الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس/مشروع مجلة التعمير بين الرغبة في التثوير وواقع بيروقراطي معطل

عامر عياد

2020 / 7 / 8
دراسات وابحاث قانونية


تكتسي مسالة التهيئة الترابية والتعمير درجة عالية من الأهمية لتداخل أهدافها مع مسالة التطور الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي
ويعتبر ظهور قانون التهيئة الترابية في تونس نتيجة حتمية لتنامي الوعي بأهمية التخطيط الترابي والعمراني ومحاولة لتجاوز سلبيات الوضع السابق عن مجلة 94 التي حاولت الالمام بكل الجزئيات ومقتضيات المجال وهو ما برر قيام المشرع التونسي الجمع بين التهيئة الترابية والتهيئة العمرانية ضمن نفس المجلة نظرا لتداخلهما وترابطهما العميق من جهة والرغبة في تكريس افضل لفكرة التهيئة القائمة على منطق العقلانية والتخطيط والتنظيم.
وتساهم عملية التعمير في إيجاد دينامية اجتماعية يمكن ان تفضي الى نوع من التوازن في صورة نجاحها في ادماج جميع مكونات المجتمع داخل المنظومة التنموية او الانخرام في حال فشلت في نحت ملامح التجانس الاجتماعي المطلوب
ولئن اعتبرت مجلة 94 التعمير نوعا من فنون التناغم و التناسق والجمالية حيث جاء في فصلها الثاني بان " التهيئة الترابية جملة الاختيارات والتوجهات والإجراءات التي يتم ضبطها على المستوى الوطني او الجهوي لتنظيم استعمال المجال الترابي والتي من شانها ان تضمن خاصة التناسق في تركيز المشاريع الكبرى للبنى الأساسية والتجهيزات العمومية والتجمعات السكنية "فان المجلة اثبتت محدوديتها وعدم قدرتها على مواكبة نسق التغيرات في المجالات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية وما رافق ذلك من متغيرات في المجال الترابي وخاصة عدم اتساقها مع المبادئ الجديدة التي اقرها دستور 2014 ومجلة الجماعات المحلية وخاصة في مسالة اللامركزية والحوكمة الرشيدة والتدبير الحر والديمقراطية التشاركية.
وقد كانت معظم هذه الإشكاليات في قلب الحراك المجتمعي الذي انبثق عن ثورة 17 ديسمبر -14 جانفي حيث برز غياب التنمية العادلة وتعمقت ظواهر القمع والاقصاء والتهميش والظلم كأحد اهم محركات الثورة فبرز مسار اللامركزية وتكريس مبدا التشاركية كأحد اهم المحامل والأطر لتلبية هذه المطالب وتحقيق اهداف ديمقراطية القرب والمواطنة والمشاركة كإطار أمثل لسياسات تنموية عادلة ومرتبطة بالحاجيات الحقيقية للمواطنين
وفي هذا الإطار اعدت وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية مشروع مجلة التعمير الجديدة ولا زالت تعرضها على الخبراء والمختصين لتعميق النقاش حول احكامها وأهدافها وكان اخر الاجتماعات حول مشروع المجلة الجديدة يوم 24 جوان 2020 بأشراف وزير التجهيز وحضور عدد من منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة.
وسنتناول في هذا المقال اهم ملامح مشروع المجلة الجديدة والإصلاحات المتوقعة وتحليل بعض الانتظارات.

ففي قراءة سريعة لمشروع المجلة الجديدة نلاحظ توجه المشرع الى اقحام عديد المفاهيم الجديدة مثل مفهم الهوية العمرانية والتسويق الترابي والمزج الاجتماعي والوظيفي والمرونة العمرانية الى جانب تكريس مبادئ جديدة تستجيب للحظة السياسية ومقتضيات دستور 2014 مثل مبدا اللامركزية والمقاربة التشاركية.
 تحقيق التوازن الترابي العمراني بين الجهات
تكريسا للمبدأ الدستوري (التمييز الإيجابي) لفائدة المناطق الداخلية عمل مشروع المجلة الجديد على تجاوز اختلال التهيئة العمرانية بين المناطق الداخلية والمناطق الساحلية بضمان التجانس العمراني في هذه الجهات والذي يمر عبر تنوع الوظائف العمرانية والذي يساهم في ادماج جميع الشرائح الاجتماعية في الدورة الاقتصادية للدولة والحد من الفوارق بين المناطق.
ويعتبر الفصل 36 من مشروع المجلة الجديد تغييرا أساسيا في سياسة التهيئة والتعمير حيث يقترح تجاوز التراتيب الخصوصية الجاري بها العمل في مجال ترابي معين فيما يخص التعمير السياحي والصناعي بهدف التشجيع على التنمية الاقتصادية الاجتماعية في منطقة معينة الا انه يجب ان يترافق مع إعادة النظر في منوال التنمية القديم وذلك بأدراج شروط التنمية المستدامة صلب السياسات العمومية للتخطيط.
 دعم لا مركزية القرار في المادة العمرانية
وياتي هذا التوجه تكريسا لمبدأ اللامركزية المعلن عنه في الباب السابع من الدستور.
ويضبط مشروع المجلة التقسيم الترابي الجديد عبر اعتبار مفهوم التهيئة العمرانية كجملة خيارات وتوجهات وإجراءات على المستوى الوطني او الإقليمي او الجهوي لتنظيم استعمال المجال الترابي وضمان تناسق التدخل العمومي.
كما تم ضبط وثائق توجيهية للتهيئة والتنمية الترابية وفقا للتقسيم الترابي وذلك على المستوى الوطني والإقليمي والجهوي
 الحاجة الى مدن جديدة
اقر مشروع المجلة الجديد تركيز سياسات جديدة للتهيئة والتعمير داخل المدن وخارجها لتحسين جاذبيتها وقدراتها التنافسية الى جانب العمل على خلق مدن جديدة تكون ترجمة لمبدأ استباقية التهيئة والتعمير وهو مبدا قصرت مجلة 94 في تكريسه عبر عجزه في توجيه التمدد العمراني.
ويرى عدد من الخبراء ان مجلة 94 عجزت عن التنبؤ والاستباق مما جعل السلطات تنفق ثروات طائلة في محاولة لتحسين مكونات المدينة ومحاولة تأهيل الاحياء الفوضوية.
ويرى الخبراء ان مشروع المجلة الجديد يجب ان يهتم أكثر بسياسة المدينة والتي يجب ان تقوم على
 القدرة على تعبئة الأراضي المحيطة بالمدن لصالح القطاع العام وذلك للحد من المضاربة وضمان نمو متناغم وعقلاني للمدينة
 السكن الاجتماعي للفئات الأكثر حرمانا
 البحث عن صيغة للحفاظ على السكن القديم الذي يعتبر قيمة تراثية
مع ضرورة ان تكون المدن محركات حقيقية للتنمية الإقليمية لان الحكم الإقليمي يغطي منطقة ذات ابعادا كبيرة وخالية من المخاوف الانتخابية.
 الاعتناء بالتهيئة الريفية
لا يقتصر اهتمام مشروع المجلة الجديد على إرساء سياسة جديدة للمدينة فقط بل اهتم كذلك بمسالة التهيئة الريفية التي غفل عنها المشرع في مجلة 94.
وهذا التوجه يستوجب إيجاد الوسائل المادية واللوجستية لتطبيقه حتى تتمكن من ترشيد التصرف في استغلال الأراضي الفلاحية والتي يتم تغيير صبغتها لمقتضيات التعمير خصوصا مناطق التحجير والصيانة
 ضبط هياكل مركزية ومحلية تعنى بالتهيئة والتنمية الترابية
وقد تم ضبط هذه الهياكل طبقا لمبدأ التدبير الحر والتفريع والتناسق في إطار وحدة الدولة وهذه الهياكل التي وردت في مشروع المجلة هي:
 المجلس الوطني للتهيئة والتنمية الترابية والتعمير: على مستوى رئاسة الحكومة
 لجنة التهيئة الترابية والتعمير والسكن والبناء: على مستوى وزارة التجهيز
 لجنة استشارية او هيكل يعنى بمجال التهيئة والتنمية الترابية على مستوى كل جماعة محلية او أكثر.
 تبسيط الإجراءات
استجابة للتطلعات والانتظارات حاول مشروع المجلة الجديدة تبسيط اجراءات اعداد ومراجعة امثلة التهيئة الترابية والحصول على رخصة البناء.
وقد ضبط المشروع الجديد 24 شهرا كحد اقصى للمصادقة على امثلة التهيئة وذلك بإعادة النظر في مراحل اعداد هذه الأمثلة من خلال اصدار هذه الأمثلة بقرار من رئيس البلدية عوضا عن امر حكومي واحداث لجنة جهوية بكل ولاية تتولى معاينة مناطق التوسع العمراني مع استشارة المصالح المختصة ترابيا للوزارات والهياكل والمؤسسات المعنية
كما اقر المشروع ادماج العقارات في الدورة الاقتصادية من خلال تغطية التجمعات السكنية غير المنظمة بتقسيمات عمرانية
واعتبارا لأهمية هذه المجلة التي تعتبر استجابة عملية لاهم مطالب الثورة في اللامركزية وإقرار الديمقراطية التشاركية يتوجب العمل على التسريع في المصادقة على هذه المجلة والتي لا تزال عالقة بين إدارة التعمير بوزارة التجهيز ورئاسة الحكومة قبل تمريرها الى مجلس نواب الشعب للمصادقة.
وهذه البيروقراطية المقيتة والتي تؤجل المصادقة على المجلة لا تؤثر فقط على عمل البلديات بل على المشهد العمراني والتنظيمي للتراب التونسي والقطع مع ظاهرة احتكار الأراضي ومقاومة البناء الفوضوي والتوسع العشوائي الذي أصبح خارجا عن سيطرة الدولة ومصدرا للجريمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور


.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة




.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •


.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ




.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع