الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن تدخلوها (قراءة في الحرب على طرابلس)

محمد بن زكري

2020 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


في الأعماق السحيقة للنفس البشرية ، تكمن خبراتٌ تراكمت لمئات الأجيال و عشرات القرون . و في اللاوعي الجمعي ، و في الذاكرة الجمعية للشعوب ؛ تسكن منظومة بيانات و معطيات (داتا) ، بالغة التعقيد ، هائلة الحجم من المشاعر و الأحاسيس و الدوافع المكبوتة و المعارف و المعلومات . و هي حصيلة خبرات تاريخية ، و مشاعر نفسية ، يختزنها العقل اللاواعي (العقل الباطن) ، و تظل في حالة كمون مطوية في الدهاليز المظلمة لنفس الإنسان ، لا تظهر للعيان في سلوكه اليومي و لا في علاقاته العامة ، لكنها تظل فاعلة فينا داخليا ، بهدوء و دون أن نعي فعلها البطيء بنا .
غير أنها في حالات التهديد الوجودي للكيان ، و التعرض لاحتمالات الخطر الخارجي على الجماعة (القوم / الأمة) ، لا تلبث أن تستيقظ من سباتها التاريخي العميق ، فنجد أنفسنا - تلقائيا و دون قصد - في حالة استنفار قصوى ، نصطف كتلة بشرية موحدة في مواجهة التهديد الخارجي (العدو) ، دفاعا عن الذات و حماية للوجود . حيث تتراجع كل التناقضات الداخلية بين عناصر المجموعة ، و يلتقي الجميع على كلمة واحدة و موقف موحد ، لدفع خطر المعتدي (الغريب) الذي يهدد الهوية الأصلية الجامعة لمكونات الأمة . و ذلك هو المضمون و المغزى ، الذين عبرت عنهما أحداث العدوان الذي قاده خليفة حفتر على طرابلس ، على رأس القوات المسلحة (العربية) / الليبية ، من جهة ؛ و من الجهة المقابلة ، تلك المقاومة (الشعبية) المستميتة في الدفاع عن مدينة طرابلس ، مدعومة بالجيش (الليبي) ، التي تصدت لقوات الغزو (العدو) و صدتها عن احتلال عاصمة الدولة الليبية بقوة السلاح ، بما تمثله طرابلس العاصمة من رمزية تاريخية ، بدلالة معنى الكيان .
و تلك هي الدلالة العميقة - في تقديري - لتوحد الغرب الليبي (رغم كل تناقضاته الداخلية الكثيرة) ، في مواجهة الحرب التي أعلنها الضابط المتقاعد خليفة حفتر - أميركي الجنسية - للاستيلاء على طرابلس و إخضاعها بقوة السلاح ، تحت اسم عملية " الفتح المبين " ، بجيش يتكون في غالبيته من قبائل شرق ليبيا ، التي يغلب عليها الطابع البدوي و العصبية القبلية ، و هي خليط من العناصر السكانية (متعددة الأصول العِرقية و الإثنية) ، لكنها تأبى إلا أن تصنف نفسها عِرقيّاً ، و على سبيل التفاخر القبلي و الاستعلاء العنصري ، بأنها (قبائل شريفة !) ، كامتداد لقبائل أعراب بني هلال و بني سليم ؛ فكان - من ثَم - تصدي أبناء الغرب الليبي لغزوة (الفتح المبين) ، و صمودهم المستميت لمدة أربعة عشر شهرا في الدفاع عن مدينة طرابلس ، أمام ميليشيات قبائل شرق ليبيا و حلفائها المحليين و الإقليميين و الدوليين (جيش حفتر) ؛ استجابة عفوية تحركها إرادة التحدي و المقاومة الوطنية ، حفاظا على الذات في مواجهة الآخر (الغازي) ، بما ترسب في الذاكرة التاريخية الطرابلسية من فظائع و أهوال الزحف الهمجي التدميري لتلك القبائل البدوية على طرابلس (النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي و ما يليه) ؛ عدوانا على البلاد ، و سفكا للدماء ، و نهبا للأرزاق ، و تخريبا للعمران ، و إشعالا لنيران الفتن - قارن مع عدوان جيش حفتر 2019/2020 (*) - مما وصلت إلينا صورة قاتمة عنه في كتب الإخباريين و أشباه المؤرخين ، ممن عاشوا قبل القرن السادس عشر الميلادي ، (مع التحفظ ضد لا تاريخية و لا علمية كثير من نقولاتهم ، و استبعاد الجوانب الخرافية من رواياتهم).
و حتى تتضح الصورة المعتم عليها ، للعامل التاريخي الفاعل في الأغوار العميقة للذات الليبية ، و ذي التأثير السيكولوجي المتأصل و غير المنظور في تكوين الذاكرة الجمعية لأبناء (الأمة الليبية) ، تجاه الزحف المسلح القادم من الشرق ، تحت شعارات " الفتح المبين " لاحتلال طرابلس ؛ ما حرك الترسبات الكامنة في أعماق الذاكرة الجمعية لأبناء الغرب الليبي عموما (و أغلبهم هوّارا) في طرابلس الكبرى خصوصا ، بما لطرابلس من دلالة رمزية تاريخية ، فتداعوا تلقائيا - فجأة و بلا تدبير مسبق - للوقوف صفا قتاليا واحدا و سدا بشريا قويا ، في مواجهة عدوان القوات المسلحة (العربية) للقبائل (الشريفة !) ، الزاحفة من (إقليم) برقة ، لاحتلال طرابلس ؛ استدعاءً - من ذاكرة التاريخ - إلى الذاكرة الطرابلسية الحية ، لتلك الأحداث الأليمة التي يخبرنا عنها تاريخ زحف قبائل بني سليم و بني هلال ، من مصر إلى بلاد شمال أفريقيا ؛ فلا بد من إعطاء لمحة مما عُرف تاريخيا عن همجية تلك القبائل البدوية و مجافاتها للتحضر ، ثم ما أوقعته من تخريب و دمار في زحفها العدواني على ليبيا و تونس (أفريقيا) .
***
فقبل زحف أعراب بني سليم و بني هلال إلى بلاد شمال أفريقيا ، بدفع و تحريض من الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ، كما سيأتي ذكره لاحقا ، " كانوا يطوفون في رحلة الشتاء و الصيف أطراف العراق و الشام ، فيغيرون على الضواحي ، و يفسدون السابلة . و ربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة و أيام الزيارة بالمدينة " (1) ، ذلك أنه جريا على ما نشأ عليه أبناء تلك القبائل البدوية العربية و تطبعوا به من العيش على الإغارة و قطع الطريق ، " كان بنو سليم لعهد الخلافة العباسية شوكة بغي و فتنة .. و كانوا يغيرون على المدينة (بغداد) و تخرج الكتائب من بغداد إليهم و توقع بهم و هم منتبذون بالقفر " (2)
و عندما ظهرت الحركة القرمطية )منتصف القرن الثالث الهجري / منتصف القرن التاسع الميلادي) في جنوب العراق ، كانتفاضة ثورية مسلحة للمستضعَفين الفقراء ، اتخذت لها في التحشيد للثورة طابعا دينيا ، ضد اضطهاد دولة الخلافة العباسية و مظالم النظام الإقطاعي ، و أقامت دولتها في البحرين على أساس نظام (الألفة) ؛ فإنه وفقا للباحث سعود عبد الرحمن السبعاني : " قد انضم إلى القرامطة في شرق شبه الجزيرة العربية قبيلتا بني هلال و بني سليم ، و لم يكن لانضمام هؤلاء البدو إلى حركة كهذه أثر يذكر في عقائدهم ، اللهم إلا ما ظهروا به من رغبة في الشغب و خضوع لإرادة غير موجهة . و كان منهم جماعة تنتشر في طريق الحج المؤدي إلى مكة لقطع الطريق و الإغارة " (3) . و يزيد على ذلك الباحث محمود إسماعيل فيقول : " استقطبت الدعوة القرمطية سائر العناصر المقهورة في سواد العراق ، من الأنباط و الأكراد و جُفاة الفرس ، فضلا عن جُفاة العرب ، يضاف إليهم طائفة من الزنج و عنصر الزط من فقراء الهنود " ، و يضيف للتوضيح : " و المقصود بجُفاة العرب القبائل العربية التي عادت إلى حياتها البدوية الأولى ، بعد تسريحهم من الجيش العباسي ، و إسقاطهم من ديوان العطاء في خلافة المعتصم (4) .
فمع ترسخ قوة الدولة القرمطية في البحرين ، انضم إليها بدو شبه الجزيرة العربية ، من القبائل المستضعفة ، التي أهملتها دولة الخلافة العباسية ، على العكس تماما مما كان عليه الأمر في الخلافة الأموية . فكان التحاق بدو بني هلال و بني سليم و سواهم - من جُفاة العرب - بالدولة القرمطية في البحرين ، حيث إن بني سليم و الكثير من ربيعة ، حسب قول ابن خلدون : " تحيزوا إلى القرامطة عند ظهورهم ، و صاروا جندا بالبحرين و عُمان " (5) ، و ذلك بدافع المنفعة و الارتزاق و ليس بدافع القناعة الايديولوجية ، و هو ما أشار إليه سعود السبعاني بقوله : " و لم يكن لانضمام هؤلاء البدو إلى حركة كهذه أثر يذكر في عقائدهم ، اللهم إلا ما ظهروا به من رغبة في الشغب و خضوع لإرادة غير موجهة " ، حيث إنه خلافا للشائع بين العامة ، لم يكن بدو بني هلال و بني سليم قرامطةً من الناحية الفكرية (الأيديولوجية) ، فالبدو لا يفقهون أصلا في أصول الحكم و لا في الأيديولوجيا و لا في الفكر ، بل كانوا مجرد مرتزقة أجراء في جيش دولة القرامطة بالبحرين ، حتى لقد صاروا هم عماد جيش القرامطة الذي استخدموه في غزو أنحاء شبه جزيرة العرب ، و استباحوا مكة و دمروا كعبتها ، فيقول محمود شاكر في ذلك : " و في سنة 318 هـ 930 م أغاروا على الحجاز ثانية ، و دخلوا الحرم المكي ، و قتلوا العديد من الناس الذين تعلقوا بأستار الكعبة و ردموا بئر زمزم ثم حملوا معهم اُثناء انسحابهم الحجر الأسود إلى الاحساء " (6) . و من ثم غلب بنو سليم على البحرين لفترة من الزمن بُعيْد زوال دولة القرامطة ، كما سيلي ذكره .
و لما قضى العزيز بالله الفاطمي ، على انشقاق الحركة القرمطية بالشام (978 م) ، عاد معه بقبائل سليم و هلال إلى مصر ، لاستخدامهم في الحرب عند الحاجة ، ضمن خطته لاستحداث فرق حربية جديدة ، من غير مكونات الجيش الفاطمي الذي ورثه عن أبيه المعز لدين الله ، و الذي كان أغلبه من القبائل الأمازيغية (البربرية) كتاما و هوارا ، التي اعتمد عليها قائده جوهر الصقلي في حملته للاستيلاء على مصر ، فأسكنهم (بنو سليم و هلال) العزيز في الصعيد و بالصحراء شرق النيل ، على ألا يتجاوزا المكان غربا . و كان القرامطة قبل نقل أتباعهم أعراب بني سليم و بني هلال إلى مصر ، كما يخبر عنهم ابن خلدون " قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم و غلبهم عليها و ردهم على أعقابهم إلى قراهم بالبحرين ، و نقل أشياعهم من العرب من بني هلال و سليم فأنزلهم بالصعيد و في العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك ، و كان لهم أضرار بالبلاد " (7) .
على أن ابن خلدون يورد رواية أخرى عن كيفية انتقال أعراب بني سليم و هلال من البحرين إلى مصر ، مؤداها أن بني الأصفر الموالين للبُوَهيين ، هم من أجبروا بني سليم على الخروج مطرودين من البحرين ، فيقول : " ثم لما انقرض أمر القرامطة ، غلب بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة لمّا أن القرامطة كانوا على دعوتهم . ثم غلب بنو الأصفر بن ثغلب على البحرين بدعوة العباسية أيام بني بوَيه ، و طردوا عنها بني سليم ، فلحقوا بصعيد مصر ، و أجازهم المستنصر على يد وزيره اليازوري إلى أفريقيا لحرب المعز بن باديس .. فأجازوا مع الهلاليين " (8) ، و يؤكد هذه الرواية سعود السبعاني فيقول : " و حدث أن تغلّب بنو الأصفر على البحرين في سنة 378 هـ ، و طردوا منها بني سليم الذين كانوا أعوانا للقرامطة حينئذ " (9) .
***
كان لابد من هذه الوقفة عند علاقة قبائل بني هلال و بني سليم مع دولة القرامطة بسواد العراق و البحرين ، و من ثم انتقالهم من البحرين إلى مصر أيام العزيز بالله الفاطمي بعد انتصاره الساحق على القرامطة ، حيث رأى الفاطميون في أولائك الأعراب قوة متمرسة بالحرب يمكن استخدامها عند الحاجة ، فيقول سعود السبعاني : " و رأى الفاطميون أن يستعينوا بهؤلاء الأعراب الأشداء ، فشجعوهم على الهجرة إلى مصر " (10) ، حيث ظلوا هناك بالصعيد شرق وادي النيل ، غير مسموح لهم بتجاوزه غربا ، إلى أن أجازهم المستنصر بالله الفاطمي سنة 442 هـ / حوالي 1050م .
و من هنا تبدأ أحداث الخراب الكبير الذي حل بالبلاد الأفريقية ، على نحو ما انتهت إلينا صورته الكارثية حالكة السواد في الكتب التي أرخت لتلك الفترة ، جراء زحف أعراب بني سليم و بني هلال ؛ ذلك أن المستنصر بالله الفاطمي ، أغرى أولائك الأعراب بخيرات أفريقيا (ليبيا و تونس) و شجعهم على الزحف إليها لمحاربة المعز بن باديس ، ليخدم بذلك غرضين اثنين في وقت واحد ، أولهما هو التخلص من شرورهم التي أشار إليها ابن خلدون بقوله : وقد عم ضررهم و أحرق البلاد و الدولة شررهم (11) .. و كانوا قد شغبوا و أثاروا القلاقل في هذه المنطقة ، فأذن لهم في عام 442 بالعبور إلى الجانب الغربي من النيل و الانتقال إلى بلاد المغرب ، لملاقاة المعز بن باديس (12) . أما ثاني الغرضين و أهمهما فهو الانتقام من المعز بن باديس الصنهاجي ، الذي خلع طاعة الفاطميين و نبذ مذهبهم (الشيعي) و انضم إلى جانب الخلافة العباسية في بغداد ، بعد أن كان آباؤه خلفاء لهم (للفاطميين) في أفريقيا ، يجبون لهم أموالها و يخطبون لهم على منابرها ، فأراد المستنصر الانتقام منه بتلك الأيدي التي عرفت بممارسة الحروب ، بعد أن عجز عن الانتقام منه بنفسه (13) . إذ أنه لما كانت الدولة الفاطمية تمر بفترة حرجة من تاريخها ... فإنه لم يبق بمقدورها أن تُعد جيشا نظاميا توجهه إلى محاربة المعز و إخضاع أفريقيا لنفوذ الدولة الفاطمية (14) ، فانتدبت للمهمة أعراب بني هلال و بني سليم ، عملا بنصيحة الوزير اليازوري للخليفة المستنصر ، بتوْلية مشائخ هؤلاء الأعراب أعمال أفريقيا ، بأنّ : " أمر العرب البادية أسهل من صنهاجة الملوك ... فكانت الدولة (الفاطمية) في تشجيعها تلك القبائل على المضي غربا ، تحقق غرضين معا : تتخلص من هؤلاء الأعراب الذين يعيثون فسادا في شرق النيل ، و تضرب بهم دولة الصنهاجيين " (15) . و هكذا كان ما يسمى في القص الشعبي بتغريبة بني هلال (نسبة إلى أكبر تلك القبائل) ، أواخر القرن الحادي عشر و أوائل القرن الثاني عشر الميلادي . و اصطدامهم بسكان البلاد الأصليين من الأمازيغ في ليبيا و تونس . لتُضخِّم الحكايات الشعبية حجم تينك القبيلتين البدويتين ، فتصنع خرافة التغيير الديموغرافي لتركيبة الشمال الأفريقي السكانية ، التي أثبتت نتائج فحوصات الحمض النووي زيفها التام و بطلانها علميا (حيث أظهرت نتائج مشروع جينوغرافيك ، أن نسبة 88% من الشعب التونسي ، هم أمازيغ و ليسوا عربا ، و أن نسبة العرب هي فقط 4% من التوانسة الحاليين) .
ففي عام 442 هـ 1050 م بدأت (تغريبة) أعراب بني هلال و بني سليم ، بالانطلاق من مَعزلهم الإجباري شرق وادي النيل ، متوجهين غربا ، بقصد غزو أفريقيا (ليبيا و تونس) ، بتشجيع و دعم من حاكم مصر آنذاك - قارِنْ مع حاكم مصري الحالي عبد الفتاح السيسي - و هو الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ، الذي سمح لهم بإجازة (عبور) النيل ، و قال لهم : " قد أعطيتكم المغرب و مُلك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق ، فلا تفتقرون .. فطمعت العرب إذ ذاك ، و أجازوا النيل إلى برقة " (16) .
و بتحرك تلك القبائل مغرّبة إلى بلاد (أفريقيا / المغرب) ، شرعت في ارتكاب ما اعتادته وتطبعت عليه من شرور العدوان الهمجي و الغدر بالآمنين و القتل و الاستباحة و تخريب العمران و نهب كل ما تصل إليه أيديها (مما يسمى الآن : جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية) ؛ " فنزلت برقة و افتتحت أمصارها ، و استباحتها ، و خربت المدينة الحمراء (المرج) و أجدابيا و سرت ... و سارت بطون هلال إلى أفريقيا (طرابلس و تونس) ، كالجراد المنتشر ، لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه " (17) . و ينقل إلينا ابن خلدون صورة مرعبة للخراب الذي ألحقه عربان بني هلال و بني سليم بالبلاد الليبية ، فيقول : " و كانت بها الأمصار المستبحرة ، مثل لبدة و زويلة و برقة و أمثالها ، فعادت يبابا و مفاوز كأن لم تكن " (18) .
و بالفعل تحقق من الدمار الشامل بأنحاء البلاد الليبية و التونسية (أفريقيا) ، على أيدي أعراب بني سليم و بني هلال ، ما كان الفاطميون - حكام مصر - قد توقعوه و خططوا لوقوعه ، من وراء تحريضهم لتلك " العرب البادية " على غزو بلاد المغرب - ليبيا و تونس تحديدا - و ذلك كي ينتقموا بها من " صنهاجة الملوك " بالدرجة الأولي من الأهمية ، و بالدرجة الثانية كي " يرتفع عدوانهم من ساحة الخلافة " ، حسب قراءة ابن خلدون لأحداث تلك الفترة التاريخية ، و هو الذي نقل إلينا بعضا من ملامح صورة ذلك الدمار الشامل ، حيث يذكر أن العرب : نزلوا برقة فاستباحوها و خربوا المدينة الحمراء (المرج) و أجدابيا و أسمرا (لعلها بلدة الزويتينة حاليا) و سرت . فعاثوا في البلاد و أظهروا الفساد في الأرض و نادوا بشعار الخليفة المستنصر (مذهب الشيعة الإسماعيلية) . و يضيف فيقول ما نصه مفرّقا : وجاء العرب و دخلوا البلد و استباحوه ، و اكتسحوا المكاسب ، و خربوا المباني ، و عاثوا في محاسنها و طمسوا من الحسن و الرونق معالمها . و هلكت الضواحي و القرى ، بفساد العرب و عبثهم . و عطفوا على المنازل و القرى و الضياع و المدن ، فتركوها قاعا صفصفا ، أقفر من بلاد الجن و أوحش من جوف العير ، و غوّروا المياه ، و احتطبوا الشجر ، و أظهروا في الأرض الفساد . و أضطرب أمر أفريقيا و خرب عمرانها و فسدت سابلتها (19)

أما الإدريسي ، و هو الأقرب زمنيا إلى تاريخ وقوع الأحداث ، و مع استبعادنا الجوانب الانفعالية و الخرافية من سرده ؛ فإنه يمدنا بصورة وصفية أشد كارثية ، عن اجتياح أعراب بني هلال و بني سليم ، و ما أوقعوه بالبلاد الليبية من فظائع الدمار الشامل ، مما وقف عليه و شاهد آثاره عيانا .
فبعد أن يصف ما كانت عليه البلاد من العمران ، يذكر ما آلت إليه بأيدي أعراب بني هلال و سليم من خراب ، فيقول : " وكل المنازل التي ذكرناها في هذا الطريق (بين قابس و طرابلس) خلاء بلقع ، قد أتت العرب على عمارتها ، و طمست آثارها ، و أخربت عمارها ، و أفنت خيراتها ، فليس بها الآن (1154 م) أنيس قاطن ولا حليف ساكن ، و هي مستباحة لقبيلة من العرب تسمى مرداس و رياح " .
ويقف عند مدينة طرابلس ، فيقول إنها " كانت قبل هذا متصلة العمارات من جميع جهاتها ، كثيرة شجر الزيتون و التين ، و بها فواكه جمة و نخل ، إلا أن الأعراب أضرت بها و بما حولها ، و أجْلت أهلها ، و أقفرت بواديها ، و غيرت أحوالها ، و أبادت أشجارها ، و غوّرت مياهها " . (قارن مع وقائع عدوان جيش حفتر على طرابلس)* .
و من طرابلس ينتقل الإدريسي إلى لبدا ، فيقول : " و كانت مدينة لبدة كثيرة العمارات ، مشتملة الخيرات .. فتسلطت العرب عليها و على أرضها ، فغيرت ما كان بها من النعم ، و أجْلت أهلها إلى غيرها ، فلم يبق بها الآن إلا قصران كبيران ، و عمارهما و سكانهما قوم من هوّارا البربر " . و منها إلى جْدابيا - مرورا بسرت التي تحدث عن بقايا نخيل و تين فيها - فيقول : " و أجدابية مدينة .. كان لها سور فيما سلف ، و أما الآن فلم يبق منها إلا قصران في الصحراء ، و ليس بها و لا حولها شيء من النبات ، و أهلها الغالب عليهم يهود و مسلمون تجار ، و يطوف بها من أحياء البربر خَلْق كثير " (20) .
***
و استكمالا لصورة الدمار الشامل الذي أوقعه أعراب بني هلال و بني سليم بزحفهم العدواني على بلاد شمال أفريقيا (ليبيا و تونس تحديدا) ؛ نجد أن الإدريسي يصف ما كانت عليه مدينة القيروان و مدينة زويلة (بتونس) من عمران و ازدهار ، و ما كان عليه أهاليهما من حياة الرخاء و أخلاق التحضر ، ثم كيف تحول كل ذلك إلى أيدي العرب إلى أثر بعد عين ؛ مما نقتبسه هنا بنصه الكامل ، لأهميته الدلالية ، في سياق هذه المقاربة ..
فيصف الإدريسي ما كانت عليه أحوال مدينة زويلة (و كان موقعها بالقرب من المهدية) من ازدهار و رخاء ، أيام آخر أمراء دولة بني زيري (الحسن ابن زيري الصنهاجي) ، ثم ما ألت إليه من دمار بأيدي العرب ، و ذلك بما نصه : " و بمدينة زويلة الأسواق و المباني الحسنة ، و الشوارع الواسعة ، و الأزقة الفسيحة ، و أهلها تجار مياسير نبلاء ، ذوو أذهان ثاقبة و أفهام ذكية ، و جل لباسهم البياض ، و لهم همم في أنفسهم و في ملابسهم ، و فيهم الجمال ، و لهم معرفة زائدة في التجارات ، و طريقتهم حميدة في المعاملات .. وفيها فنادق كثيرة ، و حمامات جمة . و لهذه المدينة من جهة البر خندق كبير ، تستقر به مياه السماء . و بخارجها من جهة غربيها حمى ، كان قبل دخول العرب أرض إفريقية و إفسادهم لها ، فيه جنات و بساتين بسائر الثمار العجيبة و الفواكه الطيبة ، و لم يبق منه الآن بهذا الحمى المذكور شيء " .
و ينتقل بالحديث من زويلة إلى القيروان ، فيقول : " و مدينة القيروان أم أمصار و قاعدة أقطار ، و كانت أعظم مدن الغرب قطرا ، و أكثرها بَشرا ، و أيسرها أموالا ، و أوسعها أحوالا ، و أتقنها بناءً ، و أنفسها همما ، و أربحها تجارة ، و أكثرها جباية ، و أنفقها سلعة ، و أنماها ربحا .. و الغالب على فضلائهم التمسك بالخير ، و الوفاء بالعهد ، و التخلي عن الشبهات ، و اجتناب المحارم ، و التفنن في محاسن العلوم ، و الميل إلى القصد ؛ فسلط الله سبحانه عليها العرب ، و توالت الجوائح عليها حتى لم يبق منها إلا أطلال دارسة و آثار طامسة " (21) .
***
و إن هذه الصورة القاتمة ، المختزَنة في الأعماق السحيقة من الذاكرة الجمعية التاريخانية لأهالي طرابلس (هوّارا) ، عما طال بلدهم - قديما - من دمار شامل ، جراء عدوان أعراب بني هلال و سليم الزاحفين (من الشرق) ، هي العامل الشعوري الخفي ، الذي وحدهم في التصدي للحرب التي أعلنها حفتر من قاعدة الرجمة - يوم 4 أبريل 2019 - على طرابلس ، بتشكيلات مسلحة ، متباينة الأجندات و الأهواء ما بين : قبليّ متعصب ، و موتور راغب بالانتقام ، و جهوي حاقد ؛ أسماها القوات المسلحة (العربية) / الليبية ، زحفت أرتالها (من الشرق) مدججة بالسلاح ، لا يجمع بينها سوى الوعيد باحتلال طرابلس و إخضاعها بالقوة العسكرية الغاشمة ؛ فكانت - من ثم - الاستجابة للتحدي بتوحد أبناء الغرب الليبي في ملحمة التصدي لحرب الجنرال حفتر - الشوفيني العنصري العروبي - على مدينتهم العاصمة طرابلس (بما لها في نفوسهم من رمزية) ، بمثابة تجسيد للارتباط السيكولوجي بين المثير الخفي و الاستجابة الظاهرة ، تعبيرا عن الحقيقة التاريخية و الشعورية و الوجدانية لجموع الشعب الليبي في غرب البلاد (بدالة التركز الكثيف للسكان في غرب ليبيا الحالية ، قياسا إلى شرقها) ؛ ذلك أنّ اصطفاف أغلب أهالي الغرب الليبي كتلة واحدة متراصة ، في مواجهة عدوان ما يسمى القوات المسلحة " العربية " / الليبية ، ما هو إلا استعادة لذكريات التجربة التاريخية ، التي عاشها الليبيون - ذات جائحة حلت ببلادهم - منذ بضعة قرون مضت ، في تصديهم للغزو الخارجي (حملة أعراب بني سليم و بني هلال) الزاحف من الشرق ، دون أن يعي الناس الدافع عميق الجذور الكامن في لاوعيهم الجمعي ، للتمسك بالهوية الليبية الجامعة ، عندما هبوا متوحدين ضد جيش القومجي العروبي حفتر (عصابات البدو القبلية و السلفية التكفيرية و فلول الموتورين أيتام القذافي) ، استدعاءً إلى الذاكرة الجمعية الطرابلسية موقف أسلافهم (هوارا) أواخر القرن الحادي عشر ، للدفاع عن ديارهم ضد عدوان أعراب قبيلتيْ بني هلال و سليم ، بما اختزنته الذاكرة الأهلية من صور الدمار الشامل الذي ألحقه أولائك الأعراب الغزاة بطرابلس .
و مثله مثل غيره من المؤدلَجين عروبيّاً ، ما كان لحفتر أبدا ، أن يدرك بثقافته العامة المحدودة الضحلة و السطحية ، المستقاة من مناهج التعليم الرسمي ، أنه منذ أن أطلق على جيشه اسم : " القوات المسلحة (العربية) / الليبية " ، تأسيسا على قاعدة الانتماء العرقيّ العربي ، مستهينا بردود الفعل العكسية متعددة الأبعاد للأهالي بالغرب الليبي ، و مستهترا - و جاهلا أصلا - بحقيقة التكوين الديموغرافي المتنوع للشعب الليبي (الذي لا يشكل فيه العرب - عِرقيّاً - سوى أقلية نسبية) ؛ فهو قد خسر معركته في طرابلس مسبقا ، أو على الأقل لن يجد القبول الذي كان - بخطأ حساباته - يتوقعه من الطرابلسيين (رغم تبرهم من تسلط الميليشيات و ضيقهم ذرعا بفساد حكومة الكومبرادور و قصورها الذاتي) ؛ ذلك أن سكان طرابلس الكبرى الأصليون - من زنزور إلى تاجورا - يعون وعيا تاما و حادا ، أنهم هوّارا و ليسوا عربا .
غير أن الجنرال حفتر ، الذي لا زال يعيش بعقلية ملازم ستينيات القرن الفائت ، المغسولة دماغه بديماغوجية أيديولوجيا القومية العربية (البعثية / الناصرية) الشوفينية الفجة ، لا يستطيع أبدا أن يستوعب حقيقة أن الطرابلسية يختزنون في ذاكرتهم الجمعية عميقة الجذور ، و عيَ كونهم (هوّارا) و ليسوا أبدا (عربانا) . و هو كغيره من المبرمجة عقولهم عروبيا ، لا يستطيع أن يستوعب ، أنه كما طرابلس ، فكذلك كل من : ورفلا و غريان و ترهونا و زليتن و مسراتا و الخمس (و أقتصر هنا على ذكر التجمعات السكانية الأكبر في الغرب الليبي) ، فضلا عن التجمعات السكانية ألأصغر كبلدات مسلاتا و قماطا و ككلا و المايا و الطويبية و صياد .. و كثير غيرها ، هم هوّارا (ليبيون أصليون) و ليسوا عربانا وافدين .
لقد بدأ الجنرال حفتر حربه لـ " فتح طرابلس " مجاهرا بالعداء للأمازيغ ، معتقدا بثقافته العامة الضحلة و أفقه المعرفي المحدود ، أن الناطقين بما تبقى من اللغة الليبية في جبل نفوسا و زوارا بالغرب الليبي ، هم وحدهم الأمازيغ (الليبيون الأصليون) ، و لم يكن يدري أن أهالي طرابلس هم أصلا و فصلا هوّارا / أمازيغ ! و لذلك فإنه حتى فيما لو ربح حربه على طرابلس و اقتحمها عنوة بقوة السلاح ، فهو لم يكن أبدا ليهنأ بالبقاء فيها ؛ ما لم يتخلّ نهائيا عن خطابه السياسي - الديماغوجي - المؤدلج عروبيا و المستفز للوطنية الليبية ، ليستبدله بخطاب وطني ليبي صرف ، على أن يعتذر (أولا) لأهالي طرابلس خصوصا و أهالي الغرب الليبي عموما ، عن إساءته إليهم و استخفافه بهم . غير أن حفتر بعقليته المبرمجة عنصريا ، و بعنجهية الماريشال أركان حرب ، لم - و لن - يتنازل بالاعتذار للشعب الليبي . لذلك فكما انتفض هوّارا غريان الأحرار ، رافضين الخضوع لميليشيات أعراب حفتر و مرتزقته ، و ردوها مندحرة على أعقابها تجر أذيال الخيبة و الهزيمة ، فلقد كان لابد - عاجلا أم آجلا - أن يكون لهوارا ورفلا و هوارا ترهونا .. و أيضا هوارا سرت ، نفس الموقف الوطني الليبي الذي كان لأهالي غريان ، رفضا لمشروع الجنرال حفتر لحكم ليبيا ، و هو الشخص المطعون في ولائه للوطن الليبي ، و المتنكر ايديولوجيا للهوية الليبية ، و المعادي مصيريا للأمن القومي الليبي (في تصريح مشهور أدلى به لفضائية مصرية ، قال حفتر حرفيا : " أنا مع مصر حتى لو ضد مصلحة ليبيا " ! و في تصريح أخر متلفز قال حفتر إنه مستعد لتوطين 10 ملايين مصري داخل الأرض الليبية !) ؛ ذلك أنّ الأغلبية الساحقة من أهالي الغرب الليبي ، لن يقبلوا أبدا بشخصه و لا بمشروعه و لا بجيشه ، بعد أن اتضحت لهم حقيقته . و إنه حتى لو أتى حفتر بكل قبائل أولاد علي المصاروة من الصحراء الشرقية (ص ش) ، أو استقوى بمرتزقة شركة فاغنر الروس ، أو استعان بالجنجويد السوادين (الزنوج منتحلي النسب العربي) . فستظل طرابلس عصية عليه ، و لن يدخلها فاتحا على ظهر دبابة ، كي يُلقي خطاب النصر في ميدان السراي الحمراء .
--------
(*) هامش : فاتورة أولية لآثار عدوان جيش حفتر على طرابلس بالأرقام ..
مقتل 1600 من المدافعين عن طرابلس . نزوح و تهجير 85 ألف عائلة من بيوتها في أحياء جنوب طرابلس . 360 ألف نازح مسجلون رسميا لدى وزارة الحكم المحلي ، و الرقم قد يصل إلى ما يقارب 500 ألف مهجّر حسب تصريح لوكيل الوزارة . دمار 125 ألف وحدة سكنية ، تصل نسبة الضرر في بعضها إلى 80% . اكتشاف أكثر من 12 مقبرة جماعية في مدينة ترهونا (مركز عمليات جيش حفتر) ، انتشل منها 208 جثت - و الرقم مرشح للارتفاع - بعضها لنساء و أطفال ، و بعض الضحايا دفنوا أحياء و أيديهم مربوطة خلف ظهورهم . مقتل 200 مدني و جرح 300 جراء القصف العشوائي بصواريخ غراد . انفجار 69 لغما ، و مقل 55 مختصا في إزالة الألغام ، و مقتل 47 مدنيا ، و إصابة 80 (و الأرقام مرشحة للارتفاع) ، جراء تفخيخ البيوت بعبوات ناسفة و نشر ألغام ضد الأفراد بالحدائق المنزلية والمزارع ، قبل انسحاب جيش حفتر من أحياء جنوب طرابلس . هذا غير الأضرار اللاحقة بالأملاك العامة و البنية التحتية ، كميناء طرابلس و مطار الملاحة (معيتيقة) و مستشفى الخضراء بطرابلس و عديد مباني المؤسسات التعليمية ، جراء الاستهداف بصواريخ غراد العمياء و تساقط القذائف العشوائية على الأحياء السكنية ، طيلة 14 شهرا و على مدى 24 ساعة يوميا .
----------
المراجع :
1 : ابن خلدون . كتاب العِبَر . الجزء السادس ص 18
2 : إبن خلدون . مرجع سابق ص 94
3 : سعود عبد الرحمن السبعاني (دكتور) . كشف المستور في تاريخ نجد المبتور ص 106.
4 : محمود إسماعيل (دكتور) . الحركات السرية في الإسلام ص 124 ، 125 . . نقلا عن البراقي و ابن الجززي والطبري
5 : إبن خلدون . سابق ص 18
6 : محمود شاكر . تاريخ الخليج العربي الجزء الأول ص 132 ، 133
7 : ابن خلدون . سابق ص 18
8 : ابن خلدون . سابق ص 94 . حماه الله ولد السالم (دكتور) . تاريخ الأمازيغ و الهجرة الهلالية الجزء الثاني ص 515
9 : سعود السبعاني . مرجع سابق ص 106 .
10 : السبعاني . سابق ص 106
11 : ابن خلدون . سابق ص 19 .
12 : نفسه . ص 107
13 : طاهر الزاوي . تاريخ الفتح العربي في ليبيا ص 220 ، 221
14 : عبد الجواد الصادق الشيباني (دكتور) . الهجرة الهلالية إلى أفريقية الزيرية و آثارها العامة ص 64
15 : إحسان عباس (دكتور) . تاريخ ليبيا منذ الفتح العربي حتى مطلع القرن التاسع عشر ص 141
16 : إبن خلدون . سابق ص 20
17- 18 : إحسان عباس . سابق ص 142 ، 149 نقلا عن أبن خلدون .
19 : ابن خلدون . سابق ص 19،20،22،27 . الشيباني . سابق ص 123 ، 124 نقلا عن ابن خلدون
20 : . الادريسي . نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ص 297 ، 308 ، 311 . عباس سابق ص 150 . الشيباني سابق ص 123 ، 124 .
21 : الادريسي . سابق ص 282 ، 283 ، 284








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص