الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شمعة اللامكان...قصة قصيرة

كمال انمار احمد
كاتب على سبيل النجاة

(Kamal Anmar Ahmed)

2020 / 7 / 4
الادب والفن


شربتُ فنجانا من القهوة المرة،ثم توجهتُ حيث لا مكان،افترشته عبثا،لانني لم أجد اي شيء يداوي تلك العلل،يشفي كل تلك الآلام.و بعدها،وجدتُ في لامكاني أريكة من الظلام،جلست عليها بلا جسد،و فكرت بلا عقل،لم أكن اعرف ما افكر فيه،كل شيء عشوائي،بلا هدف،بلا إنتقاء او ترتيب.لم يكن هناك ما يجعلني اعتقد بأن اجعل كل ما يمر بي اكثر تنظيم،او أكثر ترتيب،فهاهي الاشياء تبدو مرتبة رغم انها غير مرتبة،و لكنها من وجهة نظري تبدو كذلك،قد لا تبدو كذلك لأي شخص غيري،و لكن هذا ليس مهم،ما دمتُ استطيع روية الحقيقة التي يمكنني مواجهة العالم بها.

مرت ساعات عديدة،و انا أفترش اللامكان،لم يكن هناك شيء غريب يختلف فيه ذلك اللامكان عن المكان،كل شيء كان إعتيادي.فسئلتُ نفسي هل حقا كل شيء إعتيادي أم انني تعودتُ الألم،هل يمضي كل شيء بخير،ام انني تعودت الحزن.فماذا يجري يا نفسي،ماذا يحدث،اجدني ضائع بين ثنايا الشوك،و بين أطراف الجبل،كيف الحل،لا أعرف،سوى انني ادري ان الامر سيستمر حتى النهاية،و كيف ذلك و نهاية الدرب بعيدة بلا أمل،و بلا شوق للإستمرار،و كيف نصل الى النهاية،و نحن لا نعرف حتى كيف نتعامل مع البداية،و كيف نستمر إذا كنا نعاني حتى من قدرتنا على التنفس براحة.

و هكذا مرت الساعات و انا متمدد على أريكة في اللامكان،و هكذا مرت الساعات و انا بلا حراك،كميت يهيم قبل النزول الى القبر،كمنتحر قبل ساعات من الإنتحار.لا اعرف لا ادري،لا يمكنني وصف ما يجري معي،في ذلك اللامكان،بل و حتى في المكان،فكل شيء يمضي نحو المجهول،اذا لم نقل انه يمضي نحو الجنون بكل صراحة.فهل يستطيع الانسان تحمل كل هذا،و هل يستطيع ان يقاوم كل هذا،و هو وحيد بلا سند،حزين بلا امل،خائرا بلا قوة،مجبرا بلا إختيار،هائما بلا ادراك.هل يمكن فعلا ان يحتمل هذا الانسان و يقاوم ما يمر به،هل حقا يمكنه ان يكون ما يريده،بلا آلالام بلا مصاعب،انني اشكك.

بعدها توجهت الى عالم الأمكنة حيث يوجد الناس،حيث يوجد الشر.و كلما أمعنت النظر فيه وجدتُ الكثير من الأشياء القاتلة و المريرة،انه عالم بلا إنسانية يعيشه من رمى بإنسانيته في القمامة.و لا أمل في إسترجاع الأمل مرة اخر،مهما بلغت درجة الوعي و الذكاء في مثل هذا العالم.هل يجب وصفه بأنه بائس بلا رحمة ،كئيب بلا إشراق،سافل بلا فائدة،نعم يمكنني وصفه هكذا،بل انه حقارة و قذارة،و ابشع مما يتم تصوره على الإطلاق.

كنتُ اقضي اشغالي الأسياسية في هذا العالم المكاني،ثم أتجه بسرعة نحو عالمي الآخر،عالم اللامكان.و لكن في هذه المرة وجدتُ شمعة ذات لهبٍ مخنوق،كما يختنق المرء ساعة التوديع،و لأول مرة كان كل ما حول هذا اللامكان،ظلام دامس.قلتُ: هل تغير شيء،هل هناك خلل في الأمر،يا الهي أظنني جننت.فالجنون هو اخر مرحلة البحث عن الوجود و أسبابه في عالم الأمكنة.و لكنه أول مرحلة في عالم اللامكان.

عموماََ اخذتُ الشمعة و تجولت في اللامكان،كان امراََ يجعلني في سكينة.فالعالم المظلم رغم قباحته افضل كثيرا من عالم منير بلا إنسانية و رحمة.و بقيتُ أفكر في هذين العالمين،اللذين كنت لا ادري أيهما أختار،و مالذي ينتظرني في اي منهما في النهاية،فكل الإجابات عن اي سؤال من أسئلتي هي لا أدري.

بقيتُ في هذا اللامكان حتى اليوم التالي،أفكر و أتأمل و أسئل.و رغما عني عدتُ الى ذلك العالم السافل مرة أُخرى.فسمعتُ صوت الباب،يا الهي من هذا القادم،فالمرء الذي لا يملك شيئاََ لا يزوره احد.فتحتُ الباب لكن لم يكن هناك احد،يا الهي ما هذا،هل انا جننت.

رجعتُ الى كرسيِّ إسترخيت قليلا من جرَّاء ضغط التفكير و الأسئلة،و فجاةًَ كانت هناك يد تلمس كتفاي بقوة.قفزت بسرعة لأنظر ما هذا،و لكن لم يكن هناك شيء،مجرد خيالات من اللعنة،او لعنة من اللاشيء.و بعد هذا الرعب توجهتُ الى الحمام،كنتُ اريد غسل وجهي،لكن لم يكن هناك ماء،ما الذي يحصل بحق الجحيم !

و بقيتْ هذه الخيالات من الاشخاص و الاشباح تلاحقني،حتى جاء الليل.و هنا تبدأ مسيرة الإنسان المُتعب و المنهك،و لكنني دائما ما اذهب الى اللامكان لأتخلص من هذا العبأ المسمى الليل،لكن هذه المرة لم أستطيع الذهاب،و لم أتمكن حتى من التركيز لأفكر في اي شيء سوى الخيالات و الاوهام الشبحية.

في منتصف الليل انطفأ النور ذلك الملعون القديم،فأوقدتُ شمعة كانت لدي،ثم توجهتُ الى فراشي و بيدي تلك الشمعة.تمكنتُ من الوصول اليه،و عندما استلقيتُ على الفراش،حدثت فوضى في غرفة المعيشة،هرعتُ إليها بسرعة،لكن لم يكن هناك شيء،فوضعت الشمعة على مكان مرتفع،لتنير ما حولي،لأرى ما سبب الفوضى.

و لهنيهنة مخيفة و فضيعة،أُطفات الشمعة،بهدوء، و بدون اية صخب ثم أحسست بوجود احدهم في المكان،و بعد مقاومة بسيطة للخوف،هجم علي شيء ما،هجوما عنيفا بشدة،يهز الجبل و يزلزل الشجاعة،فكانت أجزاء جسمي كلها في ثورة،وسط هذا الظلام الدامس،فصرخت صرخة لا يمكن تخيلها أبداًَ،فهي صرخة الإنسان المُحتضر.

بعدها و يا لحسن الحظ،وجدتُ نفسي في اللامكان،حيث كل شيء صالح هنا.مع شعور غريب جداََ بالراحة و الطمأنينة،و لكن ما الذي حصل.هل كانت ليلة البارحة مجرد حلم في اللامكان،ام انها رؤيا خيالية حصلت معي في المكان،لا ادري،فلعنة الجهل للأسئلة آنية تدمر ما يصل اليه المرء طيلة حياته.

لقد لاحظتُ شيئاََ غريبا ايضا،فنفس الشمعة التي كنت أحملها امس كانت موجودة هنا في اللامكان،هل يعقل،هل يعقل انني غادرت الحياة.كلا،كلا،هذا هراء.فالهراء احيانا يأتي بعد إن يرى المرء صدق الحقيقة،و لكن ما فائدته،فليواري الثرى الجحيمي بكل حال !

حاولتُ العودة الى عالم المكان،لكن لم يكن جدوى،فلقد عقلتُ هنا في عالمي هذا.أفليس هذا افضل كثيرا مما كنتُ عليه.

و رغم انني إغتبطتُجدا بأنني عالق في اللامكان،فكرتُ في الشمعة،و كيف جاءت معي،و ما حصل امس في المكان،و مالذي حصل لي هناك الآن.

مسكتُ الشمعة،و ركزت في لهيبها،فكانت هناك صور،ما هذا !

انها صور نهاية ذلك المرء الخائف و المنهك،نهاية اللحن الحزين.لقد رأيتُ نفسي في المكان،انني في مستشفى المجانين.

ابتعدتُ عن هذه الصور،و قلتُ هل هي حقيقة،و اذا لم تكن كذبة فلما انا عالق هنا،وان كانت كذبة فلما لا اعود الى عالم المكان.

فجاةََ وقعت الشمعة دون سبب،و خرج منها شيء ما،شيء إنار المكان كله،و لم أستطيع رؤيته،تكلم بصوت عالي جدا،حتى انني كدت اصاب بالصمم،و لكنه خفف نبرته،و قال :

لا عودة الى عالم المكان،فالعذاب و القلق يسودان هناك.أما هنا ستقضي وقتك بالتأمل دون ضجر،و التفكير دون ملل.صحيح إنك جننت في عالم المكان،و لكنك في الحقيقة ترى هنا كل شيء بوضوح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب