الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (225) المدرسة الاستخبارية الصينية

بشير الوندي

2020 / 7 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (225)

المدرسة الاستخبارية الصينية

بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
في مباحث سابقة تناولنا مدارس استخبارية غربية من حيث طبيعة عملها وطرق تعاملها , واستكمالاً لتلك المباحث لابد لنا من النظر الى الشرق قليلاً حيث توجد اجهزة استخبارية كبيرة ومحترفة من اجل القاء الضوء عليها ومحاولة فهمها , ومن تلك الاجهزة الاستخبارية الآسيوية هي الاستخبارات الصينية التي خصصنا لها هذا المبحث .
---------------------
تايوان والصين
---------------------
كانت بدايات الاستخبارات الصينية في عشرينات القرن الماضي , لكن البداية العملية للجهاز الاستخباري الصيني ظهر في اربعينات القرن الماضي وكان اسمه ادارة الشؤون الاجتماعية , وبقي النشاط الاستخباري الصيني داخل حدودها حتى الخمسينات حيث تأسست ادارة التحقيقات المركزية .
كانت الحرب العالمية قد ادت الى خسارة اليابان الحرب مما اضطرها الى اعادة تايوان , التي كانت تحتلها لعقود طويلة , الى الصين عام 1949, الا ان الامريكان فضلوا الاعتراف بتايوان المسماة ب"الصين الوطنية " كممثل رسمي للصين بدلاً عن الصين الشعبية " الصين الحالية " , وظلت علاقات الصين وتايوان معقدة حيث تطالب كل منهما بالسيادة على عموم أراضي بلاد الصين، ولا تعترف أي منهما بالأخرى , وكانت حكومة جمهورية الصين الشعبية تقاطع أية دولة تعترف بجمهورية الصين الوطنية (تايوان), وكانت تايوان تمثل عموم الصين في الكثير من المنظمات الدولية , وكانت الصين محرومة من الاعتراف الدولي بها في الامم المتحدة .
وفي عام 1971 تم التصويت الاممي على الاعتراف بالصين الشعبية فيما بقيت تايوان "الصين الوطنية خارج الاعتراف الاممي ماعدا بعض المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية واللجنة الاولمبية .
----------------------------------
سبعينات الصعود العالمي
----------------------------------
ومع دخول الصين الميدان الاممي الدولي وقبولها كعضو في الامم المتحدة والعضوية الدائمة في مجلس الامن واستلامها حق الفيتو , بدأ العهد الذهبي للاستخبارات الصينية في منتصف السبعينات مع صعود دين شياو بينغ ليتم تأسيس وزارة امن الدولة والتي اصبحت الجهاز الاستخباري الرئيسي في الصين لتصبح كل الادارات الاستخبارية تحت ادارتها ماعدا الاستخبارات العسكرية , وتصبح اعلى سلطة استخبارية في الصين , وساعد على قوة الجهاز وجود الحزب الشيوعي الصيني الذي اصبح اعضاءه بمثابة عيون للجهاز الاستخباري على طول البلاد وعرضها .
ومع زيادة النشاط الاقتصادي الصيني وارتفاع معدلات الانتاج اصبحت المهمة الرئيسية للاجهزة الاستخبارية هي ملاحقة التطور التكنولوجي في كل المجالات بطريقة مختلفة تعنى بالدرجة الاساس بالتجسس على الابحاث والمخترعات ومعاهد التطوير في كافة المجالات فيما اختصت الاستخبارات العسكرية بدورها بالتجسس على التقنيات المتعلقة بالاسلحة وسبل تطويرها ومراقبة حدود البلاد , وعقد صفقات الاسلحة الصينية حول العالم عبر الوسطاء الدوليين او مع الدول .
وقد استغلت الاجهزة الاستخبارية الصينية انشغال العالم بقطبية امريكا والاتحاد السوفيتي وحربهما الباردة لتنفذ الى كل ماهو حيوي لها في التطوير والاقتصاد من اجل اغراق الاسواق العالمية بالبضائع الصينية الرخيصة , كما ساعدت الحرب الباردة وغفلة العالم عن الصين في ان تسعى لبناء قوتها العسكرية العملاقة بصمت وعدم التورط في النزاعات المسلحة والتعامل الهاديء مع قضية هونك كونغ التي كانت تحت السيطرة البريطانية عنوة حتى تحررها عام 1997.
---------------------
لبنان تعترض !!!
---------------------
دأبت الاجهزة الاستخبارية الصينية على التركيز على مهام كبرى لبلد يحتاج شعبه البالغ مليار وثلاثمائة مليون الى الخبز , وهي مهمة شاقة وخطيرة على اية قيادة للبلاد , ولعل من الطرائف الكاشفة لحجم التحدي السكاني البشري الصيني ان 13 دولة عربية صوتت لصالح القبول بعضوية الصين في الامم المتحدة عام 1971 , الا ان لبنان كانت قد صوتت ضد القرار , وحين فازت الصين بالتصويت في الجمعية العامة القى وزير خارجيتها كلمة شكر بالمناسبة وكان مما قاله : انني اشكر كافة الدول التي صوتت لصالح بلادنا , ويؤسفني ان لبنان لم تصوت لنا ولم تعترف فينا كدولة رغم ان نساء بكين العاصمة يلدنَ في الليلة الواحدة ضعف نفوس لبنان !!!!!.
-------------------------------------------
الاستخبارات في خدمة الاقتصاد
-------------------------------------------
بسبب التحدي السكاني , ركزت الاجهزة الاستخبارية في خططها للحاق بالعالم على التجسس الالكتروني والعلمي في كافة المجالات واستطاعت اختراق كبريات الدول الصناعية الغربية , فكان لها الدور الرئيسي والحاسم في صعود الصين كقوة اقتصادية وتكنولوجية عالمية من خلال التجسس الالكتروني والحسم الامني الداخلي الصارم , ويكفي ان نعلم بلغة الارقام ان الدوائر الاوروبية والامريكية تحصي خسائر سنوية تصل الى 400 مليار دولار بسبب قرصنة تقنياتها العلمية والتكنلوجية التي تشير باصابع الاتهام الى التجسس السيبراني الصيني في كافة المجالات العسكرية والصناعية والتطوير الزراعي والعلمي , فكان ان قفزت الصين قفزات اقتصادية هائلة خلال العقود الاربع الاخيرة , ففي دراسة أصدرتها كلية لندن للاقتصاد: انه في عام 1978، بلغت قيمة صادرات الصين 10 مليارات دولار فقط ، أي أقل من 1 في المئة من حجم التجارة العالمية , ولكن في عام 1985، بلغت قيمتها 25 مليار دولار، وبعد عقدين فقط ارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى 4,3 تريليون دولار مما جعل الصين أكبر دولة مصدرة للسلع في العالم.
كما ساعد الصمت الصيني والنأي بالنفس عن الصراعات العالمية , ساعد الصين في ان تستغل كل مايمكنها من اجل دفع عجلة انتاجها وفق خطط استخبارية اقتصادية سليمة , فسجادة الصلاة تصنع في الصين , فاذا ارادوا ارسالها الى دول سنيه المذهب وضعوا على السجادة صورة الكعبة الشريفة , واذا كانت مرسلة الى اسواق شيعية وضعوا عليها صور اضرحة الائمة الاطهار , وفي ذات الوقت ينتجون المسبحات اليدوية والحجاب والزي الاسلامي , والزي المسيحي , وملابس الرهبان , فتحول الحجيج الى سوق سنوي هائل للبضائع الصينية .
كما استطاعت خطط الاستخبارية الصينية والسياسة الحكيمة لزعمائها من جعل جائحة كورونا فرصة لتبيان الكف الحاضرة وقت الشدائد من خلال المساعدات الصينية لكل دول العالم بسبب كورونا , فكان له اثر كبير وسوف يتراكم وسيساهم في انجاح مشروعها بطريق الحرير, وهو ما تسبب بجنون ترامب والساسة الامريكان ومن ثم سعيهم لضرب الصورة التي ترسمها الصين لنفسها عن طريق اتهام الصين بانها المتسبب بالجائحة العالمية .
-------------------
تحديات جدية
-------------------
لقد حولت سلطات الصين واجهزتها الاستخبارية الكتله البشرية الهائلة والرقعة الجغرافية الكبيرة من عامل ضعف وتحدٍّ الى عامل قوة , ووضفت حتى الثقافة الصينية لهذا الغرض وانتشرت مقولات صينية تعبر عن الذات الشعبية والروح الصينية العملية من قبيل " علمني كيف أصطاد ولا تعطني سمكة " , و"كن كشجرة الصندل تعطر فاس قاطعها ", و"من لايغذي الكلب يغذي السارق" , و"الذكي من تعلم ببطء وتكلم بسرعة ", و"الذبابة لاتدخل الفم المطبق " , حتى انتشرت نكتة تعكس العمل الاستخباري الصيني مفادها "إذا كان الشاطئ هدفا للتجسس، فإن الروس سيرسلون غواصات وضفادع بشرية في ظلام الليل وبسرية كبيرة سيقومون بجمع دلاء من الرمال وإعادتها إلى موسكو، أما الأميركيون فسيستهدفون الشاطئ بالأقمار الصناعية وينتجون رقاقات من البيانات، فيما سيرسل الصينيون ألف سائح مهمة كل منهم جمع حبة رمل واحدة، وعندما يعودون سيطلب منهم تسليمها وسينتهي بهم الأمر لمعرفة المزيد عن الرمال أكثر من أي جهة أخرى".!!!.
ولقد عانت الاستخبارات الصينية في نطاق عملها الدولي من تحديات لامفر منها , فالصين تعاني من معضلة اللغة المعقدة وغير السهلة , وبالتالي كانت لديهم مشكلة في الاعلام والتواصل والبروبغاندا وفي تبيان وجهات نظرهم , وهو الامر الذي لم تعاني منه الدول الغربية بحكم عالمية الانكليزية واثرها الاستعماري طيلة عقود , الا انهم حولوا هذا التحدي لصالحهم فاصبح مفيداً لسريتهم ايضا , فصعوبة لغتهم تحفظ اسرارهم , فيما اهتموا بإتقان العربية والانكليزية واطلقوا قنوات فضائية بهاتين اللغتين .
كما لجؤوا الى التغلغل في المجتمعات الغربية من خلال احياء خاصة بهم , فلا يكاد يخلو بلد غربي متقدم من حي خاص بالصينيين كما في حي سوهو والاحياء الصينية في امريكا حيث يوجد قرابة المليوني صيني من حملة الجنسية هناك , حيث اصبح الكثير منهم مرتكزاً كبيراً للاستخبارات الصينية و يشكلون اذرع كبيرة ومهمة لها في معرفة ثقافات الشعوب واسلوب تفكيرها .
-------------------------------------------
الامن الداخلي والتجسس المضاد
-------------------------------------------
في مجال الامن الداخلي , لم يكن امام الاجهزة الاستخبارية الصينية الا الاعتماد الكبير على التكنولوجيا كالكاميرات الذكية التي تقدر بالملايين للمراقبة .معاناتهم الاساس كحال اي بلد ذو زخم سكاني هو الامن الداخلي , فقد اصبحت الصين هدفا للجهد الاستخباري بشكل مباشر مطلع القرن الحالي , فمنذ عقدين انتبه العالم الى هذه القوة الصاعدة الا ان العقبات كانت تلوح في الافق امام التجسس على الصين , ومن تلك العقبات :
1- عامل اللغة , فاللغة الصينية لغة صعبة جداً , وقد يكون اتقانها شبه مستحيل , وهذا يسبب ضعف كبير لدى اجهزة الاستخبارات الاجنبيه في العمل على الصين , فكان الحل هو الاعتماد على الصينيين في التجسس ضد بلادهم , وهو كان عامل ضعف كبير.
2- عامل الشكل والبنية , فاذا ارسلت الاستخبارات الاجنبية اي شخص للصين يكون مميزاً وتسهل مراقبته , وكانك تضع كرة منضدة حمراء بين الكرات البيض , فمراقبته وتقصي حركته سهله جداً على اجهزة مكافحة التجسس.
ولقد كانت صدمة هائلة قبل عقد واحد , حين استطاعت اجهزة مكافحة التجسس كنس كافة عملاء الCIA في الصين بضربات قاصمة خلال عامين بعملية تعد الى الان لغزاً لم تستطع المخابرات الامريكية كشفه ولم تعد تعلم هل انه تسريب وقرصنة لحواسيبها وملفاتها في امريكا ام ان الخلل كان في مكان ما في شبكة عملائها , فكان درساً قاسيا للامريكان .
------------
خلاصة
------------
مع ميزانية دفاع تجعل الجيش الصيني ثالث اقوى جيوش العالم ومزاحمة الصين لامريكا في التجسس عبر الفضاء , وقوة الصين في السيطرة على مرض كورونا فيما فشلت كبريات دول العالم في التحدي , فإن أهم معركة قد تنتظر الاستخبارات الصينية هي معركة تقاسم الهيمنة او التقدم على امريكا في حكم العالم , والحقيقة انها الان تهدد اهم سلاح لدى امريكا وهو الدولار الذي يتحكم بمصائر العالم وثرواتها , عدا عن اتخاذ الصراع احياناً شكل الحرب بالنيابة كما هو الحال مع المحاولات البائسة لضرب التوجه العراقي للصين من خلال زعزعة اوضاع العراق الداخلية , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا