالمداخلة فإنه يجب عدم التقليل من أهميتها فربما يكون حزب الحكومة بصدد تقديم بعض التنازلات لتحييد المسيحيين من معاركة الضروس الداخلية والخارجية.

على جانب أخر فإن اعتراف حزب الحكومة بنفوذ منظمات أقباط المهجر، وبمشروعية غضبهم وثورتهم ونضالهم من أجل رفع الظلم والقهر والاضطهاد عن الأقلية المسيحية في مصر، ونجاحهم في إيقاف سياسات إهمال حقوقهم شعبهم المنقوصة قد يعبر عن اتجاه النظام المصري لمنح منظمات أقباط المهجر دور أكبر في قيادة مسيحيي الداخل، وتنظيم العلاقة بين المسيحيين والدولة في المرحلة المقبلة، واستخدامهم كبديل للقادة الكنسية الحالية التي تتوتر علاقتها بالنظام بين الحين والأخر على خلفية أحداث العنف المتكررة ومظاهر الاضطهاد المستمر للشعب المسيحي. لا شك في أن وجود قيادة علمانية مدنية للمسيحيين يعد تقدما في الاتجاه الصحيح نحو الفصل بين الدين والسياسة، إلا أنه من المؤكد أن التنسيق بين منظمات أقباط المهجر والقيادات المسيحية والكنسية يعد أمراً مهماً لاكتساب ثقة الشارع المسيحي الذي سيرفض رفضاً قاطعاً أية قيادة لا تراعي الوضع الخاص للقيادة الكنسية. من هنا فإنه يجب إعادة النظر في العلاقة المتوترة بين منظمات أقباط المهجر والقيادة الكنسية المحلية التي عكستها تصريحات الطرفين في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أن هناك شكاً كبيراً في أن يقبل البابا شنوده الذي يراعي توازنات مختلفة بتدخل منظمات أقباط المهجر في شئون مسيحيي الداخل، إلا أنه يبقى من المؤكد أن فرض أفراد أومنظمات على القيادة الكنسية لن يحظى بأي قبول أو نجاح. لذلك فإن المسألة تبقى تتطلب حكمة كبيرة لضمان عدم حدوث انقسام في الصفوف.

لست من المؤيدين لمعارضي نظام الرئيس مبارك، وبخاصة الإسلاميين، الذين يريدون استخدام الأقباط لتحقيق مكاسب ميدانية في معركتهم مع النظام، فقضية الحقوق المنتقصة للمسيحيين في مصر أكبر من أن تستخدم كورقة ضغط على الحكومة وأخطر من أن توظف في الخلافات الحزبية. ولست مع معارضي المعارضة الذين يرون في النظام الحالي الخيار الأوحد، إذ لا يساورني أدنى شك في أن النظام يعد مسئولاً مباشراً عن استفحال مشاكل الأقلية المسيحية، وشريكاً أساسياً في ضياع حقوقها طوال العقود الخمسة الماضية. ولكني بالتأكيد أؤيد هؤلاء وأولئك الذين يعترفون بصدق بمشاكل المسيحيين، ويعتبرون أن هذه المشاكل هي قضية وطنية تخص مصربكامل قواها الوطنية؛ مصر الحاضر ومصر المستقبل. لا شك في أن المعركة الكبرى التي تنتظر المسييحيين في مصر في السنوات القادمة ليست هي فقط معركتهم مع النظام لانتزاع الحقوق المغتصبة، ولكنها أيضاً معركتهم مع المجموعات التي تنكر عليهم حقوق المواطنة الكاملة، وهي المجموعات التي تمادى النظام طويلاً في نفاقها لضمان الاستمرار في سدة الحكم. قد يفتح اعتراف لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم بمشاكل الأقلية المسيحية آفاقاً جديدة أمام إيجاد حلول لهذه المشاكل، ولكنها تبق آفاقاً منقوصة لغياب الإجماع الوطني عليها الذي يبدأ بالحكومة وينتهي بالمعارضة مروراً بالجماعات الوطنية المختلفة. ولعل غياب هذا الإجماع يعود بدرجة أو بأخرى إلى غياب الإجماع حول مصداقية لجنة السياسات ذاتها. لذا أتوقع أن تبقى القضية القبطية بين منكر ومؤيد لتتنازعها الانقسامات الوطنية والصراعات الحزبية والمزايدة على التطرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اطفال الشطرة يرسمون لغزة


.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا




.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ


.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت




.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا