الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق اليسار العربي وعطالة الأيديولوجية

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 7 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


آفاق اليسار العربي وعطالة الايديولوجية
العدالة والمساواة والمواطنة، هي الحلم اليساري الذي كان يطفو على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أبان الثورات الشعبية في أوروبا، مهد اليسارية وظهور تشكيلاتها المختلفة. فاليسار، مصطلح يمثل التيار والشكل والطيف، الفكري والسياسي الذي يسعى الي تغيير المجتمع وتحسين سبل العيش. وتاريخيا، يرجع أصل هذا المصطلح الي الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ذلك التغيير المتمثل بالتحول الي النظام الجمهوري والعلمانية. بينما يمثل تيار اليمين، ماهو عكس اليسار، بمعني التأييد الفكري والسياسي والاجتماعي للملكيات والارستقراطيات والقوميات والتقاليد. وكان ترتيب أماكن الجلوس في البرلمان، لمن يؤيد مثل هذه التوجهات على يمين البرلمان. وعلى عكس التيار اليساري، كان تيار اليمين يؤمن بالطبقية، والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الاغنياء والفقراء. واستمرت الي اليوم، في البرلمات الغربية والأوروبية، نفس طريقة الجلوس لليسار السياسي واليمين السياسي.
لكن، ومع مرور الوقت، ومع ظهور قوى سياسية وفكرية معارضة داخل تشكيلات الفكر اليساري، شهد اليسار عدة تحولات وتغيرات، مثل بروز مسميات اليسار المتطرف، الذي انضم تحت لواءه الفكر الشيوعي المتطرف. أما يسار الوسط، فقد انضم تحت لواءه الاحزاب الشيوعية الديمقراطية. وكلها ترمز وتعني اتخاذ مواقف سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة. الا انها لا تخرج عن عباءة الفكر السياسي اليساري. ولم تشهد الساحة السياسية الدولية وصول الاحزاب اليسارية المتطرفة اليمينية الي الحكم، لقلة مؤيدين التوجهات المتطرفة، ولإستقرار الدول والنظم الديمقراطية في الغرب، وخصوصا في أوروبا، حيث أن تلك الدول قائمة حاليا على التعايش والاختلاف والرفاه الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. ورغم ما تغير بعد أحداث سبتمبر، وبعد ثورات الربيع العربي، وما يشهده العالم اليوم بعد جائحة كورونا، إلا أن اليسار المتطرف لم يشهد فوزا ساحقا في أي انتخابات رئاسية، وإن حصل ذلك، فهو لا يعدو كونه الا تحالفا مع تيارات الوسط لفترات محدودة لا تؤثر على شكل الحكم وتوجهه السياسي والفكري.
بينما، وما نريد أن نتناوله في هذا المقال، هو اليسار العربي، وماهي نجاحاته واخفاقاته؟. وهل شكل فعلا التقليد الأعمى لليسار الغربي؟. أم انخرط في قضاياه ومشاكله العربية والقومية؟. وهل مازال اليسار العربي حلما للشباب العربي والاحزاب السياسية في خلق الثورات وإزاحة نظم الاستبداد التي يطلق عليها اليسار الرأسمالية الطفيلية؟..
لقد دخل اليسار العربي، بمختلف تشكيلاته (القومية، الماركسية، الاشتراكية) الي الوطن العربي منذ عشرينيات القرن الماضي، وانخرط في النضال آنذاك ضد الاستعمار وتحرير البلدان العربية من براثن القوى الغربية المحتلة لغالبية الوطن العربي. وكان اليسار العربي في ذلك الوقت، يمثل في مخيلة الشعوب العربية، المخلص والكاريزما والمهدي المنتظر في المخيال الديني، لما تحمله الافكار اليسارية من مبادئ وقيم تحررية وديمقراطية وعدالة اجتماعية، والتحول الي الدولة الوطنية المدنية. لكن أين اليسار العربي اليوم من يسار الأمس؟. وهل شهد اليسار العربي انتكاسات في مفاهيم الحريات والدين والعدالة الاجتماعية ودعم الأنظمة العسكرية، وغيرها من قضايا لا تزال محط نقاش وجدال أمام ما برز على الساحة العالمية من افكار حداثية وعولمة وتقدم الرأسمالية وتفوق العلمانية وانهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي القديم؟.. في الواقع شكلت الافكار اليسارية مرحلة وقتية لم تثبت جدارتها واستمراريتها في الوطن العربي، لكونها تجربة تقليدية غير منتجة، ولانها نسخ تراثية للأفكار اليسارية الغربية. نظرا لما شاب ايديولوجية اليسار العربي من عصبية وانغلاق وجمود حول افكارها وعدم قدرة اليساريين العرب على الفكاك من ايديوليجية الاجداد والمؤسسين. بل اتخذ بعضهم، ونكاية لما اعتبروه من تفوق العلمانية والليبرالية الغربية، في دعم الانظمة السلطوية والدولة العسكرية، كمسار يعزز تواجدهم داخل تلك الهياكل القمعية بحجة مقاومة الوحشية الرأسمالية. وبهذا انشغل اليسار العربي، بدلا من تحرير الانسان العربي وترقية الوعي التحرري الديمقراطي العلماني، انشغلوا بمناكفة الرأسمالية والتعددية والديمقراطية، باعتبارهم ادوات ليبرالية تهدف الي السيطرة السياسية على ارادة الشعب. وانشغل اليسار العربي، في عهد الانظمة الشيوعية والاشتراكية العربية قبل فشلها سياسيا، بمحاربة ومقاومة البرجوازية والملكيات الفردية والاسواق المفتوحة والديمقراطية الاقتصادية التي تعزز الفردية والاستقلالية والملكية، في سبيل توطين الافكار اليسارية، في ضرورة التأميم العام وقيادة الشعوب لمصيرها وبناء الاقتصاد الاشتراكي القائم على الملكية العامة لوسائل الانتاج المجتمعية. والمرعب في افكار اليسارية المتطرفة، بانها تعتبر الديمقراطية التعددية مجرد وسيلة للإنقضاض على السلطة، وإن صناديق الاقتراع ماهي الا وسيلة للوصول الي السلطة وبالتالي فرض الاشتراكية على الدولة والشعب في آن واحد. وهنا تتشابه هذه الافكار الفاشية، مع التيارات والجماعات والاحزاب الإسلامية في شيئين: الأول، اعتبار الديمقراطية الاقتراعية مجرد وسيلة للوصول الي دولة الخلافة الاسلامية، وثانيا، أن النظرية الشيوعية أو الاشتراكية صحيحة دائما، وأن الفشل بالتطبيق. وهنا غاب عن منظري اليسار والاشتراكية، مفهوم الفردانية والحريات الشخصية. فما فائدة العدالة الاجتماعية في الدولة، بينما يعيش أفرادها ومواطنيها تحت سلطة ونير الاضطهاد والتشابه والتناسخ والقمع.
في الواقع، ظل اليسار العربي يحلم باستنساخ تجربة كوبا والصين وكوريا الشمالية اليوم وقمعية جمال عبدالناصر وفاشية الاتحاد السوفيتي السابق. وأمام هذه الأحلام المزعجة، سقطت افكار اليسارية والاشتراكية والشيوعية في مهد دولها وجمهورياتها. سقطت بعد أن ثارت الشعوب على نظام القمع والوصاية والتدمير الذاتي. سقطت بعد أن كانت احلام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحكم الشعب لنفسه، لم تتحقق ولم تتجاوز الشعارات المرفوعة والبيانات رقم واحد في الفكر اليساري. سقطت بعد أن انشغل اليسار العربي في تصفية الحسابات ولعب الاتفاقيات وتجاوز المثاليات. ولم تفلح تيارات اليسار العربي، على طول الوطن العربي وعرضه، من تقديم رؤى واستراتيجيات مفصلية تخدم الشعوب العربية وتطلعاتها نحو الحرية والعلمانية والمواطنة. بل انشغلت بقضاياها الخاصة وحروبها الداخلية وكيفية الاستفادة من التحالفات مع الانظمة العربية الحالية. وحتى في قضايا الكفاح المسلح للشعوب في امريكا اللاتينية وغيرها، وفي مواجهة اسرائيل في العصر الحديث، اختلفت التيارات اليسارية حول الطرق والوسائل. خصوصا وان اليسار العربي شهد تحالفات سياسية مع بعض الانظمة العربية كنظام الاسد في سوريا، وحزب البعث أيام صدام حسين، وكذلك محاباتهم للموقف السوفيتي في تقسيم فلسطين تحت الانتداب.
وحتى نكون منصفين، وقادرين على تقديم الحلول والنصائح للتيارات اليسارية والاشتراكية والشيوعية في مجتمعاتنا العربية، نقول بأن فشل اليسار العربي في تحقيق انتصاراته الايديولوجية، قد لا يعود بالضرورة الي عقم الحراك السياسي والاجتماعي اليساري، بل يعود بشكل كبير الي شيخوخة افكار اليسار وعدم قدرتها أو قدرة المشتغلين فيها، على القيام بمحاولات اصلاحية جذرية تتلائم مع الواقع والتطورات، كما تفعل الديمقراطية والليبرالية الغربية في تصحيح اخطاءها، وهو ما نشهده اليوم بجدارة في الانتخابات الامريكية القادمة بين ترامب وما يمثله من شعبوية، وبايدن الذي يراه الكثيرون كمصحح للديمقراطية الامريكية بعد عثرات الرئيس الامريكي.
إن الطبقة العاملة والحركات العمالية التي تشغل بال اليسار العربي، أو تستغلها في أسوأ الأحوال لمصالح الوصول الي السلطة أو تهديد الانظمة بالتوقف عن العمل لتنفيذ مطالبها، هي في النهاية نتاج التطورات الرأسمالية، واندفاع شعوب الريف نحو المدن للعمل والكسب وتحقيق الرفاه الاقتصادي الذاتي. وهنا أيضا، ومن الجدير ذكره، أن تلك الطبقات العاملة والحركات العمالية الشعبية الثورية، وجدت الدعة والرخاء في منطقة الخليج العربي ودول النفط الغنية التي يعتبر فيها العامل موظف لدى الدولة ويحظى بالامتيازات الاقتصادية العالية التي تجعله يقتنى افضل الملابس والسيارات وافضل أنواع السيجار، ويقضي ذلك الموظف عطلته السنوية في ربوع المجتمعات العلمانية الليبرالية دون ان تتسخ ملابسه أو يشعر بأحوال العامل العربي في موريتانيا او الصومال او الدول العربية ذات الدخل المنخفض. واليوم، لم تعد هناك دول مستعمرة حتى يلعب اليسار دور المخلص والمنقذ. بل أصبحت ارادة الشعوب والثورات الشعبية هي الوسيلة للتحرر، ولنا في ثورات الربيع العربي، وحركات التحرر الشعبية في فنزويلا وغيرها المثال الحي لإرادة الشعوب في الحرية بعيدا عن التنظيرات اليسارية وأحلامها.
الفكر اليساري العربي اليوم، بمختلف تلاوينه واتجاهاته الفكرية والسياسية والاجتماعية، هو أسير للتاريخ ويقبع في مستنقع السكون الفكري والرثاثة الهيكلية، ويسكن عقليات لا تزال تفكر بالمؤسسين وأحلامهم وتطلعاتهم، دون أن يروا الواقع العربي وكيف تغيرت أفكاره وأدبياته السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. وحتى نطلق رصاصة الرحمة على الفكر اليساري، وكي يرى اتباع هذا الفكر مدى اخفاقه وجموده وتراجعه، فإننا ندعوهم الي رؤية العصر الحديث، فهل تحقق أي نجاح للدولة اليسارية الاشتراكية الشيوعية؟.. وهل نجحت أي تجربة اشتراكية في تعزيز منطق الديمقراطية والعلمانية وحقوق الانسان؟؟. وهل صنعت أفكار اليسار والقومية حداثة اقتصادية منتجة وابداعية ومتقدمة؟؟. أم أن كل ما نراه من تفوق وابداع وحريات وصناعة، هو في النهاية نتاج الرأسمالية والليبرالية والعلمانية؟. تلك القيم والأفكار والمنجزات الحداثية التي نقلت الانسان من عصر الظلام الي عصر النور والتنوير والحريات؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم