الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران واسرائيل الاسدان القويان في غابة الشرق الاوسط

اياد حلمي الجصاني

2020 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الخبير بيرتز فولكر احد المتخصصين في شئوون الشرق الاوسط كتب قبل وصول القوات الامريكية الى بغداد في مارس عام 2003 يقول " رغم ان المخاطر في شن الحرب على العراق كبيرة جدا بسبب عدم شرعيتها , لكن فشل الادارة الامريكية في اعادة الاستقرار الى العراق بعد الحرب سيكون اكثر خطورة . ولربما هذه الكلمات هي مجرد تنبؤ الا ان لا احد اصبح بمقدوره ان يتصور حجم الفشل في ادارة الرئيس جورج بوش بعد ان وصل الخطر الى ابعد مراحله في الاصرار على مواصلة المهمة الامر الذي يفسره الاخرون بالكارثة الاستراتيجية الاكبر في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية . واذا ما اردنا ان نتصور حجم هذه الكارثة فهي بالتاكيد تتناسب بالدرجة الاولى وحجم الطموح الكبير للاحتلال الامريكي الذي اراد ان يكون العراق القاعدة التي تنطلق منها امريكا لاعادة هيكلة دول منطقة الشرق الاوسط بكاملها حسب مخطط المحافظين الجدد . ان انسحابا شاملا للقوات الامريكية من منطقة الشرق الاوسط هو بدون شك مطلب اساسي لاعادة الاستقرار والنظام الى هذه المنطقة . لكن انسحابا يجر اذيال الخيبة والاذلال والهزيمة من العراق سوف لن يوحي باعادة الاستقرار اليه , بل انه سيصبح من جديد مصدر للارهاب والقلاقل والمشاكل التي ارادت الادارة الامريكية الخلاص منها . وما ان يتخلص العراق من الاحتلال والتدخل الخارجي , حتى يتحول الى المكان الذي تنتعش فيه المقاومة ضد امريكا وتنتشر في اماكن اخرى في المنطقة . واذا ما فشل الامريكان في العراق فان هذا البلد سيكون نموذجا للفوضى وستسيطر عليه قوى مدمرة اولها الطائفية المتمثلة في العداء التاريخي ما بين السنة والشيعة والثانية في العداء العرقي ما بين الاكراد والعرب وما بين الاتراك والايرانيين . اما الخطر الاخر فهو يتمثل في بالحركات الايديولوجية الاسلامية العالمية وهو ما نشاهده اليوم على الساحة العراقية. واذا ما كانت هذه الحركات الاسلامية في اول نشوئها اليوم في العراق , الا انها سرعان ما ستصل الى نفس النموذج الافغاني المصدر للارهابيين الانتحاريين مثلما حدث في العملية الانتحارية التي شنت على الفنادق السياحية في عمان بالاردن . وستصبح بقية الدول العربية ايضا هدفا لدوامة العنف المنتشر في العراق . وفي الوقت الذي كانت فيه دول المنطقة تنعم ببعض من الاستقرار والسيطرة على شئوونها الداخلية , الا انها بصعود موجات العداء الطائفي والعرقي والحركات الجهادية الاسلامية المتطرفة ستواجه التحدي الكبير فيما لو رحلت القوات الامريكية وسوف لن تكون في مأمن من المخاطر لان اغلب دول المنطقة تشبه الى حد كبير في تركيبتها الاجتماعية العراق وبالاخص سوريا البعثية وخاصة اذا ما عرفنا ان الاكراد في العراق حصلوا على تحررهم وهذا ما سيساعد على قيام المقاومة الكردية في ايران وتركيا ايضا . كما ان الانسحاب الامريكي من العراق سيترك الساحة فارغة امام ايران لتحل محله وتصبح المستفيد الاول من الفشل الامريكي . ومن خلال الاكثرية الشيعية في العراق ستحصل ايران على نفوذ سياسي كبير فيه خاصة بعد ان يشعر الايرانيون انهم تخلصوا من النفوذ الامريكي الذي كان يمنعهم من تنفيذ تطلعاتهم . وان اكبر دليل على ردود الفعل من هذا التيار الشيعي هو خوف الطوائف السنية رغم اكثريتها وقوة نفوذها وسيطرتها في المنطقة العربية. ان الاردن كان اكثر من تعرض للرعب عندما حذر الملك عبد الله من الهلال الشيعي الممتد من العراق والجنوب اللبناني الى الاردن وطالب ببناء الجدار السني في العراق لصد هذا الخطر في عقر داره . كما ان الخطر الاكبر القادم هو في مسعى ايران الحصول على الاسلحة النووية الذي يحظى بشعبية واسعة عند العرب لانهم يعرفون ان ليس لدى اي حاكم عربي الجرأة بالوقوف في وجه القوى الاستعمارية الغربية المنافقة التي تؤيد حصول اسرائيل واحتكارها للقوة النووية وتمدها بالدعم المستمر . ومن جهة اخرى لم يستفد احد بقدر ما استفادت اسرائيل من خلال المغامرة الامريكية في العراق . ومن خلال الانسحاب الامريكي والفشل في العراق ستصبح اسرائيل اكثر قمعا ضد الفلسطينيين واكثر استعدادا للقيام بعمل عسكري ضد ايران. واذا ما قامت امريكا بعمل عسكري ضد ايران على غرار ما قامت به في العراق , فستكون النتائج وخيمة وستنتشر عواقبها في كل المنطقة. ومما لا شك فيه ان جواب ايران من خلال حلفائها الشيعة والاسلاميين الاقوياء في انحاء المنطقة سيكون هو الاخر مدمرا مثلما تتوعد ايران باستمرار في ذلك . ( نشرت هذه المقالة من قبل الصحفي ديفيد هيرست في صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 13 يناير 2006. و قمت بترجمتها ونشرها في عدة صحف في حينه الا ان ما تجري عليه الامور المضطربة باستمرار في العراق اليوم وجدت من المهم والمنطق ان نعود الى تنبؤات الخبير فولكر ونضع امامنا ما كتبه لنا من تصورات عما سيصل اليه العراق هذا اليوم علما ان القوات الامريكية رغم انسحابها رسميا عام 2011 من العراق في عهد الرئيس الامريكي اوباما , الا ان ذلك الانسحاب كان صوريا والواقع اليوم يقول لنا ان الاحتلال الامريكي ما زال على وضعه بعد ان كشفت لنا المواجهات العسكرية ما بين القوى الشيعية الموالية لايران والقوات العسكرية الامريكية المتمركزة في العديد من قواعدها المنتشرة في العراق واخيرا وصول التحدي ضد السفارة الامريكية في بغداد التي استهدفت بالقصف الصاروخي لعدة مرات وهذا دليل على ان رغم تغير الوجوه في ادارة الحكم في العراق من الحاكم بريمر الى عدة رؤساء وزارات عراقيين عملاء لامريكا ولدول غربية اخرى ويأتمرون باوامر ايران مثلما شاهدناه على المسرح العراقي منذ اربعة عشر عاما من تاريخ نشر المقالة وحتى اليوم , الزمن الذي دلل على فشل مخططات الادارة الامريكية في تحقيق الاستقرار في العراق بل وازديار المخاطر فيه الامر الذي كشف عن زيف وخداع و اكاذيب الادارة الامريكية في تحقيق مشروعها لتطبيق الديموقراطية في العراق .
وبناء على ذلك ولاطلاعي المستمر منذ الايام الاولى للاحتلال على الكثير من المنتقدين لسياسة الادارة الامريكية وتوقع فشلها الكبير في تحقيق مشروعها الامبريالي لبناء العراق وزرع الديموقراطية فيه , بدأت فورا في الاعداد لتاليف كتابي الذي وصلت الى نشره عام 2008 تحت عنوان : احتلال العراق ومشروع الاصلاح الديموقراطي الامريكي حقائق واوهام , الذي واصلت فيه مؤكدا على ما جاء في تنبؤات فولكر وما صرح به العديد من الاساتذة والسياسيين المختصين المستقلين والامناء من الكتاب والصحفيين العرب والغربيين حول موضوع فشل امريكا في مشروع احتلالها للعراق وتطبيق ديموقراطيتها فيه ولنا الادلة واضحة في ما يجري من فوضى مستمرة على الساحة العراقية منذ الاحتلال وحتى اليوم ولربما يسمح لي القارئ ان اذكر ما ورد في كتابي من تصريح للاستاذة ان خوا استاذة القانون الدولي من جامعة ييل في امريكا وله علاقة في موضوع البحث المنشور في صحيفة اللموند الفرنسية بتاريخ 8 نوفمبر 2004 التي ذكرت تقول : ان تطبيق الديموقراطية في العراق وصفة ساذجة ترى فيها الادارة الامريكية علاجا لامراض العراق والعالم العربي وستقود العراق الى الرخاء والاستقرار . لكن الحقيقة انها ستقود العراق الى مزيد من الكراهية والعنف والتمييز العنصري لان المسلمين السنة هم الاقلية الذين كان يقربهم صدام حسين بينما الاكثرية هم من المسلمين الذين يمثلون طبقة الفقراء الشيعة الى جانب الاكراد الذين تم قمعهم من قبله بالامس .اما اليوم فسيكون لهم الحق في تولي الحكم وادارة شئوون البلاد . اننا نرى الفوضى بعينها. اما الصحفي الامريكي فريد زكريا فقد كتب في النيوزويك الامريكية بتاريخ 31 مارس 2003 يقول : ان بناء العراق على النموذج الياباني والالماني لما بعد الحرب العالمية الثانية ليس من الممكن تطبيقه فيه وانه سرعان ما سيتعرض للهجوم عليه من قبل العراقيين لانه يمثل الاستعمار الحديث بالنسبة لهم وسيكون عرضة للاستغلال وانتشار الفساد منقطع النظير في العراق .
وبالاضافة الى الكثير من الادلة المؤيدة على ما ذكره الخبير فولكر او الاستاذة ان خوا او الصحفي زكريا واخرون على ذلك
نرى اليوم بكل وضوح كيف سقط العراق مقسما ضحية للمحاصصة المتمثلة في القوى الحزبية الشيعية ومليشياتها من الحشد الشعبي المدعومة بقوة المال والسلاح من ايران وفي اخرى سنية مدعومة من العرب السنة كالسعودية ودول الخليج الكارهين لشيعة العراق والداعمين لخرابه واخرى كردية كارهة لعرب العراق والمدعومة من اسرائيل وامريكا مباشرة ومن امريكا نفسها المحتلة حتى اليوم التي تواصل اعمالها من اكبر سفارة في العالم لها في بغداد اضف الى كل ذلك القوى البعثية المعشعشة في اجهزة الدولة الجديدة المتربصة بالعراق شرا لتعميق المأساة التي يعيشها العراقيون الى جانب قوى الارهاب لدولة الخلافة الاسلامية داعش التي ما زالت تجول وتصول تدميرا في اجزاء اخرى من العراق بعد انقاذ الموصل منها كذلك نضيف استهتار تركيا الحالمة بالخلافة العثمانية في هجومها السافرالمستمر على شمال العراق واخيرا وليس اخرا هجوم العدو الجديد من فايروس كورونا الذي اصاب الكثير من العراقيين ومؤسسات الدولة بالشلل وعرضهم رغم التضحيات الجسيمة التي قدموها لخطر الموت المباشر كل يوم واعاق العراقيين الابطال من مواصلة مظاهراتهم احتجاجا على الاوضاع السيئة في العراق . فياترى اهذا هو المصير الذي ارادت امريكا ان يصل اليه العراق وما هي الحلول السحرية التي ستاتي بها لانقاذه ؟ فهل جاء الامل بوصول السيد الكاظمي لسدة الحكم في العراق الذي واجه اكبر صدمة في مسيرة حكمه القصيرة عندما اغتالت ايدي الشر الخبير العراقي في قضايا الإرهاب هشام الهاشمي رحمه الله امام منزله ببغداد الحدث الذي ذكرني باغتيال مدير مدرستي في ثانوية الاعظمية ببغداد عام 1960 الاستاذ ممدوح الالوسي رحمه الله بايدي الشر البعثية امام منزله ببغداد ايضا ؟
وفي الختام وبعد كل ما تم ذكره يخطر على بالي ما جاء على لسان الشاعر العراقي البعثي عبد الرزاق عبد الواحد رغم اني لا احب ان اذكر بعثيا بخير او معروف ولكن من يتالق في الادب اوالفن اوالمسرح اوالشعر يجيز لي ان ابقى على الحياد في قصيدته التي تنطبق اليوم على الحال المأساوي الذي وصل اليه العراق وهي بعنوان : شهقات على العراق التي اذكر ابياتا منها
متى من طول نزفك تستريح ..... سلاما ايها الوطن الجريح
تشابكت النصال عليك تهوى ..... وانك بكل منعطف تصيح
وضج الموت في اهليك حتى ..... كأن اشلاؤهم ورق وريح
تعثر اهله بعض ببعض ..... ذبيح غاص في دمه ذبيح
لذا ستظل تنزف دون جدوى..... ويشرب نزفك الزمن القبيح

عضو نادي الاكاديمية الدبلوماسية -فيينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟