الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشيخوف .. انبثاق السعادة من قلب المأساة

سيف عبد الكريم الربيعي

2006 / 6 / 26
الادب والفن


بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة). انطون تشيخوف

هذا ما قاله ملك القصة القصيرة والفنان المبدع انطون تشيخوف عن حياته وموقع ادبه منها، فبين قسوة الاب والفقر ومرض السل فيما بعد، تأرجحت شخصيته..ولد انطون بافلوفيتش تشيخوف في سنة 1860 في بلدة( تاجانروج) الفقيرة المعدمة الواقعة على بحر الخرز جنوبي العاصمة الروسية موسكو لاسرة تجد صعوبة شديدة في تدبير أمور حياة اطفالها الستة، لذلك عمل افرادها في خدمة الطبقة الاقطاعية، وكتب تشيخوف عن تلك الحالة المأساوية: “ كنا نحن الاطفال نشعر وكأننا محكومون نؤدي عقوبة طويلة الاجل من الاشغال الشاقة “ وقد عانى في طفولته من قسوة الاب المتزمت حيث وصف ذلك بقوله” بدأ أبي بتعليمي، او بعبارة ابسط بدأ يضربني قبل ان ابلغ الخامسة من عمري “... كان اول مايخطر لي حين استيقظ في الصباح هو : هل سأضرب هذا اليوم؟ “ .. وفي موضع اخر يعلن تشيخوف :” لم انعم بأية طفولة في طفولتي ! “
مزيج من مشاعر القرف والتمرد والاستسلام، تنازع تشيخوف وهو يجد نفسه مقيداً باغلال الاحباط، ولكن مشاعره السامية تغلبت على كل تلك الانطباعات المؤلمة في حياته، فنجد اعماله الادبية والفنية تنجرف نحو اللين والرفق الذي افتقده في طفولته المجهدة.
وفي سنة 1879 التحق تشيخوف بكلية الطب التابعة لجامعة موسكو وخلال تلك المرحلة بدأ بنشر عدد من القصص القصيرة في صحيفة( سانت بطرس بيرج) ليذيع صيته ككاتب معروف في سنة 1886.
وبعد تخرجه عمل في مهنة الطب حتى سنة 1892. هكذا جمع بين مهنة الطبيب ومهنة الكاتب، اذ يقول:” أشعر بتيقظ ونشوة اكبر حين ادرك بأنني امتلك مهنتين وليس مهنة واحدة. فالطب هو زوجتي الشرعية، اما الادب فهو عشيقتي. وحين امل احداهما فإنني اتوجه الى الاخرى لاقضي الليلة معها “.
اما اعماله التي تعد بالمئات، فكانت صورة مطابقة لحياته المتسمة بالكثير من المفارقات، اعتمد فيها البساطة والصدق والوصف المقتصد والدقيق وعدم الابحار في وجهات النظر فتأتي النهايات مفتوحة وللقارئ فرصة التأويل، محطماً بذلك الاعراف الادبية السائدة، لذا لقب بمؤسس القصة القصيرة، وقد جاءت اعماله ملمة بكل مامر به ابتداء من الطفولة وحتى المرحلة التي بين عامي 1880 و1900 اي الفترة التي مرت بروسيا ظروف صعبة، فوضعت بصمات واضحة على اعمال تشيخوف، التي جاءت مأساوية مطرزة بالتذمر من الحياة الرتيبة للطبقة البراجوازية الرثة، وهو يقول على لسان احد ابطاله في مسرحية” الاخوات الثلاث “ الناس هنا لايفعلون شيئاً سوى الاكل والشرب والنوم. ولادخال بعض التنوع على حياتهم وليتجنبوا الملل فانهم ينغمسون في النميمة التي تدعو للاشمئزاز، وفي شرب الفودكا والمقامرة، كل هذه الفظاظة والتفاهة تسحق الاطفال وتخمد اية جذوة لديهم، لذا يتحولون هم ايضا الى مخلوقات بائسة نصف ميتة، يماثل احدهم الاخر تماما ويصبحون مثل آبائهم وأمهاتهم . “
ويقول(( هنري ترويا)) الذي يعتبر من أفضل من كتب سيرة تشيخوف واصفا اعمال تشيخوف الادبية والمسرحية “ ان هذه الاعمال بمجموعها تشكل بانوراما لم يسبق لها مثيل في الحياة الروسية. فجميع الطبقات الاجتماعية في المجتمع الروسي، من الفلاح الى القس، ومن استاذ الجامعة الى الحوذي، ومن الطالب الى التاجر، كلهم يجدون لهم مكاناً في هذه الكوميديا الانسانية. وقراءة قصص تشيخوف ومسرحياته تماثل القيام برحلة على متن دوامة سريعة تنقل القارئ في ارجاء روسيا في اواخر القرن التاسع عشر برفقة دليل صافي التفكير، رابط الجأش يطلعك على كل ما هنالك ولكنه يتجنب التعليق. “
وفي مجال المسرح ابتدع تشيخوف مسارا جديدا مغايرا للتقاليد السائدة، حيث لاتتضمن مسرحياته من الاحداث الا القليل، وقد كتب للمسرح اربع مسرحيات هي:( النورس )؛ و(الجد فانيا)؛ و(الاخوات الثلاث) ؛ و( بستان الكرز)؛ وكان له اسلوبه المتميز في الدراما السيكولوجية التي يلعب فيها الانفعال الداخلي دوراً مهماً. وفي المجال ذاته التقى تشيخوف بالممثلة الشهيرة، آنذاك،(( اولغا ايوناردوفنا كنيبر) ، وسرعان ماربط الحب قلبيهما. واقنعته في النهاية بدخول عش الزوجية، وهو في الحادية والاربعين من عمره، اي قبل ثلاث سنوات فقط من وفاته.. ويقول(ستانيسلافسكي) الذي يعتبر ابا للمسرح الروسي الحديث في كتابه” حياتي مع الفن “ لا تتضح القوة الشعرية لمسرحيات تشيخوف بجلاء لدى قراءتها الاولى. فبعد ان تنتهي من قراءتها تقول لنفسك: جيدة، ولكن ليس فيها شيء خاص، شيء يدير الرأس اعجاباً. بل ان القراءة الاولى قد تكون مخيبة للآ مال احياناً، اذ تشعر بأنك غير قادر على ان تبدي فيها رأيا محدداً. الا انك ما ان تستعيد بعض العبارات والمشاهد في ذهنك حتى تشعر بأنك تود ان تمضي التفكير فيها من جديد، وحينذاك تدرك مدى العمق الذي يختفي تحت السطح الخارجي..
وقال تولستوي عنه عند وفات تشيخوف:” لقد أسس تشيخوف اشكالا جديدة لفن الكتابة في العالم اجمع، لم ار مثلها في اي مكان آخر. وبعيدا عن كل تواضع مزيف اؤكد ان تشيخوف ارفع مني بكثير “ ويضيف (جوركي):” تلتمع في عينيه الرماديتين الحزينتين بشكل شبه مستمر نظرة سخرية رقيقة. الا انها تتحول احيانا لتصبح باردة حادة قاسية، وحينذاك تتسرب الى صوته الرقيق الودود نبرة حادة، ويتراءى لي عندئذ بأن هذا الانسان الرقيق المتواضع يستطيع الوقوف في وجه اية قوة معادية، وان وقفته هذه ستكون صلبة لاتلين. “








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال


.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب




.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان