الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محادثة مع إمرأة حكيمة

كمال انمار احمد
كاتب على سبيل النجاة

(Kamal Anmar Ahmed)

2020 / 7 / 5
الادب والفن


كانتْ جالسة بتلك الحلة التراثية من الأساور و القلائد،و تنظر من شباكها للحياة،و تمسك بيدها كتاب لدوستويفسكي و في يدها الأخرى سيكارة يفوح منها دخان الخبرة و المعرفة.دخلتُ إليها و لكنها لم تنتبه،فقد كانت غائبة عن الوعي تماما،فعين تتخيل في الكتاب،و عين اخرى موجهة الى الحياة،كانت منشغلة،مبتعدة عن حياة الصخب و المشاكل،كانت وحيدة و تحب الموسيقى،و تحب القراءة و الكتابة،لكنها كانت وحيدة،حيث لا اصدقاء سوى انا و قلة أخرى،نتبادل الحديث عن الروايات و الحوادث التاريخية و الدين.كانت شابة واعدة،جميلة و أنيقة،و مثقفة الى حد كبير،ملمة بالفلسفة و الأدب و العلوم،لكنها كانت تفصل الروايات،خصوصا روايات هيلين كيلر و ليو تولستوي.نعم انها إنتقائية و شديدة الحرص على الاختيار بدقة.فإنني اعتقد انها تقضي 10 ساعات في اختيار السوار،،و 10ساعات في إختيار القلادة و هلم جرا.

إقتربتُ منها و سئلتها-فإتبهت كأنني أيقظتها من نوم عميق-لماذا كل هذه الوحدة،في وسط شقة عتيقة بلا حبيب بلا زوج بلا أطفال؟و كنتُ لأول مرة أتطرق لهذا الموضوع،فهذه السيدة لا تحب النقاش في هذه الامور بشكل مستمر،لكنني تجرأتُ و قلتُ لها كل هذا.

صدت وجهها ناحية الشباك،و وضعت السيكارة في الطبلة،و أبعدت الكتاب نحو أريكتها.فصمتت لدقائق،و قالت : يا صديقي إن الحب ما هو إلا لحظات من الود و التعاطف و الانسجام و الإحترام و التفاهم،و بهذا نحن جميعنا محبون،جميعنا عاشقون،جميعانل هائمون.و لكن الزواج،قصة أخرى من قصص الحب،و لكنها لا تمثل الحب وحده،فالزواج هو المشاركة في الحياة؛ مآسيها و أحزانها،أفراحها و جمالها،ضوئها و عتمتها.و هو أشمل من الحب،و أعم،إنه قص طويلة من كل المشاعر،كل الاحاسيس،كل النتائج.أما الأطفال فهم نتاج الحب و الزواج،إنهم ارواحنا الباقية،جيناتنا الصالحة.كل هذه الأمور صالحة و لطيفة يا عزيزي،و لكن أنا أفضل الحب وحده،بلا زوج و بلا أطفال،و ليكن بعلمك انني محاطة بالأحباب،و العشاق،و لذا تجدني لا أحتاج الى واحد منهم.إنهم حولي في كل مكان،يجوبون الفراغ و الكون،أول الأحبة؛ عقلي و هو الأمل العظيم في قيامة صالحة من اجل الخير و الصلاح،ثانيهم كتابي،و هو الحبيب الرائع،و الأنيس الشاسع،و المنيّر القانع،و ثالث الأحبة أوراقي جمال عالمي و أيامي،و رابع الأحبة قلمي سيفي و لساني،و خامس الأحبة يدي القبطان اللطيف،و القيادي الشجاع.هل ترى هؤلاء الأحبة،إنهم قصص بلا نهاية،و روايات بلا بداية،انهم علمي و إدراكي،اصدقائي و أولادي.

أما شُقَّتي العتيقة فهي الحبيب السادس،فهي كوني و مساحتي،هي أناي و مملكتي.لا أعرف كيف يمكن تخيل الأمر بدون هذه الشقة،كيف يمكنني ان احيا بدون هذه الشقة،لقد ولدتُ،و سأموتُ هنا،و لن أفارق المكان،حتى تخرج هذه الروح حيث لا نعرف اين يمكن ان تذهب،فلأقل حيث المجهول العظيم.و هذه الشقة بكراسيها،و شبابيكها،بأرائكها و مفروشاتها،هي المرافق الروحي لي،هي متعتي في الحديث و الكتابة،فنحن نتناقش معا في الحياة،بين ماضيها و حاضرها،بين فتحها و حزنها،بين غبطتها و مآسيها.فلا حاجة لي لأصدقاء،و لا أحبة و لا زوج،فأن عالمي يضج بهم،صحيح أنك لا ترى اي شيء،و لكن حالما تمر بمر الحياة،و سهامها ستعرف معنى ان تبقى وحيدا مع أشيائك الخاصة،ستعرف معنى ان تكلم أريكة،و كرسي.و ستعرف ايضا،كيف يمكنك ان تكون انت.و لكن حين لا تمر بصعوبة الحياة و محطاتها،ستحتاج الآخرين،و لن تجد نفسك أبداََ.لان لا احد يجدُ نفسه وسط الفوضى،و لا أحد يجدها مع الآخرين مهما كانوا صادقين.وحدهم الذين تعذبوا في الحياة سيعرفون أنفسهم،و و حدهم من ادركوا المعنى سيفهمون الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر