الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتأثر التعلّم وتحصيل المعرفة باستخدام اللغة؟

سماح هدايا

2020 / 7 / 14
الادب والفن


هل يتأثر التعلّم وتحصيل المعرفة باستخدام اللغة؟
التعلّم هو مجرى المعرفة، واللغة أهمّ أركانها؛ فهي مفتاح الاتصال والتّواصل، وهي الفهم والإفهام. يطوّر الإنسان لغة الكلام، في أثناء نموّه الجسدي والمعرفيّ؛ لكي تكون أداةً فعالة في تواصله وبناء منظومة تفكيره وتحصيله. فكلّما زاد وعيه اللغوي بالمفردات والمعاني والمفاهيم والمصطلحات، وأجاد في استعمالها شفويًّا وكتابيّاً، بلغ الفهم لديه مرحلة أعلى واتسعت قدراته في التواصل والتّفاعل والتأثير وإبلاغ رسالته.

للأسف، هناك ضعفٌ عام واضح في استخدام اللغة العربية، وفي مختلف المجالات التعبيريّة، خصوصا لدى الشباب والأطفال، وهو متعلق، إلى حد كبير، بسوء تعلّمها في المدارس والكليات والجامعات، وسطحيّة استخدامها إعلاميا. كما إن هيمنة العامية الضحلة وأميّة الثقافة على مختلف أشكال التواصل الاجتماعي اليومي، والجهل بجيد الإرث الفكري والأدبي له تأثير كبير في تدهور اللغة العربيّة، فقد أفقدها الحيوية وأضعف الإحساس بها إلى درجة تفضيل عدم التعلم بها والإحجام عن استخدامها في مجالات العمل والتواصل المهني لفقدان الثقة بها علميّا وثقافيا أمام اللغات الأجنبيّة المتفوّقة عليها بمرونة الاستخدام وحيويته وعدم التمكن فيها. واقع الوهن التي أصابت استخدام للغة العربيّة، يفرض على أهلها إعادة النظر في طريقة تعليمها والغاية والغرض من تعليمها وأساليب تنشيط التعبير بها، خصوصا، أنّ للزمن الحالي أغراضه المستجدة، ويتطلب استراتيجيات وآليات جديدة في عمليتي التعبير اللغوي والإنتاج المعرفي.
مشكلة اللغة العربيّة ربما تشتدّ تعقيدا لدى الذين يعيشون في المهجر؛ فهم يتعلمون ويعملون ويتعايشون بلغات أخرى، وقد لا تتمكن أسرهم من توفير أجواء مناسبة لتعليم اللغة وتطوير مهارات تواصلهم بلغتهم الأم بشكل مناسب: ما ينذر بخطر يتعدّى مفهوم اللغة كلسان ليصل إلى ذاتية الإنسان وتوازنه الثقافي والوجداني بشروخ عميقة، وقد لا يجدي معه نفعا ما يفعله بعض المهاجرين بفرض تعليم قسري جاف وديني على أولادهم للحفاظ على الهوية، أو الاقتصار على استخدام اللهجة العامية كتعويض عن اللغة الفصيحة. أما الانسلاح عن اللغة الام واعتماد لغة أخرى هرباً من تعقيد المسألة وصعوباتها، فسيؤدي إلى انفصال ثقافي ومزيد من التناقض. المهاجرون يواجهون تحديات كثيرة متعلقة بالهوية الذاتية والثقافية تتطلب من التجمعات العربيّة استيعابها والعمل على إنماء لغة أبنائهم وثقافتهم من خلال مراكز ثقافية متخصصة وعالية الجودة وباعتماد برامج تعليم حيوية جذابة للغة العربيّة.
لكي تبقى اللغة حيّة صالحة للعصر وتواكب الحضارة ، يجب أن تنمو باستمرار، وعلى متكلميها وعلمائها تطويرها وتنمية وظائفها. لغتنا العربيّة ليست وليدة قرن، فهي عريقة وعمرها آلاف السنين، وليست عقيمة علميّاً؛ فقد أنشأت مجداً حضاريّا عظيماً وتراثاً زاهياً علما وفكرا وأدباً، وما نراه حاليّاً من قصور؛ فنتيجة الركود المعرفي للإنتاج العربي، و لعدم فهمها واستخدامها على الوجه الصحيح، وهي بأمس الحاجة لنظرة نهضوية تعلميّة وتعليميّة في أساليب التعليم والاستعمال اللغوي الجيّد علميّاً وعمليّاً ومعرفيّاً. النجاح لا يقتصر قياسه على الإعراب وشرح النصوص، بل يتعدّى ذلك إلى مجالات المعرفة والتعبير المختلفة، وإلى جهات العاطفة والعقل، فقوة الحياة بالمعرفة والتوازن، ولا يمكن تحصيل المعرفة إلا بلغة سليمة حيّة، ويأتي التوازن من الثقة بالذات والرضا عنها.
هناك اجتهاداتٌ عربيّةٌ كثيرة وأصيلة في تطوير تعليم اللغة العربيّة؛ لكنها منفردة ومشتتة وتحتاج للتآلف والتعاون للعمل وفق استراتيجية عمل مجتمعيّة متواصلة حتى تحقق اليقظة اللغوية التي تقود إلى نهضة شاملة في اللغة والثقافة والعلم. عملي المهني في تعليم اللغة العربية، ووجودي في المهجر، وضعاني وجها لوجه أمام مشاكل تعلّم وتعليم اللغة العربية، وهي شائكة وإشكاليّة، وأستطيع أن أقترح، وفق تجربتي بعض الحلول التي جربتها وكانت مفيدة لي، وربما تنفع ولو بمقدار ضئيل في مجال تطوير تعليم اللغة العربية:
1- دوام تزويد المتعلّم للغة، بأشكالٍ معرفيّة وبمعلوماتٍ مختلفة جديدة ومتطوّرة، في مجالات معرفيّة متنوّعة مهمة، وبأسلوب جذّاب مرتبط باهتمامه وبمسائل واقعه الحاضر ومافيها من أسئلة ومشاكل، فاللغة أكبر بكثير من تحديدها بدروس النحو والإعراب والحفظ والتلقين.
2- تنمية الثقافة في أفكار ومفاهيم متعلّقة بالثّقافة المحليّة، والثّقافة القوميّة، والثّقافة الدينية وثقافات العالم، وإخضاعها للنّقاش وإثارة الأسئلة من أجل تقديم رؤية متجدّدة ومتطوّرة لمعرفة الهويّة وثقافتها؛ فوعي الاختلاف والتّشابه بين الثّقافات أمر في غاية الحيوية ويثري اللغة حين يتم صقله واستحداثه بشكل طريف.
3- تنمية النقد والتأمّل من خلال بحث معرفيّ لا يتوقّف وتساؤل مستمر يطوّر وعي الإنسان، فيبني معرفته التّأملّيّة ومعتقداته في ضوء النقد بعيداً عن الأهواء الذاتيّة والتحيّز باستخدام أساليب التّيقن والأدلّة، والفحص والتّدقيق.
4- توطيد الصلة بين اللغة والفنون من خلال الأنشطة الكلاميّة المختلفة، منطوقة ومكتوبة؛ كالشعر والأدب والمسرح والغناء لإيصال الأفكار والمعاني وإثارة العاطفة وصور الخيال التي تشحن الفنون. إنّ إبداع الأدب والشعر والغناء والمسرح يرقّي كفاءة اللغة ورمزها ومجازها.
5- تشجيع القراءة الهادفة والبحث والمناظرة. فالزّاد اللغوي المعرفي يتكوّن بخبرة الاكتشاف التي تثري لغة الإنسان وتقوّي تعبيره وطلاقته ورؤيته.
6- الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات في تطوير التواصل، وتوظيف اللغة في مجالات مراسلة الأعمال والتقارير والوثائق، وفي مجالات الكتابة العلميّة والعمليّة العصريّة، كذلك في مجال الإعلانات ومنشورات التواصل الاجتماعي لكي تكون اكثر إقناعاً وتأثيرا. كما يمكن استخدام التعليم عن بعد والاستعانة بالمقاطع المصورة والأغاني والمكتبات والمواد الأدبية والعلميّة الالكترونيّة لتمكين التعلّم والتعليم بالعربيّة.
لا نستطيع مواكبة العالم الجديد من دون أن نجري تطويرا وتثويرا في التعليم اللغوي؛ بجعل اللغة أداة فاعلة في تكوين الوعي والمعرفة والتواصل، وفي التذوّق الفنّيّ والإبداع. اللغة هي حاملة الثّقافة بين الأجيال، ناقلة التراث وخبرة الأجداد، وهي التي تحتضن هوية الأمّة المعرفيّة والوجدانيّة وتعلي من شأنها.
يقول ابن خلدون: "إن َّ غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن ٌ منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي