الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمال البناء.. أقسى اغتراب وأقصى استغلال

ماجي صباغ

2020 / 7 / 12
الحركة العمالية والنقابية



“اليوم عمري ٢٣ سنة ما عندي بيت ما عندي أرض ما عندي أي شي وحتى التفكير بالأيام تايصير عندي بيت مستحيل”.

جاءت هذه الكلمات على لسان أحد عمال اليومية السوريين الذين يعملون في قطاع البناء في لبنان خلال الفيلم التسجيلي Bread and Iron للمخرجة والناشطة النسوية دارين حليمة. يصور الفيلم حياة هؤلاء العمال في الغرفة الخشبية التي يبيتون فيها أسفل البناية الشاهقة محل عملهم والمملوكة لأحد أشهر مصممي الأزياء، ويتشاركون فيها طعامهم وأوجاعهم وأحلامهم التي لا تتحقق.

إن أصدق وصف لما نراه عن حال هؤلاء العمال هو تعبير: “أجساد مهانة وأرواح مدمرة”، فهذا طفل لم يتجاوز الخامسة عشرة ترك عائلته مدفوعًا بالفقر والاحتياج ليعمل في مهنة “الفاعل” ليعين أسرته “لساتني صغير ماعندي حلم”. وذاك العجوز في السبعين وذلك الشاب الذي أمضى في هذه المهنة الشاقة سبع سنوات لم يدخر أي أموال ليحقق حلمه ببناء بيت له قام برسمه بنفسه وحساب تكلفة بناؤه التي لن يستطيع توفيرها ليظل البيت مشيد على الورق فقط. وذاك الرجل الذي أمضى 15 عامًا من عمره يعمل في الفاعل استطاع أن يبني غرفتين ليتزوج وينجب طفلًا بالكاد يوفر له الحليب.

ان عامل البناء يقضي سنوات عمره في بناء بيوت لا يمتلكها ولا يستطيع حتى بناء بيت خاص به فهو مفصول تمامًا عما ينتجه وهذا أشد أنواع الاغتراب الانساني الذي عبر عنه ماركس إذ لا يمتلك العامل السيطرة على ما ينتجه لأنه مجبر على بيع قوة عمله للرأسمالي مقابل أجر لا يتناسب مع عمله وانتاجه إنما فقط يبقيه على قيد الحياة. الفرق بين ما ينتجه العامل وما يحصل عليه من أجر هو الربح الذي يحققه الرأسمالي.

لن يختلف حال عمال البناء المصريين عن زملاء كفاحهم السوريون وربما لو اتيحت لهم الفرصة للتعبير عن حالهم لسمعنا قصصًا مشابهة أو أكثر مأساوية. نراهم يفترشون وأدواتهم أرصفة الميادين منذ الصباح الباكر في انتظار أحد مقاولي الأنفار ليحملهم حيث مكان العمل.

طبقا لتصريحات المتحدث بأسم وزارة الإسكان يقدر عدد عمال البناء في مصر حوالي من 3.5 مليون الى 4.5 مليون عامل بينما العدد الرسمي طبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للمشتغلين في أعمال التشييد والبناء في القطاع العام والأعمال العام في النشرة الصادرة عام 2018 يبلغ 118 ألف عامل فقط أي أن ما يزيد عن 95% من عمال البناء والتشييد يعملون في شركات القطاع الخاص والغالبية العظمى منهم تعمل من خلال مقاولي الباطن.

تجتذب هذه المهنة أعدادًا كبيرة من أبناء الفقراء حيث تتوافق إمكانياتهم ومهاراتهم المحدودة متطلبات هذه المهنة التي لا تحتاج سوى قوة العامل البدنية التي يبيعها للمقاول ليؤدوا الجزء المتدني والشاق من عملية البناء. فيعملون عدد ساعات أطول ويتقاضون أدنى الأجور. فعمال البناء هم جزء من الطبقة العاملة غير المنتظمة يدخلون بقوة وبأعداد غفيرة وقت ازدهار هذا القطاع ويخرجون من منه وقت الركود. يطلق كارل ماركس على هذا الجزء الموسمي وغير المنتظم من الطبقة العاملة “الجيش الصناعي الاحتياطي”.

للجيش الصناعي الاحتياطي دور أساسي في في عمل رأس المال ونمو الثروة حيث يستخدم الرأسمالي هذه الفئة المستبعدة من العمالة المنظمة في الضغط على العمالة المنتظمة وإرغامها على أداء عمل أكثر ومساومتها وتهديد العمال أحيانا باستبدالهم فورًا بهذا الجيش من العاطلين المنتشرين على قارعة الطريق.

ومن هنا نجد الدور المهم الذي تلعبه هذه الفئة من العمال المحرومين من الامتيازات التي تتمتع بها العمالة المنتظمة -من عقود العمل والتأمينات- في نمو رأس المال وتحقيق التراكم الذي يضمن استمرار عمل الرأسمالية، فهم من ناحية متوفرون بكثافة وقت ازدهار قطاع المقاولات بأقل الأجور مع الحرمان من أي ضمانات ومن ناحية أخرى أداة ضغط على القطاع المنتظم من الطبقة العاملة لتحجيم تحركاتهم في اتجاه تحسين أوضاعهم.

غير أن وجود تنظيمات تجمع هذه الفئة من عمال البناء وتعبر عن مصالح هؤلاء المقهورين والمستغلين بأقصى درجات الاستغلال في مواجهة أصحاب العمل لهي ضرورة ملحة . فقد لعبت تنظيمات عمال البناء من نقابات واتحادات في أوروبا دورًا ساعد كثيرًا في تحسين أوضاعهم.

مثلًا النقابة الأوروبية لعمال البناء ونقابة عمال البناء الألمان IG BAU واتحاد عمال البناء في السويد استطاعوا التصدي للانتهاكات التي يتعرضون لها على سبيل المثال إبرام عقود مزيفة والاستقطاع من الأجور وعدم دفع التعويضات الاجتماعية كما دخلت في مفاوضات مع أصحاب الأعمال لزيادة الأجور وتطبيق القواعد والشروط الخاصة ببيئة العمل.

فعلى عمال البناء العمل على تنظيم أنفسهم في سبيل الحصول على أبسط حقوقهم التي طال انتهاكها. فقد تُصب اللعنات وتنهال الشتائم على المقاول الذي ظهر في الفيلم نظرًا لجشعه واستغلاله العمال الفقراء، والاستقطاع من أجورهم وطردهم في حالة عدم الالتزام بمواعيد إنهاء المهام التي يحددها، دون مراعاة احتياجهم الشديد للمال القليل الذي يدفعه لهم ولكن في الحقيقة ليس هذا المقاول فريدا من نوعه، ولكنها آلية عمل الرأسمالية القائمة على الاستغلال بشكل عام والمغالاة في استغلال الطبقات الأضعف لضمان استمرارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصوات من غزة| في يومهم العالمي.. العمال يعانون البطالة وقسوة


.. لمن ستذهب أصوات العمال الأميركيين في الانتخابات المقبلة؟




.. كل يوم -د. أحمد غنيم لـ خالد أبو بكر: قانون التأمين الصحي ال


.. الشرطة في جورجيا تفرق محتجين حاولوا اقتحام البرلمان احتجاجا




.. العالم الليلة | عنف الجامعات يثير انقساماً في أميركا.. وجورج