الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل شئ بأذن الأمريكان

تقي الوزان

2006 / 6 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


طيلة سنوات وجود النظام الصدامي كانت هناك معارضة. ورغم ضعفها , وتشتتها , وعدم وجود برامج واضحة لدى بعض فصائلها , إلا أنها حملت شرف لواء معارضة النظام الدموي المقبور , ولاذت بسدها مجموعة القيم الوطنية والديمقراطية . وأستطاع الأمريكان من الألتفاف على الكثير من هذه الأحزاب الوطنية , مستغلة ضعف الحركة وتشرذمها, وعدم تمكنها من إسقاط النظام بقواها الذاتية المبعثرة . وعدا الحزب الشيوعي العراقي, وقسم من حزب الدعوة كان الكل متحمس للتدخل الأمريكي . وقد تعرض الحزب الشيوعي بسبب موقفه الرافض من تغيير النظام عن طريق التدخل الخارجي فقط الى إنتقادات كثيرة من بعض أطراف الحركة الوطنية , وحتى من بعض رفاقه الذين أضناهم طول النضال .

سقط النظام , وأندفعت الرغبات المكبوتة لعقود من السنين . لتعبر عن نفسها بتجليات قومية ومذهبية بمديات لم يسبق لها مثيل . كانت السلطة الحقيقية ولا تزال بيد الأمريكان , ولا توجد قوة سياسية أخرى تشكل خطورة جدية على سلطات الأحتلال . القوة الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن تفرض أجندتها على سلطات الأحتلال هي قوة تنظيم الجماهير في مؤسسات المجتمع المدني , مثل النقابات المهنية والأحزاب السياسية وجمعيات حقوق الأنسان والجمعيات الأنسانية الأخرى . ويمكن لهذه القوة لو تشكلت أن تحدد أولويات بناء الدولة , وتحقيق الأمن , والموقف من الأحتلال .

غياب قوة الضغط هذه دفعت الكثير من الجماهير الشيعية للتشبث بالبدائل الفردية . وكان الشهيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق الذي مهد لقدومه من ايران بأسابيع من التحضير والأستعدادات والشحن المذهبي أن يؤسس للمصلحة العامة , المذهبية والوطنية . قبل أن تتحول المذهبية الى طائفية منغلقة وتُستغل حسب الرغبات والمصالح الأنانية الشخصية .
لقد أتهمت أطراف كثيرة بإغتيال الشهيد محمد باقر الحكيم , كان على رأسها الأمريكان , السنة التكفيريين , عصابات النظام المقبور , ايران , أطراف شيعية قسم منها في قيادة المجلس الأعلى للثورة الأسلامية . وكل هذه الأتهامات قابلة للتصديق , لأن كل هذه الأطراف أستفادت من إستشهاده .

كان الأندفاع المذهبي الشيعي لا يزال في عنفوانه , وأستطاع أن يتوحد مرّة أخرى خلف عباءة آية الله العظمى السيد علي السيستاني . وبمرور الوقت وأستنفاذ حدود الممكن من شرعية المرجعية الدينية , وإستلام الأدارة الحكومية المتمثلة برئاسة الوزراء والوزارات الأخرى , تعززت الطموحات والنزعات الشخصية لزعامات الأحزاب الشيعية المؤتلفة في قائمة "الإئتلاف" , إضافة للأرادة الأيرانية المتخفية خلف مطالبات بعض الأحزاب الشيعية والتي منعت أيضاً من خلق تراكمات تؤدي الى بلورة ارادة وطنية وشعبية موحدة . ووجدنا أنفسنا وسط مجموعة من الجماعات المنفلتة , والتي تتقاتل فيما بينها للأستحواذ على الجاه والسلطة والمال الحرام . لتتحطم وحدة القوى المذهبية التي كانت يمكن أن تشكل خطورة على أجندة سلطات الأحتلال . حيث كان بأمكانها مثلاً الدعوة لأضراب عام , أو غيره من الفعاليات الأخرى.

قوات الأحتلال ومنذ البداية قسمت العراق الى أكراد وسنة وشيعة . وهو تقسيم أريد به تحفيز هذه المكونات للركض وراء أنجازاتها الفئوية والشخصية فقط . وترك الوطن وباقي مكونات الشعب لاحول لها ولا قوة .
الأمريكان جاءوا ليكملوا تهشيم مجموعة القيم التي بدء بتهشيمها صدام , جاءوا ليغيّروا مفاهيم الوطن والقومية والدين , ويجردوها من جوهر معانيها التي شكلت وجود وحدة الشعوب , ويفككوا نسيج علاقاتها , ويمزقوا نسقها التضامني , ويتحول كل فرد الى عالم خاص . وهذا أحد أوجه التحديث الذي يتحدثون عنه لمنطقة الشرق الأوسط .

لقد تمكن الأمريكان خلال الثلاث سنوات المنصرمة من تخدير الكثير من الزعامات السياسية التي كان يحسب لها الحساب لطول فترة نضالها ضد النظام المقبور عن طريق السلطة والنفوذ والمال . وأصبحت أغلب هذه الزعامات تلهث وراء القوات الأمريكية للحفاظ على مكتسباتها الشخصية . ومن جهة أخرى يجري تأهيل البعث مرة أخرى بأسم السنة , ومن قبل الأمريكان أنفسهم حتى يعادلوا الميل الطائفي لبعض الأحزاب الشيعية بأتجاه ايران . والقوى الديمقراطية واليسارية لم تتمكن لحد الآن من توحيد صفوفها . والزعامات الكردية ثقتها بأمريكا أكثر من ثقتها ببعضها , رغم توحيد الأدارتين . والشعب العراقي الذي طال فقدانه للأمن والضرورات المعيشية فقد المبادرة , والمبادرة بيد العصابات والمليشيات , وهذه يسهل القضاء عليها عند الضرورة . الشعب يتطلع للقوات الأمريكية بالحفاظ على وحدة الوطن بتنفيذ القرارالأممي المرقم 1546 والقاضي أيضاً ببناء الديمقراطية وصيانة حقوق الأنسان . ومجموع هذه النقاط هو النجاح الحقيقي للسياسة الأمريكية في العراق .

ورأي آخر يقول أن القوات الأمريكية ليست عاجزة عن ايقاف المسلسل الدموي اليومي في العراق . خاصة بعد تفاهم هذه القوات مع شراذم عصابات البعث , وكذلك مصرع الزرقاوي وما جره من ضعف على تنظيمات القاعدة والسنة التكفيريين . إلا أن الأمريكان يبغون الأستمرار في سلب الأمن لغرض إسقاط حكومة المالكي , والمجئ بحكومة أنقاذ وطني لقطع الطريق أمام النفوذ الايراني . وهذا أيضاً ليس ببعيد عن السياسة الأمريكية ما دام النجاح لايزال حليفهم في العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال