الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمز في قصيدة -غرام الأفاعي- للشاعرة حنان بديع

فطنة بن ضالي
كاتبة، شاعرة

(Fatna Bendali)

2020 / 7 / 4
الادب والفن


نص مفتق للغة مشحون بالرمزية و بالطاقة الإيحائية في لغة شاعرية ، تُنبئ بجرأة الشاعرة ، وبُني النص على حوار بين صوتين الصوت الدال على "أنا "الشاعرة الآمرة ، والصوت الثاني المستحضَر عن طريق الحكي، ويبدو أن الجمل الطلبية الصادرة عن "أنا" الآمرة تحتل في النص مساحة كبيرة ، وإذا كان الأمر في البلاغة هو طلب الفعل من الأعلى للأدنى على وجه الوجوب والاستلزام . فهو هنا تخيير للمخاطَب (افعل ما شئت) والمشيئة هذه في أفعال عددتها الشاعرة منها: ( توهم ...إكذب ..إدع ..) وهي أفعال تحمل قيما سلبية، مجانبة للصواب وكلها ت تعابير تدل على علاقة التوتر بين الآمر"أنا" الشاعرة والمأمور المخاطَب ، يعزز ذلك قولها : ( مارس يا صغيري عداءك الأزلي )، وهي هنا تستحضر علاقة راكمت من العداء بين الجنسين حمولة فكرية ، تشجبها الشاعرة ، إذ يحضر صوت الآخر المحكي ( إنك صانع التاريخ ) و(إنك ملهم الحرف) تصديقا للوهم، وحكاية بالقول بصيغ دالة على اسم الفاعل ، وما تحيل إليه من قوة وغلبة هكذا عبرت الشاعرة عن هذا التوتر في هذه العلاقة بصور انزياحية عمقت المعاني مثل : (اعزف على الوتر) والمقصود هنا على وجدان الشاعرة ، ( رش الملح على الجرح ) وذلك لزيادته إيلاما،( تلذذ بغيابي )، و ( تفنن في عقابي ) والمقصود الأثر الذي ينجم عن الفعلين من تعميق الهوة ، وعدم التواصل وزيادة التوتر.
ويبدو أن الشاعرة صاحبة قضية فكرية اجتماعية وهي قضية تصورنا عن الآخر، بل الأكثر الكتابة عن هذا التصور في مجتمعاتنا، وتظل الكتابة سَفرا في المعنى الذي نعبر به عن قضايانا وتصوراتنا ومواقفنا، وبعبارة سليم بركات " سفر الكتابة هو مواجهة الآخر فيك ، دون بحث عنه ، وهو انقسام مربك ، يحيل آخرَك إلى مدون صلب ، يبتكرك بكمال لغتك أو نقصانها "،( الشعر والسفر ، الكرمل ، ع36-37، 1990) . وربما هو الصوت الساكن فينا.، إذ سافرت بنا الشاعرة في لغة و تعابير إيحائية رمزية مشحونة بدلالات نفسية ، تعكس تجربتها ورؤاها الفكرية و الفنية ، متوسلة في تصويرها بالمجاز و الاستعارات منها ( إنك الرجل الممنوع من الصرف ) تشبيه بليغ . والاستعارة في : (ازرع اللغم في أعتابي) و إنك (ساكن رمشي وأهدابي )، ...الخ. واستعملت الشاعرة أساليب كثيرة منها : التوكيد، حيث أكدت المعنى بأداة التوكيد "إنك " في أكثر من سطر شعري، والاستفهام الخارج عن مقتضى الظاهر في قوليها : (كيف أمام غرام الأفاعي...) و (كيف لا أغفر نقرات العصافير)، وهي هنا تستفهم بكيف عن حالها أمام حاله الباحث عن الجواب ، والاستفهام هنا دال على تقرير الحال .
وبهذا نصل هنا إلى جملة عنوان النص ،غرام الأفاعي ، وهو عنوان رمزي ، يمكن أن يُقرأ في دلالة رمزية الأفعى، إذ تعد الأفعى أو الثعبان من أقدم الرموز الأسطورية انتشارا وهي عند بعض الشعوب، رمز للخصوبة الطبيعية وتجديدها ، وعند البعض ترمز إلى الحبل السري الذي يجمع كل البشر بالأرض الأم .أما في الحكايات التاريخية الدينية فإنها سارقة نبتة الحياة من جلجاميش بعد صراع مرير، وهي التي أوحت لحواء بالأكل من شجرة الحياة ليتم طردهم من الجنة ، في الحكاية الإسلامية ، ومازالت الأفعى رمزا لسرقة الحياة الأبدية من الإنسان ، أما عند اليونان فهي رمز للبعث والشفاء ، وهي رمز مهنة الطب، وعلى هذا فالأفعى والثعبان في الأساطير مسمى لواحد، وهي ترمز للحياة وتجددها واستمرارها .
ويمكن هذا السياق قراءة قول الشاعرة : (العب بالبيضة والحجر) حيث يذهب البعض إلى أن الأرض خلقت من بيضة أفعى بعد أن شكلت نفسها بنفسها، وعلى هذا تكون الإشارة إلى الأصل والفرع ، حيث البيضة أصل الأرض والحجر جزء من الأرض ، وإلى قوة الاتصال بين الاثنين ، كما رمزت الشاعرة بالممنوع من الصرف إلى الثبات على الحال وعدم التغيير، و بالنبش في التراب إلى البحث عن الأصل، وبالخاتم إلى الحلقة المفقودة، وفي هذا السياق شحنت الشاعرة الكلمات بدلا لا ت جديدة استيعابا لتجربتها ورؤاها الفنية وموقفها الفكري ، وهكذا ، يستمد الشاعر رموزه من مجالات متعددة كالطبيعة والتاريخ والدين والحضارة و الأسطورة والفن .
أما الإيقاع الداخلي في القصيدة فهو قوي جدا مستمد من الوزن الصرفي "افعل " المتكرر في جل أسطر القصيدة، وكذلك من تكرار بعض الألفاظ أكثر من مرتين، ومن بعض التوازيات المعنوية واللفظية:
(إنك / صانع / التاريخ * إنك / سيد / فرحي ) و(كيف /لا/ أغفر؟* كيف /لا/ أصفق ؟).
فهو إيقاع منبثق من اختيار الشاعرة للغتها ومعجمها الذي عبر عن معانيها بصيغ وتراكيب، في تناغم وانسجام تام ، أكسب النص إيقاعا موسيقيا قويا .مستمدا من رؤيتها الشعرية التي نجحت في التعبير عنها في هذا النص باستعمالها مجموعة من الرموز وبلورتها في التعبيرعن قضية اجتماعية فكرية إنسانية ، خصصتها وعبرت عنها برموز فردية مشحونة بالبعد النفسي . كما يقول الناقد على جعفر العلاق " ترتبط الرؤيا الشعرية (...) بمجموعة من الرموز الشخصية للشاعر التي استطاع ...بلورتها باستمرار ، أن يرتفع بها إلى مستوى راق من الفاعلية والدلالة الخاصة . وأن يحولها إلى رموز شخصية، فردية ومتفردة ، ورموز الشاعر هذه مجتمعة تظل تنضج بمكونات رؤياه بجميع عناصرها الجمالية والفكرية والوجدانية ، وتومئ إلى عالمه الشعري الخاص به.( في حداثة النص الشعري، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ، ط1، ص26.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو