الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد الامريكى والحرب والبترول

على نجيب

2006 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تمثل سبعينيات القرن العشرين نقطة مفصلية في التطور الاقتصادي الصناعي المتقدم سواء في أوروبا الغربية وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي السبعينيات بلغت مرحلة الإنتاج الواسع الذي يعبر عنه بالفوردزم نسبة إلى خط التجميع الذي ابتدعه فورد في صناعة السيارات وتم تطبيقه في صناعات أخرى أو في نفس الوقت تصاعد أهمية الصناعات ذات الإنتاج الكبير المتصل سواء في صناعة الحديد أو البتروكيماويات هذه المرحلة بدأ تآكل اقتصادياتها وانخفاض معدل الربح فيها إلى الحد الذي فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية لحماية صناعة الصلب وفي نفس الوقت غزو الإنتاج الياباني والكوري للسوق الأمريكية في السيارات أو السلع الإلكترونية الاستهلاكية ومراجعة معدل الربح في الصناعات الأساسية التقليدية في أمريكا يبين انخفاض معدل الربح
ولقد كان الأمل الذي يراود المستثمرين في أمريكا هو أن تحل صناعة الاتصالات بحزمة التكنولوجيا الجديدة سواء في شبكات الاتصالات أو الإنترنت أو شركات المعلومات المبنية على استخدام الكمبيوتر أو شركات التسويق التي تستخدم التكنولوجيات في رفع كفاءة الإنتاج في الهيكل الصناعي عموماً كان الأمل أن تقوم تلك النقلة التكنولوجية بالإبقاء على قدرة الاقتصاد الأمريكي في التقدم ورفع معدلات الأرباح التي تدهورت في الفترة السابقة.
غير أن هذا التوقع لم يتم بل حدث قدر كبير من الاستثمارات في هذه المجالات وصاحب ذلك زخم من الدعاية والمضاربة على أسهم تلك الاستثمارات وإهدار قدر كبير من القدرات الاستثمارية. فعلى سبيل المثال بلغت شبكات الاتصالات الحديثة والتي استثمر فيها عشرات المليارات من الدولارات ما يغطي احتياجات السوق الأمريكي إثنى عشر مرة. الإفلاسات المتواترة للشركات الجديدة ثم بالونة البورصة التي كانت مبنية على أمل تحقيق أرباح رأسمالية بارتفاع ثمن الأسهم لتوقع الحصول على أرباح من هذه الشركات ثم ارتفاع سعر الأسهم باعتبار ما تحقق من زيادة السعر هو ربح رأسمالي. هذه البالونة كان بالحتم نتيجتها انهيار في البورصة. وبلغت قيمة خسائر أسعار الأسهم سبعة ترليون دولار في غضون الشهور القليلة الماضية أي سبعة آلاف بليون دولار. مما أصاب صغار المدخرين أو صنادي الادخار بخسائر فادحة. في هذا المناخ يتحتم بالضرورة ظهور فساد فهذه الخسائر لاشك استفاد منها من باع في الوقت المناسب.
كذلك فإنه في مناخ المضاربة والاستثمار غير المنتج توجد شركات من نوعية «إنرون» وتتحول مهنة المحاسبة إلى فني خداع المساهمين أو أجهزة الدولة أو الرقابة المالية.
ومن ناحية أخرى فأمريكا أكبر دولة مدينة ويبلغ العجز التجاري أكثر من بليون دولار يومياً لا يعوضه إلا زيادة الاستثمار الأجنبي في السوق الأمريكي الواسع وبسبب أن الدولار لازال هو العملة المستخدمة كغطاء لعديد من العملات والأكثر استخداماً في التعاملات الدولية. غير أن نظرة فاحصة لحال الاقتصاد الأمريكي تبين أنه في نهاية القرن العشرين يشابه الاقتصاد البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر أي في مرحلة بداية فقدان القيادة العالمية للاقتصاد الرأسمالي العالمي.
بجانب ذلك فإن التطورات الاقتصادية والاجتماعية تندر بمزيد من الصعوبات. فعدد العاملين في الصناعات الإنتاجية يتناقص لصالح النشاطات الخدمية بمعدل متسارع وفي نفس الوقت فإن توزيع الدخول يتم فيه خاصة في العشرين سنة الماضية مزيد من الاستقطاب لصالح الشرائح العليا من الدخل ونقصان نسبي ومطلق لدخل الشريحة الدنيا من الدخول. بل إن نسبة السكان الذين يمثل دخل أقل من مستوى الفقر تتزايد. وتتخذ السياسات الداخلية طابعاً يسبب مزيداً من الضغط على الشرائح الدنيا سواء في التأمين الاجتماعي أو ضمان العلاج الصحي أو حتى التعليم ناهيك عن تبديد مدخرات العاملين في صناديق الادخار باستثمارها في أسهم الشركات التي يعملون بها وقد أفلست بعد هروب مديريها ورؤساءها بحصتهم من السهم التي تصرفوا فيها بالبيع في الوقت المناسب.
لقد كانت أحداث 11 سبتمبر ونسف برجي التجارة في نيويورك حادثاً مناسباً يستغل للخروج من أزمة الاقتصاد الأمريكي وسواء كان القائمين بهذا العمل الإرهابي جماعات إسلامية متعصبة وهو الزعم الذي تروج له الإدارة الأمريكية دون تقديم دليل جاد حتى الآن أو أن القائمين بها أجهزة مخابرات أمريكية حتى لو استخدمت أفراد من الجماعات الإسلامية المتعصبة الإرهابية وهي عناصر تم تدربها وتربيتها بواسطة المخابرات الأمريكية نفسها كما يعتقد بعض مؤلفي الكتب في هذا الموضوع فإن دراسة الواقع تبين أن الإدارة الأمركية هي المستفيد من هذه الأحداث.
ولعل مناخ الاستنفار الذي تنشره وتلح به بصفة مستمرة يوضح اتجاهات الإدارة الأمريكية في استغلال ذلك الحادث. فتحت شعار من ليس معنا ضد الإرهاب يعتبر في جبهة الإرهاب لا يعني ذلك إلا فرض هيمنة أمريكية على السياسات العالمية. دون وضع اعتبار لمنظمة الأمم المتحدة وبمعنى آخر فرض المصالح الأمريكية على كل دول العالم. ذلك تم بحلف أمريكي يشمل من ناحية المؤسسة العسكرية الصناعية التي حذر من خطرها «أيزنهاور» ومن ناحية أخرى شركات البترول الأمريكية.
فمناخ الحرب يمثل فرصة كبيرة لتحقيق أرباح هائلة لشركات السلاح الأمريكية وينشط من ناحية أخرى الاقتصاد الأمريكي بهذا التوسع الصناعي.
إنما الأرباح الأساسية هي ما يمكن تحقيقه من استهداف أمريكا السيطرة على البترول العالمي واستهداف غزو العراق يستهدف الاستيلاء على ثاني أكبر رصيد بترولي بعد السعودية ويمكن بواسطته رفع صادرات العراق إلى أكثر من ستة ملايين برميل بترول يومياً. هذا من شأنه تحجيم دور منظمة الأوبيك وشل السعودية عن القيام بدور التوازن في السوق العالمي ومحاولة الإبقاء على سعر مناسب للبترول. وسيطرة أمريكا على البترول العراقي وتحجيم دور منظمة الأوبيك له تأثيره الإيجابي تماماً على أرباح الشركات الأمريكية من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تلك الأرباح لاشك في مصلحة ميزان المدفوعات الأمريكي الذي يعتمد حالياً على الاستثمارات الأجنبية.
غير أن البترول بجانب كونه غنيمة ذات ربحية عالية هو أيضاً سلاح هيمنة وأمريكا تضع الأطراف الأخرى سواء أوروبا الغربية أو اليابان في وضع يلزمهم بالتبعية تحت تهديد التحكم في واردات البترول التي سوف تسيطر عليه الشركات الأمريكية وما لم تخضع أوروبا لذلك التهديد فإنه يمكن حرمانها من أي مكاسب قد تتفضل بها أمريكا في نطاق سياستها البترولية. وذلك خاصة إذا وضعنا في الاعتبار التواجد الأمريكي في المناطق البترولية في وسط آسيا بعد غزو أفغانستان ولعلنا يجب أن نتساءل عن إمكانية نجاح تلك السياسة الأمريكية في فرض هيمنتها. إن استخدام الحرب لحل المشاكل أسلوب قديم وكما قالت تلك الوزيرة الألمانية «هتلر» استخدم نفس الأسلوب ولا تنسى أن «هتلر» أحتل أوروبا الغربية كلها ولكنه هزم آخر الأمر.
من الممكن أن تنتصر أمريكا في معركة العراق وقد تتبع ذلك ببلاد أخرى ترشحها تحت عنوان محور الشر غير أن تصور وجود قطب أوحد لا يوجد له أساس في تاريخ البشرية والسياسة الأمريكية لفرض هيمنتها هي بالضرورة لها حدود لا يمكنها أن تتجاوزها قد تكسب أمريكا بعض المعارك لكنها سوف تحجم عن محاولة إخضاع الصين أو مواجهة عسكرية مع روسيا رغم أزمتها الحالية فهي لازالت ثاني أكبر دولة نووية صاروخية.
كما أن بلاد كالهند سوف تتحول هي الأخرى إلى دولة عظمى. غير أنه بجانب ذلك فإن الهيمنة الأمريكية تضع جميع بلاد العالم الثالث سواء أمريكا اللاتينية أو البلاد العربية أو بلاد جنوب شرق آسيا في مناخ الحركة الوطنية الذي سوف يقاوم الهمينة الأمريكية مثل ما قاوم الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية والهولندية بعد الحرب العالمية الثانية رغم انتصار تلك البلاد في هذه الحرب وفي كل هذه المجالات فإن أمريكا لا يمكن أن تحقق انتصاراً لسياساتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة