الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف على الشعر

كمال سبتي

2006 / 6 / 26
الادب والفن


السؤال:
عدا اهتمامك بالأدب، بطبيعة الحال، ما هو الفن الذي تميل إليه أكثر من غيره وتعتبر أنه لعب دورا ما في تكوينك الثقافي والكتابي؟
اسكندر حبش/ جريدة السفير البيروتية

الجواب:
بدءاً لابد أن أشير إلى أنني "في بغداد" كنتُ درستُ المسرحَ سنتين والسينما ستَّ سنوات. وبالتالي فإن كلامي عن الفن المصاحب للأدب في حياتي سيكون كلاماً عن محترف مّا في ذلك الفن"المسرحي والسينمائي" حتى إن لم أكن مارسته عملياً.
تعوَّدَ الأديب عندنا أن يدرس الأدب. أقراني كانوا يفكرون في الدراسة في كلية الآداب. لكنني كنت أقول إذا كنت أنا أديباً بدون كلية آداب فلماذا عليَّ أن أدرس فيها ما يمكن أن أعرفه بدونها؟ لماذا لا أدرس الفن؟ والمسرح كان انشغالاً شعرياً في ذهني أكثر من غيره من الفنون. كنت قارىء مسرح أيضاً..نصوصه ونظرياته.
وحين بدأتُ الدراسة الفنية تحولت بعد سنتين من دراسة المسرح إلى فرع الإخراج السينمائي وفي السنة الأخيرة من الدراسة كان لا بد لي أن أقدم أطروحةً سينمائية للتخرج: فيلماً قصيراً. فقدمت تجربة أكبر من إمكاناتي السينمائية الحقيقية وأكبر من إمكانات السينما في المعهد الذي درست فيه..لقد قدمت فيلماً شعرياً.قصيدة لي اشتغلتها فيلماً.
تحويل القصيدة الى فيلم أمر صعب على أية إمكانات. السينما فن واقعي والشعر لا يُفسَّر. لكنني غامرت مغامرة "طريفة" في عمر الشباب ذاك.
وواصلت دراستي السينمائية بعد ذلك الفيلم سنتين أخريين في أكاديمية أعلى ثم فصلت منها لأساق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ولأهرب بعدها من العراق ولأدرس في كلية الفلسفة والآداب بمدريد.
هل طلقت الدراسة السينمائية؟
لا.
لكنَّ هدف الدراسة الفيلولوجية للغة أجنبية أخرى في مدريد كان أقوى من أية رغبة أخرى.
حين كنت قررت الذهاب إلى الدراسة الفنية في بغداد فبقرار حازم في عدم ممارسة الفن ممارسة عملية خوفاً على الشعر. لم أمارس الفن في عمل أو في وظيفة قط.
كنت أريد من دراستي الفنَّ أن تكون لي عوناً في الشعر وربما على الشعر أيضاً.
ماذا تعلمت من المسرح والسينما من أجل الشعر؟
هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يُسأَلَ دائماً.
الإجابة صعبة إن كانت أكاديميةً أو شخصية.
لكن. ولن أكرر ما قاله إخوة نقاد وشعراء في كتابتهم عن شعري ووضوح المسرح والسينما فيه فإنني أقول: ما كان لتجربتي الشعرية كلها أن تكون في ما هي عليه الآن لولا المسرح والسينما.
الأول بإمكاناته البدائية المتخيلة دائماً بلا بذخ في العرض والثانية بإمكاناتها القطعية "من المونتاج" والتصويرية بعين العدسة الصغيرة لرسم المشهد الداخلي والخارجي -ليلاً أم نهاراً- لمصائرنا.
الأول بالحوار المكثف والمختزلِ زوائدَ كلاميةً لا ضرورة لها في الحكي والثانية بالصمت وتحويل الوصف الممتع أصلاً للطبيعة والأشخاص في أية رواية إلى واقع شاخص وحقيقي في فعل يشبه السحر القديم.
الأول بالمحاكاة الأرسطوطاليسية لكي نتطهر جميعاً والثانية في شدك للمصير التراجيدي المصوَّر بحياة تُنسيكَ إنما هي تشبه الحياة لا الحياة نفسها.
الأول والثانية بشرف امتلاك بوح التراجيديا لجمهور غير مصادق على براءته الفعلية وبالغور الفعلي عميقاً في تقديم الأبعاد النفسية والاجتماعية والطبيعية للشخصيات..إلخ
وهذا كله وغيره من التفاصيل التقنية مهما كان صغرها يفيدان الشاعر في بحثه الشعري الدائم.
قد لا أتمتع "ببراءة المشاهد العادي" للمسرح والسينما. فأنا إن ذهبت إلى مسرح فلن أكفَّ عن التدقيق في تفاصيل تخص الديكور والإنارة والأزياء وحركة الممثل وصوته وإن شاهدت فيلماً فالتوازن في تكوين الصورة، وصرامة ضرورته في تكوين الصورة لا يفارقانني البتة..إضافة إلى تفاصيل تخص العمل السينمائي كله إخراجاً وتمثيلاً وتصويراً..إلخ
لكن هذا الفعل..عدم استمتاعي في مشاهدة مسرحية أو فيلم هو بحثي في الجمال من خلال المسرح والسينما وسينعكس حتماً على بحثي الشعري في الكتابة الشعرية وهو ما أسعى إليه وأتمناه محقَّقاً.
في الكاميرا القديمة 16 ميلم التي كانت ترافقنا في الدروس الأولى تعلمت المزج بين مشهدين. كان أمراً بدائياً في التقنية أن يدخل مشهد قادم جديد على نهاية مشهد سابق في الكاميرا ذاتها. لكنني كنت أفكر فيه مثلما كنت أفكر في التداعي عند جويس وعند المتأثر به، في ما بعد، الروائيِّ الخلاّقِ فوكنر.إنها إمكانات تقنية سأستفيد منها لاحقاً في عملي الشعري. وهذا مثل واحد.
في شعري كله "وتتضح أكثر" في قصائدي الطويلة غير الموزونة، شخوص ومشاهد مصوَّرة. شيء خافت من الدراما الأولى في المسرح وشيء خافت من السيناريو ومن التصوير السينمائي ومن المونتاج. والأخير..يا للأخير في الشغل الفني والأدبي كله.
في شعري ملوك قدماء وقادة جيوش وطباخون ومؤرخون وسعاة بريد وعلماء كيمياء وأئمة وخلفاء وأنبياء وفقهاء وعبدة آلهة وأديان وسحرة ومستكشفون وحكماء وقضاة وشرطة ومحققون وسجناء وجنود وشعراء جوالون ومهرجون وباعة وحُدْب وعميان وسكارى وأصحاب حانات وملكات وزوجات قادة وراقصات وممرضات وعاشقات شعراء وأمهات وعجائز وعاهرات وساحرات وقبائل وفرسان وجيوش وقراصنة وعرب وأكراد وأتراك وفرس وروم وآسيويون وأوروبيون وأفارقة ومسلمون ومسيحيون ويهود ووثنيون وفراعنة ومجوس وآلهة..إلخ
وهذا كله يتطلب إدارة مّا في الشعر. وأظن أنّ المسرح والسينما يعينانني فعلياً على الإدارة بل حتى على إخفاء ظهورهما أو استفادتي الفعلية منهما داخل القصيدة.

1-2-2006
هولندا

* أعيد نشرَ جوابي على سؤال جريدة السفير البيروتية كاملاً لأمر يخصّ الأرشيف الشخصيّ.

ارسلت المادة من قبل القاص ابراهيم سبتي بطلب من محبي الشاعر الخالد كمال سبتي ، ولكي يدون التاريخ ولاء الشاعر
للشعر الذي افنى حياته لاجله وسيري هو وليس احد غيره
ان موته فرح ايضا
وسينطلق سعيدا. وهو ساقط من جبله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال