الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5

دلور ميقري

2020 / 7 / 2
الادب والفن


شأن مواطنه الدمشقيّ، المستثمر مزرعةً على طرف بلدة سَري كاني، فإن أكرم جميل باشا اختار منطقة الدرباسية كي يستزرع قطعة أرض كبيرة. اعتمد أيضاً على الآبار، لألا تبقى مواسمه تحت رحمة الطقس المتقلب. كذلك ألحق حديقة أزهار بمسكنه الريفيّ، وكان يستقبل فيها زائريه في الأيام المشمسة. وهوَ ذا صالح، يؤوب مرة أخرى إلى المزرعة، لكن بطريقة أقرب ما تكون للتسلل. ديبو ابنه، وكان عُمره على حدّ المراهقة، دلفَ من السيارة لوحده وما لبثَ أن توجه إلى مدخل المسكن الريفيّ. كان في مشيته عرجٌ واضح، سببه كسر في رجله لوقوعه من أعلى إحدى الأشجار في بساتين الحارة لما كان صغيراً. بقيَ الأب ينتظره في السيارة، المتوقفة على قارعة الطريق. الحر كان خانقاً في هذا الوقت من الصيف المتأخر، والهواء الساخن، المحمّل بالتراب، جعل سائق السيارة يُحكم إغلاق النافذة. نحو نصف ساعة على الأثر، لما عاد الغلامُ إلى أبيه، بادره بالقول حالما جلس بجانبه: " تكلمتُ مع والدتي على انفراد، مثلما أوصيتني. إنها تقولُ أن الخالة ريما فهمت خطأً، أمرَ خدمتها لأكرم بك. فهي تعمل مربية عند ابن عمه، وكان هذا غائباً مع أسرته في زيارة عائلية وقتما حضرتم للمزرعة أول مرة "
" تخدم أكرم بك أو ابن عمه، ما الفرق؟ "، هتفَ صالح مقاطعاً ابنه. ثم سأله بنبرة مرتابة: " كأني بك لم تنقل لها تهديدي، بأنني سأطردها من المنزل وأجعلها لا تراك أبداً لو لم تترك الخدمة حالاً وتعود إلى الشام؟ ". بقيَ ديبو واجماً هنيهة، يهرب بعينيه من النظرات النارية. رد أخيراً وكان صوته متهدجاً قليلاً: " بلى قلتُ لها كل ذلك، لكنها اشتكت من حاجتها للنقود. إنها ستعود إلى دمشق مع أسرة مخدومها بعد أيام قليلة، على ما فهمته منها "
" إذاً، هيَ لم تأخذ تهديدي على محمل الجد؟ "، دمدم صالح وكأنما يُخاطب نفسه. غير أنه أشفق على الابن من التأثر أكثر، وسط دوامة الخلاف العائليّ الجديد. سأله بصوت هادئ، فيما كان يُدير محرك السيارة للتحرك بها: " هل ذكرت لك شيئاً آخر؟ "
" بلى، طلبت مني إخبارك أن من تقيم لديهم لم يسألوها مرةً قط عنك "
" آه، خبرٌ مفرح! "، قالها صالح ساخراً وكانت السيارة قد أضحت عندئذٍ على الطريق العام.

***
موضوع حواء، لم يطوَ بعودتها إلى دمشق مع أسرة مخدومها. إذ بقيَ مزاج طليقها سيئاً، فانعكس ذلك على مسلكه وأضحى أكثر عصبية. وما أسرع أن رجع إلى عادة الشرب، سواء في المنزل أو خارجه. كان قد عقد بعض الصداقات مع أعيان المنطقة، وأيضاً مع عدد من آباء زميلات بناته، النصارى. هؤلاء وأولئك، سروا بصُحبة رجل طريف الطبع، نديم ومغرم بالأغاني والنساء. شأن حاله في الشام، كانت سهراته تستهل مساءً ولا تنتهي قبل طلوع الفجر. بعدئذٍ كان ينام إلى ما بعد الظهر، ثم يستيقظ متعباً ليقضي بقية النهار داخل جدران المنزل. امرأته ريما، وكانت تُدرك بالطبع سببَ هذا التحول في خلقه، لجأت إلى معاونه لمحاولة إعادته للصراط المستقيم.
ملا عشير، كان بدَوره قد لحظ المنحى الجديد في مسلك معلّمه، لكنه كان يتهيّب من مواجهته بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي تَعِدُ شاربَ الخمر بالويل والثبور. لعله كان في داخله مسروراً من الحالة تلك، طالما أنها جعلته يحكم قبضته على المزرعة وفلاحيها. قال لامرأة سيّده، بنبرة العاجز، بعدما استمع لشكواها: " هكذا هيَ حياة معظم الأعيان، يا أختاه. لكن أمورهم تسير بشكل حسن، بفضل وكلاء أعمالهم ". هذه الصفة، وكيل الأعمال، لم تكن في حقيقة الحال معروفة في مكان بدائيّ كالجزيرة. فالزراعة هنا اعتمدت غالباً على الحبوب، المروية بماء المطر، ما جعل الفلاحين بمثابة عمال موسميين. إنما التقط ملا عشير تلك الصفة من سيّده، لما كان يتطرق إلى أوضاع الزراعة في الشام خلال أحاديثه مع أنداده الملّاكين.

***
في صيف العام 1944، وكان مضى ما يزيد عن العامين على حلول صالح في الجزيرة، قررَ أن الوقت حانَ للعودة إلى دمشق. أول مرة فكّر بالأمر، حينَ زاره الدكتور نافذ في المزرعة. في ذلك اليوم، وكان جمعة، حضرَ أيضاً جمّو من مكان خدمته في مدينة الحسكة. على غير العادة، استمع صالح بانتباه إلى أحاديث الضيفين؛ وكانت كالمألوف تُداور حول التطورات الأخيرة للحرب. علّقَ على ما سمعه، بالقول: " إذاً اقتربت هزيمة الألمان، وصار الخطر بعيداً عنا؟ أذكرُ قبيل عزمي على المجيء إلى هنا بهدف الاستثمار في الزراعة، أن الطائرات الألمانية رمت قنابل ضخمة على مطار المزة لم تترك زجاج نافذة في المدينة إلا وهشّمته بفعل قوة الانفجارات. كنتُ آنذاك متردداً في أمر مشروع الاستثمار الزراعيّ، لكن بعد تلك الغارة آثرتُ السلامة لأسرتي بالابتعاد عن دمشق ريثما تهدأ الأوضاع ".
جمّو، سينتقل أيضاً في ذلك العام إلى دمشق مع وحدته العسكرية. خمسة أعوام على الأثر، لما تقدّمَ ليطلبَ يدَ ابنة صالح البكر من امرأته ريما، وافقَ هذا على الفور. الابنة، هيَ من اعتادت، أيامَ المزرعة في الجزيرة، على أن تفتح الباب لمَن كانت تدعوه " العم جمّو "!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع