الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن السيسي والفاشية التي يريدها

مهدي خالد

2020 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


كان صعود السيسي في يوليو 2013 مصحوبًا بتطلعات عديدة لقطاعات معتبرة من جمهور الطبقة البرجوازية الكبيرة حيث كبار رجال الأعمال المصريين وقطاعات من الطبقة الوسطى المنتظرة لصفقة غلق المجال العام مقابل إصلاحات إجتماعية وإنتفاعات مادية وقطاعات جماهيرية كانت كل مطامحها إستقرار الوضع بحثًا عن لقمة العيش، بالإضافة لتطلعات العديد والعديد للخلاص من حكم الإخوان بأي ثمن ، فعقدت القوي السياسية -الممثلة في جبهة الإنقاذ وتنسيقية تمرد- ومؤسسات الدولة وأجهزتها العسكرية والبوليسية والقضائية والإعلامية تحالفاً لصالح تنصيب السيسي، بمباركة إنقلابه ثم تفويضه وتنصيبه رئيسًا ثم ديكتاتورًا بموجب تعديل الدستور، وتطويع المجال العام السياسي والإجتماعي لتقبل تلك السلطة، وعليه فكانت سلطة السيسي لا مجرد عملية إستبدال لأشكال السلطة البرجوازية المتعارف عليها، خاصة وأن المجتمع البرجوازي في أساسه نظام للهيمنة السياسية والإيدولوجية، بل تغذت السلطة علي الفشل والأخطاء التي ينتجها ما يسمي "نظام السياسيين" ، وعليه فتم تطهير أجهزة الدولة والإتيان بمن هم أهل الثقة كالإبن "محمود السيسي في المخابرات" وأبناء المؤسسة العسكرية الذين أصبحوا مسئولين عن حقب وزارية وصناديق سيادية ومشاريع قومية، والمخابرات التي شكّلت الإعلام المصري والبرلمان والمجالس المحلية، ومدّ أفق الهيمنة والسطوة علي المجتمع بالمباحث وأجهزة أمن الدولة ومراقبة مواقع التواصل الإجتماعي والتجسس والإرشاد وزرع المخبرين وزرع نقاط بوليسية وكمائن، وإقصاء السياسة وتهميش الثقافة والعمل العام وتنميط الأعمال الفنية والإشراف عليها وتوحيد الخطاب الإعلامي أكثر فأكثر، بالإضافة لمشاريع وإستثمارات القوات المسلحة التي تستحوذ علي أكثر من 40% من إقتصاد السوق ، التي تكمل تعبيد المجتمع وعسكرته ، وهذا تحققه القوات المسلحة علي مستويات عدة : الأول هو توافر العمالة الرخيصة التي تحققها معادلة التجنيد الإجباري الذي يقتطع العمالة من السوق ليستفيد منها مدة الخدمة الإجبارية ، والثاني هو اللاشفافية واللاعدالة واللاتنافسية التي يُخضع لها السوق من خلال تدخله ، والثالث هو التطويع الإيدولوجي من خلال احتكار الآلة الإعلامية من جهة ، وإحتكار التواجد في الشارع بمنافذ البيع الثابتة والمتحركة في كل ميدان التي يهدف من خلالها لا ضبط والتحكم في السوق فقط ، بل في جماهير السوق والسيطرة عليهم ، وهنا أصبح الجيش/القوات المسلحة عبارة عن شركة كبري : تبيع وتزرع وتستورد وتعالج وتحتكر وتتاجر وتبني عقارات وطرق وكباري وفنادق وتبيع لحوم وأسماك وتموين وأسمنت ولبن أطفال وخضروات وطماطم وأجهزة كهربائية وتنتج أفلام ومسلسلات وأغاني وتؤسس فرق كرة قدم ونوادي خاصة ومنتجعات وقاعات أفراح ومولات ومستشفيات خاصة ....إلخ من جهات إستثمارات المؤسسة العسكرية. بكلمة : عسكرة شاملة للحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، لنصل لتساؤل محوري حول ماهية تلك العسكرة التي يتم تسطيرها كمنهج حاكم أوحد لمجتمعنا المصري، فالسيسي يحلم بدولة فاشية ومجتمع فاشي وبتعميم العسكرة ويعجز عن ذلك، لماذا؟!

بعودة للثوري الإيطالي أنطونيو غرامشي الذي صاغ مفهوم : "الثورة السلبية" ، كتعريف للحالة المصاحبة لصعود الفاشية الأوروبية علي سدة الحكم التي كانت واقعة في تحدٍ مزدوج : إحتلال الجماهير للمسرح السياسي بدءًا من 1917 من ناحية ، ومن ناحية أخري ميل معدل الربح للإنخفاض ، وعليه فالفاشية تمثل هنا استجابة سياسية معينة للتحديات التي تواجه إدارة المجتمع الرأسمالي في ظروف محددة ، فكانت علي هذه الفاشية أن تتبنّي خطاب تستهدف من خلاله فئات وقطاعات شعبية لدعم مشروعها ووجودها ، والنازية الألمانية خير دليل علي ذلك ، فبجانب إستخدامها للقمع السياسي وتقييد الحريات وفرض عداوات عرقية وعنصرية بعينها ، إلا أنها أيضًا عملت علي تقليل البطالة وتوفير فرص للعيش والتربح والترقي الطبقي للبرجوازية الصغيرة وإعلاء للروح القومية ، شرط أن تكون داعم للنازية ، وهنا استخدم غرامشي تعبير "الثورة" حيث كانت هناك مكتسبات ما علي صعيد التغيير وتطلعات الجماهير ، ولكن وصفها "بالسلبية" لأنها لم تكن ثورة شعبية ذات ظهير اجتماعي.
كما يوضح ليون تروتسكي الأساس الاقتصادي لنمو الفاشية بأنه “أزمة تراكم رأس المال” أي باستحالة إعادة إنتاج رأس المال الثابت (الآلات والمباني.. إلخ) بسبب المنافسة القائمة في السوق العالمية، وبسبب صعوبة تعديل وضع السوق العالمية تلجأ الطبقة الرأسمالية الحاكمة إلى محاولة تخفيض مستوى معيشة الطبقة العاملة المحلية ، أي تحاول أن تزيد من نصيبها من فائض القيمة عن طريق تخفيض أجور العمال ونهب معيشتهم.

ماذا تمثل سلطة السيسي في ظرفنا التاريخي؟!

يجسد السيسي في ظرفنا التاريخي أعلي مراحل إنسجام الطبقة الحاكمة داخليًا وخارجيًا ، حيث يمثل طبقة النهب الداخلية من كبار ضباط الجيش والشرطة وكبار رجال الدولة وموظفيها ومديريها ورجال الأعمال المقاولين والمهربين ، وممثل لطبقة النهب الخارجية بإعتباره منفذ سياسات صندوق النقد الدولي، والحليف الأوثق للحكومة الصهيونية وممالك الخليج الرجعية.
فالسيسي في ظرفه التاريخي بوجوده وبوجود طبقة نهبه ، يعد بمثابة "حقبة تاريخية لتكثيف الصراع الطبقي" ، حيث نعيش في حقبة مكثّفة من الصراع والعداء ، حقبة مفرّغة من كل أشكال العمل السياسي بلا أحزاب وبلا سياسيين وبلا أفكار ، حقبة يلعب فيها مفهوم "الضابط أو رجل الأمن أو القوات المسلحة" دورًا محوريًا في مرتكزات السلطة نفسها وخطابها الإيدولوجي عامة ، مقارنة بالطبيب وأفراد الطاقم الطبي مثلا الذي تتهمهم الدولة بتقاعسهم وإهمالهم وكونهم سبب في زيادة أعداد مصابين فيروس كورونا اليوم ، وعليه فالسلطة لا تمتلك سوي "الضابط" لكي تتباهي وتسوّق لنفسها ومخططاتها ، وتكرّمه وتطلق اسمه علي الشوارع والمدارس والمساجد ، وتقيم علي شرفه الأعمال الدعائية من أفلام ومسلسلات وإعلانات مدفوعة الأجر وخطابات طويلة تبث علي جميع القنوات الفضائية ، حيث في دول العالم التابع -كحالتنا المصرية مثلا - يلعب مفهوم "الحماية والأمان"دورًا أكبر من مفاهيم أهم كالتقدم الصناعي والتخطيط الإقتصادي والديمقراطية وحق العمل والطعام والسكن والعلاج ، بحيث تستطيع سلطة ما أن تقتنص الحكم بأية طريقة كانت -ولا سيما الإنقلابات العسكرية- وتُصدّر لشعبها خطابًا حول الحماية والأمان لكي تبقي ، حقبة تعادي الدولة فيها قطاعات جماهيرية ممركزة بعينها من بدو سيناء الفاقدين لأدني حقوق المواطنة جرّاء التخوين والتوصيف بالعمالة ووضعهم موضع الشك والمساءلة وبالتالي تعرضهم للتنكيل الأمني كثيرًا ، والإختفاء القسري وصولا للتصفية الجسدية ، ووطأة التهجير وإقتطاع أراضيهم ومنازلهم أو إستخدامهم كبيئة تمويه وإستغلال لنمو العناصر التكفيرية في داخلها ، لعشرات الآلاف قيد الإعتقال إثر مواجهة الدولة للإرهاب بقوانين الطواريء وأجهزة المخابرات ومباحث أمن الدولة ، يمضوا الشهور والسنين معتقلين إحتياطيًا علي ذمة قضايا كالإنضمام لجماعة إرهابية وتكدير السلم العام وإساءة إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي ونشر أخبار كاذبة ...إلخ من قائمة الإتهامات المكررة وشبه المحفوظة، لفقراء الحضر المعتدي عليهم في جزيرة الوراق ، لفلاحين الأطراف التي يتم إقتطاع مياههم وزراعتهم وحياتهم تدريجيًا ، لفئة عمرية شبابية تُفني أعمارها في التجنيد والإختفاء القسري والسجون والأعمال الغير آمنة والموت جراء الإهمال ، لطبقة وسطي تقلصت بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2017، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالي البالغين ، وفي هذا الصدد تنافس مصر على صدارة العالم في تدمير الطبقة المتوسطة 4 دول، وهي الأرجنتين واليونان وروسيا وتركيا، بحسب تقرير كريدي سويس، لكن معدلات تآكل الطبقة المتوسطة في الدول الأربعة مازالت بعيدة عن الحالة المصرية، بفارق ملحوظ يصعب تضييقه خاصة بعد نهج الإصلاح الإقتصادي تحت وصاية صندوق النقد الدولي ، حيث لم تعد تلك القطاعات قادرة علي تأمين إمتيازاتها الاجتماعية من راتب ووظيفة وتأمين اجتماعي ، للمسيحيين الواقعين ضحايا تفجيرات ومساومات سياسية ، لطبقة عريضة من مواطنين البلد التي كانت تمتاز بكونها مهمّشة ومسلوبة حقوقها الاجتماعية والسياسية فكانوا يعيشوا "بجوار الحائط" مثلما نقول ، والآن حصحصت الحكومة من دعمهم وتموينهم وعلاجهم وتأمينهم الصحي المجاني ، لأزمة فقر مائي عاجلًا أم آجلًا ستجتاح كامل ترابنا المصري.

نخلص إلي أن الفاشية عملت علي "إدارة الصراع الطبقي" ، بعكس شكل ديكتاتورية السيسي الذي يعمل علي "توتر وزيادة حدّة الصراع الطبقي" بسياسات متطرفة إقتصادية وسياسية وإجتماعية، تقلص مساحة الإنتفاع والتعايش لصالح تطويق أكثر ، وشمولية أكثر، طالت الإسلامي واليساري والليبرالي والحقوقي والصحفي والمحامي والمثلي والملحد وفتيات التيك توك ومشجع كرة القدم ، ومشاهير مواقع التواصل الإجتماعي الغير مدرجين تحت وصاية الدولة ، والطبيب الذي يعرض شكواه في تغريدة ، ورجل الرقابة الإدارية الذي فضح الفساد ، وعضو المجلس العسكري الذي قرر الترشح للرئاسة ، والشيخ الذي لم تتماشي فتواه مع رؤية القيادة السياسية ، والمسيحي الذي اتُهم بالإنتماء لجماعة إسلامية إرهابية.
الفاشية خلقت قاعدة جماهيرية قائمة علي ثنائية : حد متوسط من الإنتفاع ورشوة قطاعات بعينها/حد أقصي من القمع السياسي ، بينما ديكتاتورية السيسي تعتاش علي خلق ثنائية فجّة : حد أدني إقتصاديا/حد أقصي من القمع السياسي، وعليه فقد كان أكثر من نصف أعضاء الحزب النازي مثلا من العمال ذوي الياقات البيضاء والموظفين المدنيين والعاملين لحسابهم الخاص والحرفيين وأصحاب المهن الصغيرة التي كانت الأفكار الفاشية بمثابة تحريض يومي لهم ومغازلة ورشوة دائمة لتطلعاتهم وطموحهم الطبقي، ولا ننسي أنه تم إستخلاص قيادات الحزب النازي من قلب هذه القطاعات والشرائح الوسطي : كهتلر نفسه وبورمان وفيدر وفريك وهيملر وروزنبرج وأوتو ستراسر.
أما السيسي يحلم بجعل أغنية "قالوا إيه علينا" نشيد وطني، ويحلم بالاستعراضات العسكرية الدورية في سماء وميادين القاهرة، ويحلم بخلق جيل على صورة أحمد موسى، لكن التاريخ يعانده ويحكم بأنه يستحيل أن تجمع بين دولة الحد الأدنى اقتصادياً ودولة الحد الأقصى سياسياً؛ فلا فاشية بدون مضمون اجتماعي، والعداء للفقراء يجعلك تخسر البروليتاريا الرثة (قاعدتك الحقيقة لتأسيس حكم فاشي نموذجي) وكل محاولات تأسيس الفاشية على أساس ليبرالي وتحت وصاية صندوق النقد والبنك الدولي ستكون غير فعّالة ومحط سخرية! وخضوعه للخليج إهانة بالغة لميراث الشوفينية المصرية (الأرضية الثقافية الأصيلة لفاشية نموذجية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟