الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابني في غرفته

جميلة شحادة

2020 / 7 / 9
الادب والفن


السادسة مساءً وما زال خليل في مكتبه في الجريدة التي يعمل فيها محررا للصفحة الثقافية. دوامه ينتهي هذا اليوم عند الرابعة عصرا، لكنه قرّر ان لا يعود الى البيت قبل ان يُسدلَ الستار على الفصل الأخير من روايته.
حتما سأعالج الأفكار التي تحوم في ذهني وأمنعها من التشتت هنا وهناك او حتى الهروب كليا من محيط رأسي، إذا بقيتُ لعدة ساعات في المكتب بعيدا عن متطلبات البيت ومَن فيه، وعن ضوضاء الشارع الذي اضطرتني ظروفي المادية للسكن فيه. قال خليل لنفسه وأسقط جسده على المقعد امام حاسوبه. مضت ساعتان، وخليل يصارع أفكاره من جهة، ويصارع الحروف على شاشة حاسوبه من جهة أخرى. لعله صدق في تصريحه لإحدى القنوات الفضائية في احدى المقابلات معه حيث قال؛ أن الكتابة بالنسبة له هي مخاض عسير لولادة. فها هو بعد مرور ساعتين من الزمن لم يفلح ان يترجم الا القليل من أفكاره الى كلمات؛ لعل عمله منذ الصباح قد نال من طاقته الجسدية والذهنية، وربما عدم تناوله وجبة الغداء ساهمت في ذلك أيضا؛ وربما، احتلت ظروفه المادية السيئة في الآونة الأخيرة مساحة من تفكيره، فعرقلت تسلسل أفكاره وشوّشتْ تنظيمها.
ترك خليل مقعده وسار نحو النافذة، اسند ذراعيْه على حافتها وأطل برأسه خارجها، أخذ قسطا من الهواء النقي بعد ان قلَّت كمية الاكسجين من هواء غرفة مكتبه بسبب حرقه للكثير من السجائر، ثم عاد ليجلس في مقعده أمام حاسوبه. وقبل أن يعود لمتابعة الكتابة، تناول هاتفه النقال وولج الى شبكة الفيس بوك يتصفحها ظانا انه بذلك سيروِّح عن نفسه قليلا، ويأخذ استراحة لدقائق معدودة من عناء الكتابة الجادة. لكن سوء حظه، قاده الى صفحة ذلك الصحفي الذي لا يكلُّ ولا يملّ من الظهور ببث حي ومباشر لينقل ما لديه من أخبار، وهي في الغالب أخبار سيئة ترفع ضغط الدم وتحرق السكر فيه. تجمد خليل امام شاشة هاتفه وهو يشاهد الصحفي يمسك بميكروفونه ويسمعه يقول: شجار عنيف في حي الرمّان بين ثلاثة شبان في الثامنة عشر والتاسعة عشر من أعمارهم، أسفر عن جريح بحالة خطرة، ويُخشى ان يتوسع الشجار بين سكان الحي... توقف خليل عن متابعة بث الصحفي للحدث، خرج من شبكة الفيس بوك، وبيدين مرتجفتين أسرع يهاتف زوجته. تأخرت زوجته بالرد على هاتفه؛ زاد قلقه، تسارعت نبضات قلبه، شحب لون وجهه، شعر بدوار في رأسه، وراح يتمتم غاضبا والقلق من المجهول ما زال يتملكه: "قد يكون صهيب أحد الشبان الثلاثة؛ او انه بعد قليل سيكون في ساحة المعركة في الحي".
- صهيب في غرفته. قالت أم صهيب بصوتها الانثوي الهادئ مجيبة عن سؤال زوجها خليل عندما سألها عن ابنه.
كان يكفي خليل ان يسمع هذه الجملة: "صهيب في غرفته"، هي زبدة المقال، وأما ما قيل بعدها من جمل وعبارات، فقد قيل فقط ليخدم زبدة المقال.
أنهى خليل محادثته مع زوجته، انفرجت أسارير وجهه، أشعل سيجارة، وضعها بين شفتيه وسحب نّفّسا عميقا وقال: الحمد لله ابني في غرفته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي