الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنبؤات رجُلٍ بغيض

امين يونس

2020 / 7 / 7
كتابات ساخرة


كُنّا جالسين أنا وبضعةُ أفراد مع وَجهٍ من وجوه المدينة وأحد أثرياءها و شخصياتها المعروفة ، على كراسيٍ مصفوفةٍ على الرصيف المُقابل لمحلاتهِ التجارية .. فإقترَبَ رجلٌ كبير في السن بملابسهِ الرّثة ووقفَ ماداً يدهُ المفتوحة بإتجاهنا . فبادرتُ وشخصٌ آخَر ، بتقديم بعض النقود له ، لكن الشخصية المهمة صاحب المحلات والأطيان ، إعترَضَ بِشّدة قائلاً : ماذا تفعلون ؟ لا تعطوهُ شيئاً . قلنا لهُ مستغربين : لماذا ؟ قالَ ضاحِكاً : هل تُؤمِنون بالله ؟ قلنا : أجل . قال : إذن .. كيف تتحَدونَ إرادته ؟ الله هو الذي جعلَ هذا المسكين فقيراً وشحاذاً ، وأنتُم بإعطاءكُم النقود لهُ ، فكأنكُم تعترضون على حكمتهِ ! .. وقهقَهَ فضحكَ معهُ معظم الجالسين مُثنينَ على خِفة دمه وحلاوة حديثهِ ! . في الأثناء إنسحبَ الرجل العجوز بهدوء مُنكسِر الخاطِر .
حدثَ هذا قبلَ عقود .. والذي آلَمني حينها ، ليسَ كلام الرجل الغَني … فعلى أية حال ، هو صريحٌ وواضِح ولا يخفي إمتعاضهُ من الفقراء والمستضعفين ، لكن أغلبية الذين كانوا متواجدين حوله ، رغم ألقابهم وشهاداتهم ومراكزهم الإجتماعية ، كانوا يُبدون تأييدهم لهُ ويتملقونه ويضحكونَ ملأ أشداقهم على " نكاته " وبذاءاته التي يُسّمونها خِفَة دَم ! .
وعندما إعترضتُ وقُلتُ له : كُنتَ قاسياً على الرجل المسكين ، فربما هو إنسانٌ مُحتَرم أجْبَرَتْهُ الظروف الصعبة على طلب المُساعدة . أجابَ فوراً ساخِراً : إبْقَ على هذه العقلية ودافع عن هؤلاء السَفَلة ، وأبّشِرك بأنك أيضاً سوف تشحذ بعد سنوات ! .. وإنفجَرَ ضاحِكاً ، فتعالتْ ضحكات الحاضرين إستحساناً ، فحتى الذين لايوافقون على كلامه في أعماقهم ، ضحكوا إنسياقاً وراء الرأي العام وسباحةً مع التيار ! .
بعد كُل هذهِ السنوات … مازُلتُ كما في السابِق ، لا أحترم ذاك الرجُل البغيض وأعتبرهُ وصولياً طُفيلياً . لكن المُشكلة ، أنهُ كَبرَ أكثر وتجّبَرَ وفَرَضَ سلوكياته على المُجتمع ونَشَرَ قِيَمه المتدنية ، تدريجياً … وإزدادَ عدد ماسحي الأجواخ حوله وإرتفعَ عدد المطبلين لهُ . هو يعتقد ، أنهُ " الصَح " بالتأكيد ، والدليل تمدده وسطوته ونفوذه .
والمُضحِك المُبكي .. أنني رغم مَتانة الأُسُس التي أعتمدُ عليها ، في قناعاتي ومواقفي ، عموماً … راودني الشَكُ قبل أيام : هل من المعقول أن يكون تنبُأ الرجل البغيض ، قبل ستة وعشرين سنة ، صحيحاً ، حين قال لي : إبْقَ على هذهِ العقلية .. وأبشركَ بأنك سوف تشحذ بعد سنوات !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم


.. أون سيت - من نجوم شهر مايو الزعيم عادل إمام.. ومن أبرز أفلام




.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف


.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة




.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط