الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين تركيا وأثيوبيا والمستقبل

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2020 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


كانت أحداث شهر يونيو الماضى هذا شديدة التميز فى التاريخ المصرى، إذ تعلقت بصراعيين كبيرين دفعة واحدة ، صراع الحرية ، وصراع المياه ، صراع الحرية مع الخصم التركى ، وصراع المياه مع الخصم الأثيوبى، وقد زاد المشهد تميزاً بأن ذلك قد حدث فى شهر يونيو، والذى هو بدوره شهر مميز فى التاريخ المصرى ، ولنبدأ بالصراع التركى.
فى يونيو الماضى إنعكست مجريات الحرب الليبية بشكل دراماتيكى غير متوقع ، ترتب عليه إندحار قوات حفتر الزاحفة على العاصمة طرابلس، وإنسحابها السريع حتى حدود سرت والجفرة ، الحدود التقريبية الفاصلة بين الشرق والغرب الليبى ، ومنابع البترول الخصبة أيضاً ، وذلك بسبب التدخل التركى الحاسم والذى أعلن عن نفسه صراحة ، فى جيوش ومرتزقة وقواعد عسكرية فى الوطية ومصراتة ، بشكل إضطر الرئيسى المصرى، البطىء بطبعه ، إلى التدخل والإعلان عن أن سرت والجفرة خط أحمر ، ليقف الزحف التركى فعلاً ، وتبدأ مشاورات ومفاوضات بين تركيا وروسيا وفرنسا والمجتمع الدولى ، فى غياب مصر وبدون علامة تعجب ، حول ضرورة إستئناف المفاوضات وتغليب الحل السلمى.
لكن ذلك ليس موضوعنا ، موضوعنا هو المشهد فى الداخل المصرى، والذى إنفجر فى صراع فى العالم الإفتراضى، لايختلف كثيراً عن صراع ثورة يونيو ، إذ إنقسم المصريون ، علانية ، وبشدة ، بين الحزب الإخوانى المؤيد لأردوغان وميليشياته ، وبقايا حزب 30 يونيو المؤيد للسيسى وجيشه ، فى مشهد يذكرنا فعلاً بثورة يونيو ، مع الإختلافات شديدة الأهمية ، التى إتضحت فى كون الحزب الإخوانى ، وبرغم هزائمه ، قد إزداد شراسة وقوة ، بسبب وحدته وإيمانه بهدفه ، وإحترامه لقائدة وإمامه الجديد ، رجب طيب أردوغان ، أما حزب 30 يونيو، وبرغم كثرته العددية ، فقد إزداد ضعفا وتردد ، بسبب تفرقه وإختلافه حول قائده الديكتاتور ، المثير للجدل ، الذى لم يؤمن أبداً بشعب 30 يونيو ولا بثورته ، وألغى دستوره ، وإحتقر مدنيته، وقام بحشر كثير من أعضائه فى سجونه مع الإرهابيين والقتلة. هذه هى الصورة المؤسفة التى كشفت عنها الأحداث فى يونيو الماضى ، شهر الثورة، حين لم يكن الإخوانى اللئيم فى حاجة لأكثر من أن يصفك بالسيساوى ، ليجعلك تتراجع مدافعاً عن نفسك ، بأنك ثائر ، ولست سيساوياً ، لكن بلا جدوى ، لقد أصبحت سيساوى، إنقلابى فعلاً ، خسرت قضيتك ، قضية الحرية التى قاتلت من أجلها سبعة أشهر فى الشوارع ، ضاعت ، تبددت ، تبخرت ، أصبحت عاراً بعد أن كانت فخراً ، فقط لإنها ضلت الطريق، ولم تجد القائد المناسب ، القائد المناسب الذى كان يمكن أن يقودها إلى الحاضر والمستقبل ، لتلعب الدور الذى شاء له التاريخ أن تلعب ، مع ذلك فالدرس الهام الذى خرجنا به من ذلك الجدل ، هو أن مصر لم تمت ، ثورة يونيو لم تمت ، أيقظها التحدى التركى فخرجت من سباتها وضعفها ، مصر فقط تبحث عن قائد ، عن حزب سياسى فاعل ، عن عقد إجتماعى صادق ، عن عهد حقيقى بالديموقراطية ، وحكم القانون وتداول السلطة ، فى حماية المؤسسة العسكرية ، كأغلب تجارب التحول الديموقراطى الحديثة ، ممكن ، ولكن ليس فى حكمها أبداً ، هذا هو المستقبل.
أما التحدى الإثيوبى حول مياه النيل ، والأخطر ، فإن جذوره التاريخية ، وملابساته السياسية أصبحت معروفة ومتداولة ، ولاداعى لتكرارها ، هنا فقط نكمل القصة ، والدروس المستفادة منها ، والتى وصلت إلى نهايتها ، ليس حول بناء سد من عدمه ، ولكن حول قواعد ملء وتشغيل السد ، بإتفاق يلحق أقل الأضرار بدول المنبع فى مصر والسودان ، تم توقيعه بالأحرف الأولى فى واشنطن فى نهاية فبراير الماضى هذا، لتفاجئ إثيوبيا العالم بعد ذلك ، بالإنسحاب منه ، معلنة بكل وضوح ، النيل نيلنا ، والمياه مياهنا ، ولاداعى لأى إتفاق ، كأنه بئر بترول، أو حقل غاز ، وليس ممر مائى دولى ، لتدور بعد ذلك محاولات من المفاوضات اليائسة ، إنتهت بطرح مصر الأزمة ، التى تهدد وجودها ، على مجلس الأمن ، والذى عقد لها جلسة تشاورية يوم الإثنين الماضى 29/6/2020، والتى هى لب موضوعنا ، والتى تحتاج منا كل إنتباه وتركيز ، لنخرج منها بالدروس المستفادة الكبرى، المتعلقة بموقف العالم من أزمتنا المهددة للحياة تلك ، والتى لايمكن فيها المجاملة ولا المراوغة ولا شئ سوى التأييد المطلق . أمريكا وبريطانيا وفرنسا تدعم موقف مصر فى رفض التصرف الأحادى من أى جانب ، لابد من إتفاق الدول الثلاث قبل ملء وتشغيل السد، روسيا والصين، تدعم إستمرار المفاوضات حتى الوصول إلى حل مناسب ، دون ذكر شرط عدم التصرف الأحادى، أما جنوب إفريقيا، فتريد نقل الملف إلى البيت الإفريقى والسلام. أمريكا وبريطانيا وفرنسا المؤيدين لموقف مصر فى هذا الظرف الصعب ، هى الدول الإستعمارية التى تمتلئ بها ثقافتنا السياسية سباباً ليل نهار، أما الصين المراوغة، الممول الأول لسد النهضة ، فهى الدولة الصديقة التى قامت وزيرة الصحة المصرية بزيارة هزلية تضامنية اليها مع بدء جائحة كورونا ، أما روسيا بوتين ، المراوغة الكبرى ، المدمر لإقتصادنا بإيقاف السياحة ورحلات الطيران إلى سيناء، فهى صاحبة النصيب الأكبر فى مشتريات سلاحنا، و القواعد على أرض بلادنا ، أما جنوب إفريقيا، فليست معنية فى الواقع سوى بإنقاذ شقيقتها الإفريقية من براثن مجلس الأمن ، ونقل القضية إلى الحضن الإفريقى الحنون.
أخى المصرى، كل ثقافتنا السياسية فى حاجة إلى مراجعة شاملة ، ففى أزمات السياسة الكبرى، هناك دائما بعد حضارى خفى ، تماما مثل حنو جنوب إفريقيا على إثيوبيا ، وتردد السودان ، بين الشمال والجنوب ، ففى السياسة كما فى الحياة ، تظهر العائلات وقت الشدة تدافع عن أبنائها ، عائلتك اليوم ، وبصرف النظر عن أى خلافات ، هى الدول الإستعمارية الثلاث ، أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، فكيف يمكن تفسير ذلك، يمكن تفسير ذلك بأنك كنت يوماً قاعدة وإمتداد للعالم الغربى فى إفريقية والشرق الأوسط، الدول الكبرى لاتنسى ، بينما أنت قد نسيت، إقرأ كتاب طه حسين ، مستقبل الثقافة فى مصر ، لعلك تتذكر!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عرض جيد
أنور نور ( 2020 / 7 / 3 - 01:19 )
وأسلوب سهل واضح
توقفت عند قولك : بسبب التدخل التركى الحاسم والذى أعلن عن نفسه صراحة ، فى جيوش ومرتزقة وقواعد عسكرية فى الوطية ومصراتة ، بشكل إضطر الرئيسى المصرى، البطىء بطبعه .. ونضيف من عندنا : (( بطء , تردد , تخاذل .. - ظهر ذلك عندما طلب من الشعب من قبل , إعادة تفويضه مرة أخري ! , وكأن خروج الشعب للشوارع بعشرات الملايين .. لعبة وعملية سهلة ! كمن يطلب من مطربة أو مطرب إعادة كوبليه غنائي ! ) حفتر كان علي وشك النصر الكامل وانهاء حكومة الخائن السراج .. لكن إردوغان , كان سريعاً وأسعف السراج , ودعمه بقوة وأنقذه ... بينما كان حلفاء حفتر - بوتين والسيسي - متخاذلين , خذلوه في أحرج الأوقات , وتسببوا في تقهقره وإندحاره
تحياتي للكاتب


2 - االرد على الأستاذ أنور نور
عبدالجواد سيد ( 2020 / 7 / 3 - 05:56 )
تعليقكم أكمل مانسينا إضافته ، فعلاً لقد إبتلانا الله بهذا الرجل الذى تسبب بإنسحابه الدائم بكل هذه
الكوارث والإحتلالات من اليمن إالى غزة وسوريا وحتى ليبيا وشمال إفريقيا ، ننتهز فرصة تعليقكم للإعتذار للشعب الليبى وكل شعوب المنطقة المحبة للسلام ونؤكد لهم أن مصر ستعود يوما لتلعب دورها المفقود فى طرد الطامعين فى الإقليم ، وعلى رأسهم طيب رجب أردوغان ، تحياتى أستاذ أنور وشكراً على مروركم الكريم

اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام