الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتح - حماس: صراع على السلطة

يعقوب بن افرات

2006 / 6 / 26
القضية الفلسطينية


الصراع بين فتح وحماس يدور على السلطة: فتح تريد مواصلة حكمها الفاسد، وحماس ايضا تريد الحكم دون الالتزام بالاتفاقات التي تمنح الشرعية لهذا الحكم. من هنا فلا حل حقيقي للصراع الداخلي؛ اسرائيل هي المسؤولة الاولى والاخيرة عن الفوضى في المناطق المحتلة بعد الانفصال عن غزة، ولكنها بقضائها على الشريك قضت على امكانياتها الخروج من ازمتها الداخلية، وحفرت لنفسها حفرة كبيرة سيقع فيها المجتمع الاسرائيلي برمته.

يعقوب بن افرات

تذبح اسرائيل ثم تعلن الاسف، وتعود لتصفّي عائلات بأكملها، اطفال نساء وشيوخ، ثم من جديد تعلن الاسف. لا هذا اسف لا يمكن قبوله. فالمذابح التي يرتكبها القائد العمالي عمير بيريتس، ليست وليدة صاروخ طائش بل هي تنفيذ حرفي مريع لما توعد به شارون من تحويل غزة الى جحيم عندما قرر الانسحاب منها. وها هي غزة تتحول الى جحيم مستعر، فلا شيء فيها سوى الحرب تشعلها اسرائيل من جهة والحرب الاهلية التي اوشكت على الاندلاع.

الحملة العسكرية الاسرائيلية على غزة هي جزء من استراتيجية مدروسة، تسعى لإحكام العزلة على حكومة حماس، ومنع استقرارها في الحكم بكل ثمن. اعلان حماس الاخير عن انتهاء الهدنة بعد المجزرة الرهيبة على شاطئ شمال غزة، هو احد الاهداف التي توقعت اسرائيل الوصول اليها. فهي تهدف من حملتها الى وضع حماس امام خيارين لا ثالث لهما: إما الخنوع والقبول بالشروط الاسرائيلية، او الدخول في مواجهة شاملة قد تدفع قيادتها ثمنا غاليا.

لقد وجدت حماس نفسها في الموقف الذي حاولت تجنّبه منذ ابرام اتفاق التهدئة في القاهرة نهاية عام 2004. ان الوضع المثالي بالنسبة لحماس هو تمديد الهدنة ل60 عاما، كما قال احد ابرز قادتها. فهذا الموقف لا يلزمها بالاعتراف باسرائيل الذي يُعدّ من محرّماتها الاساسية، كما انه يؤجل المواجهة المباشرة مع اسرائيل، التي يمكن ان تهدد رموزها السياسية ومكاسبها الانتخابية الاخيرة. كل ما تريده حماس هو بعض الهدوء. "تلويث يديها" باللعبة السياسية ليس واردا، فهي لا تقبل المبادرة العربية، ولا المفاوضات مع اسرائيل، كما انها ترفض مجرد الاعتراف بوحدانية التمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ربما كان من الممكن ان تنجح هذه اللعبة، لو بقيت حماس في المعارضة. خسارة فتح لصالح حماس في الانتخابات، جعلت المواجهة التاريخية مع اسرائيل موضوعا جانبيا، وفرضت على المناطق الفلسطينية صراعا جديدا: الصراع على السلطة. ففتح لم تسلم بخسارة الحكم، وهي غير مقتنعة تماما ان حماس كسبته بفضل الديمقراطية وحدها.

والحقيقة ان حماس ما كانت لتكسب الانتخابات لولا المواجهة مع اسرائيل. فعملياتها الانتحارية أفشلت سلطة فتح وادخلتها في موقف حرج، وزادت شعبية حماس وحولتها الى القوة الرئيسية في الساحة. وبعد ان قطفت حماس الثمار السياسية للمقاومة، اختارت وقف العمليات لتثبيت حكمها. ولكن فتح قررت الا تجعل حياتها سهلة، وانتقلت لتلعب نفس الدور المعارض والمقاوم، لاحراج حماس وافشالها، سعيا لاسترداد الحكم.

وما يعقد الامور ان فتح ليست معارضة تماما. فرغم كونها اقلية في المجلس التشريعي، الا انها تمسك برئاسة السلطة الفلسطينية من خلال ابو مازن، كما تتحكم بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر المرجعية القانونية والسياسية للاتفاقات مع اسرائيل. ويتمتع الرئيس ابو مازن بصلاحية السيطرة على اجهزة الامن، التي تلعب دورا رئيسيا في السيطرة على الشارع. وادخل هذا حكومة حماس الى حالة من الشلل، دون قدرة امنية ولا اقتصادية لفرض حكمها. وكل ما بوسعها فعله هو تهريب بعض الاموال لدفع رواتب موظفيها.

قد يكون هذا هو السبب في ان حماس حافظت على خط المقاومة مع اسرائيل مفتوحا. كان هذا واضحا في تفهمها لعمليات التنظيمات الراديكالية مثل الجهاد الاسلامي ولجان المقاومة الشعبية. فالورقة الوحيدة الباقية في يد حماس هي العودة الى "المربع الاول"، كما يقول نشيطوها. ويبقى هذا السلاح الاخير لانه يعني حرق الاوراق الاخرى، والدخول في مواجهة شاملة مع اسرائيل. وهذا طبعا مخاطرة خطيرة جدا، اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الانتخابات كانت الحصاد السياسي للكفاح المسلح.

في محاولة لمنع وقوع كل هذه الاحتمالات الكارثية، توحدت الحركة الاسيرة حول وثيقة مبادئ توفيقية تجمع بين مواقف فتح وحماس. غير ان هذه الوثيقة لا تحدد اسسا واضحة للتعامل مع الواقع السياسي، وليس فيها موقف واضح من الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها. ومع ان ابو مازن تحفظ عن الوثيقة في البداية، الا انه سارع لتغيير موقفه بعدما رأى ان حماس ترفضها لانها تلمح ضمنا للاعتراف باسرائيل. وعمد الرئيس الفلسطيني الى تحويل الوثيقة الى سلاح ماض لحشر حماس في الزاوية.

الحوار الوطني بين الطرفين حول الوثيقة، بدأ في رام الله باجواء تصعيدية. فقد امهل ابو مازن الحوار عشرة ايام للوصول الى اتفاق، والا فسيعرض الوثيقة للاستفتاء الشعبي. ورأت حماس (وبحق) في هذا الموقف محاولة للانقلاب على نتائج الانتخابات، ودعت المجلس التشريعي للانعقاد للقرار بشأن رفض تنفيذ المرسوم الرئاسي الذي حدد 26 تموز (يوليو) موعدا لإجراء الاستفتاء. هكذا تحولت الوثيقة من سبب للوفاق الى مصدر للخلاف، مما زاد التوتر في الشارع بين الطرفين، وادى لانسحاب اسرى حماس والجهاد من توقيعهم عليها.

وخشيةً من الطرفين من وقوع المواجهة الحاسمة بينهما، أجل المجلس التشريعي جلسته بشأن الوثيقة بعشرة ايام، ومنح ابو مازن مهلة اضافية للحوار مع رئيس الحكومة، اسماعيل هنية، في غزة في محاولة لتهدئة الاجواء.

ومع ان هناك اكثر من شهر للوصول الى اتفاق قبل موعد الاستفتاء، الا ان الشارع يتحدث بلغة غير لغة الحوار. ففي حين تُعقد الاجتماعات في الغرف المغلقة، يتحدث الرصاص في الشوارع بين فتح وحماس. وبموازاة كل هذا تدور معركة اشرس بين اسرائيل والمنظمات المقاومة وبينها حماس، يتم فيها تبادل القصف المدفعي بالقصف الصاروخي. حماس منهمكة بحرب على جبهتين، داخلية وخارجية، الامر الذي يزيد عزلتها.

ويدّعي ابو مازن ان العزلة المفروضة على الشعب الفلسطيني، متعلقة بموقف حماس الرفضوي. تبنّي المبادرة العربية الداعية للاعتراف بإسرائيل على اساس انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، هو في رأي الرئيس الفلسطيني، شرط لا بد منه لإعادة الدعم المالي والسياسي للشعب الفلسطيني. لا شك ان لهذا الادعاء منطقه، الا ان هذا المنطق لم يساعد فتح في الانتخابات. ذلك ان الالتزام الفلسطيني بالمبادرة العربية وبالاتفاقيات وكامل الاملاءات الاسرائيلية منذ عام 1993، لم يثمر عن حل سياسي بل ادى لمزيد من القمع والاحتلال من الجانب الاسرائيلي. المعونات المالية التي حصلت عليها السلطة بالمقابل، بالكاد تكفي لدفع رواتب الشرطة، ولكن ليس بمقدورها ان تحرر الارض وتبني الدولة المستقلة.

الحقيقة المؤلمة ان الصراع بين فتح وحماس لا يدور على المبادئ، بل على السلطة. ففتح تريد مواصلة حكمها الفاسد الذي اراد الشعب الفلسطيني التحرر منه، وحماس ايضا تريد الحكم ولكن دون الالتزام بالاتفاقات التي تمنح الشرعية لهذا الحكم. حماس تريد ان تحكم وان تقاوم في آن معا. ولكن السلطة الفلسطينية ليست سلطة للمقاومة، بل مؤسسة لإدارة الشؤون الفلسطينية حسب ما تم الاتفاق عليه في اوسلو. ومن هنا فلا حل حقيقي للصراع الداخلي بين الجهتين المتناحرتين.

لا شك ان اسرائيل هي المسؤولة الاولى والاخيرة عن الاحداث التي اشتعلت في المناطق المحتلة بعد انسحابها من غزة. فهي التي جلبت السلطة الفاسدة، وحالت بين العمال وبين مصدر رزقهم، وساهمت في تعميق الفساد والرشاوى ثم انسحبت دون تنسيق مع أية جهة وتسببت في الفوضى التي نشهدها اليوم في الشارع الفلسطيني. اننا اقرب الى حالة الصومال وغيرها من المناطق المنكوبة، ولذا لا يمكن ان يخرج من هذا الصراع منتصر، لا فتح ولا حماس.

ولكن الاكيد ان الخاسر الاكبر ستكون اسرائيل نفسها. فهي بمدافعها وطائراتها تحفر حفرة كبيرة سيقع فيها المجتمع الاسرائيلي برمته. لقد عملت اسرائيل على تصفية كل شريك للمفاوضات، وراحت تبحث عن حلول امنية وهمية كالجدار الفاصل، القصف، الطوق، التجويع والاحتلال المباشر. هذا في حين ان المشكلة هي انسانية، سياسية، اقتصادية وقومية في اساسها.

في الوقت الذي تمنع فيه اسرائيل شعبا كاملا من التمتع بحريته، تقضي بنفسها على مقومات وجودها الاخلاقية القانونية وحتى الاقتصادية والاجتماعية. اسرائيل تمر بأزمة داخلية كبيرة لا تريد الاعتراف بها، تماما كما ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، والمفارقة انه لا حل لازمتها الداخلية الا اذا تم حل القضية الفلسطينية بشكل جذري وانهاء الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية