الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطة الأمنية في الميزان

باسم السعيدي

2006 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


نوايا رئيس الوزراء المالكي أكبر من قدراته ، واحسن مما نفوس شركائه ، وأضعف من أن تصمد في وجه أعدائه .
أحداث يوم الجمعة التي حصلت في منطقة شارع حيفا تعد نقطة سوداء في ميزان سيئات الخطة الأمنية الجديدة ، وربما هنالك عدم وضوح في نظرية الخطة ينعكس سلباً على تطبيقات الخطة الأمنية .
إن فرض الأمر االواقع على حملة السلاح (بكل أشكالهم) من خلال الأجهزة الأمنية لا يعدو كونه إقتراباً من أحلام العصافير .. وهو الى الترف (الحلمي) أقرب فالأجهزة الأمنية من الضعف بحيث أنها لا تمتلك زمام المبادرة عسكرياً من دون الإعتماد على القوات متعددة الجنسيات ، وإشراك هذه القوات في عمليات عسكرية في هذا التوقيت تحديداً يمكن إعتباره كارثة سياسية تحاول وأد خطة المصالحة لرئيس الوزراء .
وعليه يمكن "فهم" الخطة الأمنية للحكومة في هذا الوقت بناءاً على أسس موضوعية مفادها ما يلي :-
1- سيل الاتهامات السابقة بطائفية الأجهزة الأمنية كرَّس لدى (السنة على الأقل) فكرة عدم تمثيل الحكومة لقطاع واسع من أبناء الشعب العراقي بل يرى بعضهم في القوات الحكومية (عدواً) يجب محاربته .
2- إن العملية السياسية التي سبقت الانتخابات الأخيرة كانت تفتقر (أو متهمة على الأقل في أنها ) تفتقر الى تمثيل حقيقي للطائفة السنية ، ويترتب على ذلك عدم إقتناع هذا المكون بأن هذه الحكومة ترعى مصالحهم .
3- تكرست حالة مناطق النفوذ أو (فيدرالية الأحياء) كما سمّاها الكاتب العراقي هشام الشمري ، وباتت كل قوة أو ميليشيا ترى في منطقة نفوذها منطقة محرّمة على من سواها ، وأصبحت لها اليد الطولى في تنفيذ (قوانينها الخاصة) سواء أنزل الله بها سلطاناً أم لم ينزل وفي كل الأحوال لم يستشر أحد الشعب العراقي في تلك الـ (قوانين) .
4- ما أعقب تفجير مراقد أئمة سامراء من أحداث عنف ساق غالبية هذه القوى أو الميليشيات الى أعمال العنف الطائفي وأعمال العنف الطائفي المضاد .. حتى باتت مسألة وجود عنصر من الطائفة المغايرة في منطقة نفوذ الطائفة الأخرى (غالباً) مبرراً للقتل (إلا ما رحم ربي) .
5- غالباً ما تكون هذه المجاميع المسلّحة غير خاضعة لمرجعية سياسية تمتلك القول الفصل في أداء هذه المجاميع وعليه فهي تمتلك أجنداتها الخاصة بعيداً عن المحافل السياسية وبعضها ممن لا يعترف أساساً بالعملية السياسية .. أو يقرُّ بها على إستحياء.

من خلال تلك النقاط نفهم أن الأجهزة الأمنية عليها أن تعيد بناء جسور الثقة الشعبية فيها ، وتعيد صورة (تمثيل الدولة للمواطن) مهما كان إنتماؤه العرقي أو الطائفي ، وعليها أن تشرع في ترميم صورة حماية الدولة للمواطن التي تآكلت بسبب سوء الأداء في المراحل الماضية .
ولا يعني هذا بحال من الأحوال أن على الدولة وأجهزتها الأمنية أن تتخلى عن ملاحقة من يريد السوء بأبناء الشعب العراقي فهذا هو واجب الدولة الرئيس وعليه وضعت في الأساس نظرية قيام الدولة.
إذا ما هو دور الجيش والشرطة في المرحلة الراهنة لغرض عدم إستفزاز أي من المجاميع المسلَّحة ؟ وفي هذه الخطة الأمنية تحديداً ؟
للجواب عن هذا التساؤل علينا أن نفهم حجم المشكلة العراقية الكبرى (بغض النظر عن بقية المشاكل الفرعية ) !!
تكمن المشكلة العراقية في (الإنقسام الوطني والإجتماعي العراقي) وتتشعب هذه المشكلة الى مسألة العنف الطائفي ومخاطر الحرب الأهلية التي تعتبر أمراً وارداً في ظل ضعف مؤسسات الدولة كما نراها .
يجب أن يكون الحل لهذه المشكلة الكبرى متعلقاً بإعادة اللحمة الوطنية وتعتمد هذه الخطة على أمرين :- الأول هو الحوار – والثاني هو فك الإشتباك .
إعتمد السيد المالكي مشروعه للمصالحة الوطنية كخطة لبدء الحوار ، وعلى ما يبدو فإنه تمكن من تحقيق إجماع سياسي على أصل المشروع وإن كان قد أخفق في تحقيق الإجماع ذاته على بعض البنود المتعلقة بالحوار مع فصائل مسلّحة معروفة بإنتمائها للنظام السابق ، وفي جميع الأحوال فإن المالكي سيحصل على دعم قوي لمشروعه داخل البرلمان وسيكتفي بالتفويض الشعبي لأداء دوره الوطني ولو على حساب بعض فرقائه السياسيين ومنهم حلفاء له داخل الإئتلاف .. على أن مشروع المصالحة لايمكن أن يكتب له النجاح ما لم تتحصل مؤازرة القوى (ذات الميليشيات ) داخل الإئتلاف .
مشروعه التحاوري يبتني على إنضاج (رؤية سياسية موحدة) لكل العراقيين على إختلاف مشاربهم السياسية وهذه الرؤية ستمثل الثابت الوطني الذي تجتمع تحت خيمته كل الفصائل السياسية والمسلّحة .

الشق الثاني لمشروع إعادة اللحمة الوطنية للمجتمع العراقي هي كما ذكرنا – فك الإشتباك – فالتوغل للقوى الحكومية في مناطق النفوذ في هذه المرحلة من الخطورة بمكان إذ سينكأ بعض الجروح وسيستغلّه أعداء العراق كذريعة للتحصن الطائفي مرّة أخرى بتأولات (طائفية) هي أبعد عن الحقيقة بقصد أو بغير قصد وربما ستكون تلك الخطوة ( القشة التي قد تقصم ظهر البعير ) إذاً .. على القوات المسلَّحة في هذه المرحلة من الخطة الأمنية أن تمثل (قوات فك إشتباك) بمعنى أن تسمح لحملة السلاح بأخذ دورهم كاملاً (كما يريدون) داخل مناطق نفوذهم وأداء فعالياتهم الاستعراضية أو التظاهراتية أو غيرها من الفعاليات ولكن عليها أن تحترم القوات التي تأخذ دور (قوات فصل) بين مناطق النفوذ هذه – بشرط – عدم الخروج من مناطق النفوذ هذه .
ومن يثير نقطة تطبيق القانون في هذه المرحلة أن يتذكر إن العراق على شفا هاوية الحرب الأهلية ، وإنقاذ العراق الآن أهم من إنقاذ (هيبة الدولة ) التي ضاعت بين هذه وتلك .
العراق والسلم الأهلي الآن أهم كثيراً من تطبيق القانون الذي لم نشهد له تطبيقاً حتى في أعتى قوة لنظام صدام حسين .. أو في زمن داخلية (الميليشيات) المنصرفة .
ما الفائدة من خطوة كهذه ؟
الجواب يكمن في حقيقة " فهم " الشعب العراقي على تنوعه لحقيقة – حيادية أجهزة الدولة - في حال نشوب حرب أهلية .. أي أن لا يشعر الشيعي بأن الداخلية ستؤازره على السني في حربه المفترضة ، ولا يشعر السني بأن الدفاع ستؤازره على الشيعي في حربه المفترضة !!!!!
عندذاك ستكون الدولة وأجهزتها هي المثابة التي تعود اليها القوى الوطنية البعيدة عن الحرب الطائفية وسيكون التأييد لها أقوى ويقوى مع الأيام .
وفي الوقت عينه فإن كل فرقاء السلاح من المحتربين – إذا صحَّ التعبير – سيرى في الدولة ( وسيطاً أميناً ) في توفير الغطاء الوطني في حال نزع السلاح ... فتصبح الطريق الى نزع السلاح مع الثقة بالدولة وحياديتها ممكنة .
ما جرى من أحداث في يوم الجمعة كان (بحسب تصوري) النقطة السوداء الأولى في جبين الخطة الأمنية .. لأنه سمح بشكل من الأشكال لميليشيا بالخروج من منطقة نفوذها بكامل تسليحها (الخفيف) والمرور ضمن منطقة توتر أخرى ذات نفوذ آخر .. ولم تفعل شيئاً الا بعد أن حدثت الاشتباكات .
وأرى أن يتم إيصال هذه الأفكار الى المجاميع المسلَّحة – من خلال قنواتها المتواصلة مع الحكومة ورئيس الجمهورية تحديداً- لتطمينها من أن الدولة لن تقوم بإعانة جهة على أخرى مهما كان الثمن .
إن هذا الخرق لإتفاق (غير معلن) في السماح بتجاوز مناطق النفوذ يعد إشكالاً خطيراً سيؤزم الثقة بالحكومة أكثر فأكثر ، مما يعيق مشروع المصالحة وإعادة اللحمة الوطنية .
ختاماً – كلُّنا بإنتظار نجاح مشروع رئيس الوزراء نوري المالكي ونشد على يديه لأنه كان الأكثر جرأة وصراحة في إعادة ترتيب الأولويات لبناء العراق الجديد .. وليس الإنصياع الى (مراد) الطالبين بالثأر والثأر المضاد وإدخال البلاد في أتون المحرقة التي لن يخرج منها عراقي منتصراً .. والثمن هو دوما – دماء الأبرياء - .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل