الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغريدة لثورة تموز خارج السرب

رياض رمزي

2020 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


ذكرى ثورة 14 تموز التي (غبّرت) غيّرت وجه العراق إلى الأبد. رياض رمزي
"الأنهار تصب مياهها العذبة في البحر، من أين إذن جاءته الملوحة؟". بابلو نيرودا التساؤلات.

تشير الأخبار أن درجة الحرارة في أغلب محافظات البلاد وصلت نصف درجة الغليان. شمسٌ لاهبة على نحو يليق بسمعة شهر تموز. ضيّقت على خناق الأحياء وأشعرتهم بدرجة ضعفهم. لديهم الكثير ليفقدوه إن غامروا بالخروج خوفا من شمس وقفت في سمت السماء، مثل جنود احتلوا قلعة تشرف على المدينة لها سلطة عسكرية على أحياء يجلسون في بيوتهم وعيونهم مصوبة على الخارج. سحنتهم محرومة من الهواء النقي غمرها شحوب يتشح بصفرة هي عين ما يرتاب الأطباء منه. الهواء غير النقي جعل تلك الوجوه تحصل على الصفقة الأسوأ، مبقية مرافق الجسم غير المرئية كالقلب والكبد، عند تقسيم فيئها من الأرزاء، تحصل على النصيب الأوفر جاعلة قوانين الفناء تحكم مواطني البلاد بدلا من قوانين الحياة.
اتذكّر واحدا من الأيام التموزية قبل الثورة وكنت واقفا وراء شباك البيت أشاهد كلبا كانت أكثر همومه شأنا العبور نحو الضفة الأخرى من الشارع حيث زرعت البلدية أشجارا وارفة ليجد ظلا. اختار مكانا ظليلا وتبول تحت شجرة ما انفكت توفّر ظلالا للهاربين من قطط وكلاب. بعد مرور عشرين عاما وكنت واقفا أشاهد منظرا شبيها لكلب من نفس سلالة الكلاب التي لا تنقصها الحيلة للعبور إلى الضفة الأخرى معتقدا أن الأشجار ما زالت في مواقعها. حين انتقل كانت الأشجار قد قطعت من قبل من كان يقولون أن الأشجار بدأت توفّر ظلا لعاشقين وشباب يحتمون بها. لم يعرف الكلب أن الأمور ساءت بدلا من أن تتحسن على عكس ما كانت إذاعة صوت الجماهير تدّعي. لم يتمكن الكلب من العبور كان يرفع ساقا وينزلها بسرعة خوفا من يتلفها الحر الشديد. الشمس بطيشها الصبياني راحت تمطر الجو بقذائف نارية. كانت عيونه مصوّبة نحو أشجار زالت وتلاشت، وهو منظر أحزنه كثيرا فراح يعوي عواء مظلوم يطالب بحقه في تفريغ مثانته. منظر الأشجار المقطوعة والشمس اللهّابة جعلته يراجع حاجته فقرر أن يتخلص من الحمل سائرا بدون توقف بعد أن كانت مثانته أشبه بكيس منفوخ. هرول بسرعة متطلعا نحو نهاية الطريق. عندما بلغ نهايته توقف قرب كراج للخردة دخل وهو يتذكّر المثل المحلي الذي يقول" بالعربان ولا بالتربان" حوّر الكلب المثل قائلا" بين خردة الحديد ولا شواظ الشمس الشديد". صنعت العربات حائطا كثيفا قلّل من لهيب الشمس برغم أنه لم يمنع الحر من الولوج. شاهد، وهو يدخل في أحدى العربات المحروقة، كلبا آخر وقطّتين وغراب ومجموعة من الحمام وثلاثة ثعالب.. تعرضوا لحشد من المحن في البرية، فبات الكراج مسكنا أمينا لاح في وقتٍ مناسب.
هذه الصورة وهذا الوضع أعاداني إلى سفينة نوح التي لجأت إليها الذئاب وقطيع من االخرفان والماعز والبقر... لكن نوح كما يقال تلقّى تعهدا من الأعالي بتعطيل الغرائز حتى الوصول إلى جبل أرارات حفاظا على الجنس البشري من الفناء. كانت تدخل الزواحف والحيوانات السفينة وهي تبتسم لوجود ضمانة بعدم التعرض مردّها تعطيل الغرائز، وهو قرار أسدل خمارا من الهدوء على الحيوانات المتناحرة.
من شدة الحر تهاوت بتلات الزهور في الحدائق وامتزجت بإسفلت الشارع فراحت تعطي رائحة استحضر علماء البيولوجي كل ذكائهم لمنحها أسما، وحين لم يجدوا لها مثيلا سابقا قالوا أنها " ريحة جمهورية" لأنهم لم يقعوا على أمثالها قبل الثورة المجيدة. اعترت قادت الجيش نوبة زهو لأنهم أصابوا مجدا جديدا من رائحة مُهرت باسم واحدة من انجازاتهم. هكذا رائحة أنعمت عليهم بشهرة جعلت الجمهور يتذكّر ثورتهم.
كما يقال ما من وباء يحدث إلا والفئران ورائه. زملاء المهنة يفهمون بعضهم البعض: العسكريون عهدوا بالأمر إلى العارفيْن ثم صدام والإسلام السياسي، حيث أعلنوا كلهم حربا على المجتمع مثل سموم لم تعلن هدنة منذ ما يقارب ستة عقود.
ليس في حوزتنا نحن غير الكلام، لكن محمد الماغوط هدانا إلى طريقة مميّزة سوف نجازيه عليها بالشكر. دعا الماغوط اللاجئين العرب في دول المهجر للتجمع في مكان معيّن ورسم لهم خريطة طريق: التوجه نحو قبر المغفور له هرتسل ورفع لافتة تقول" أيها السيد هرتسل أعطنا وطنا قوميا ولو على مزبلة". أدعو أصدقائي الآن التوجه إلى قبر الماغوط ورفع لافتة نكتب فيها" أمنيتك باتت حقيقة لا وهم، وخيالك لم يعد خيالا بل واقعا تخطى الواقع. لقد حظيت بلادنا بهذا الامتياز: التحول إلى مزبلة لاحظت كل دول المعمورة مدى زفارتها". بما أن دعوة الماغوط قد تحقّقت فأنا أطالب أصدقائي بالتجمع مرة أخرى وتوجيه خطانا نحو مركز الطفح الأخضر كي نصرخ أمام ساكنيه متضرعين للمالكي والخزعلي، للسيستاني والشهرستاني، للفتلاوي ولأبي فدك المحمداوي أن يوفروا لنا سكنا" ليس كثيرا عليكم أن تعطونا سكنا حتى لو كان خرابة في مزبلتكم".
شيء ما ينبغي فهمه: إن كانت الثورة سيلٌ من ماء عذب طاهر من جلب العفونة إذن للبلاد؟".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم