الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب الخلاف بين الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، وبين هيئة الأركان.

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2020 / 7 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


مساهمتي في نقاش مع الإخوة الجزائريين حول أسباب الخلاف بين الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، وبين هيئة الأركان.
---------------------------------------
عدد كبير من الذين لا يشاركون في الحوار بأفكار أو بوجهات نظر، بل بمجرّد شتائم لرموز الثورة الجزائرية. وأرجّحُ أن أغلبهم من الشّباب الذين لم يطّلعوا على الأحداث، بل سمعوا كلامًا مسلوخًا من سياقه. فوضعوا ذلك الكلام في غير موضعه. وهذا أدّى في أحيان كثيرة إلى إطلاق أحكام سخيفة واتّهام قادة الثورة على نحو بالغ السّوء. ولهذا السّبب أردتُ أن أوضِّح بعض الملابسات التاريخية التي أرى أن غموضها عند الشباب، هو سبب تعاملهم مع رموز الوطنية الجزائرية بشيء من السّطحية. وربّما لأسباب وجدانية في علاقة التوانسة باستقلال الجزائر، لا يمكنني ترك الأمور هكذا على عواهنها.

هنالك غموض عند البعض بخصوص الخلاف بين "جيش الحدود"، و"الحكومة المؤقتة"، ومجمل الأحداث التي جدّت في تونس وفي الجزائر وفي طرابلس، ما بين 19 مارس 1962 تاريخ وقف إطلاق النار، و 02 جويلية من نفس العام، تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء.

من المعلوم أن قيادة الثورة كانت منقسمة يوم 19 مارس. ولا بد أن نفهم جيّدًا نقاط الاختلاف منذ عاد كريم بلقاسم من الجولة الأولى، وعرض على القيادة المحاور التي تمّ الاتفاق بشأنها بين الجانب الفرنسي والجانب الحزائري، والمحاور التي ظلّ الخلاف حولها قائما.

أجريت مفاوضات إيفيان الأولى على مرحلتين. الأولى في مدينة "ايفيان" ما بين 20 جوان و 28 جويلية 1961 . وأخفقت بسبب موضوع الصحراء ومصير المعمرين.

بعد ذلك، حاول الجنرال ديغول البحث عن مفاوض من المجاهدين في الداخل لعزل جبهة التحرير والحكومة المؤقتة المقيمة في تونس العاصمة، ولكن محاولته تلك باءت بالفشل. وزار الجزائر لاستمالة الجزائريين، وقدم وعودا كثيرة. ولكن الشعب استقبله بأعلام الجزائر وبالهتاف بحياة الجبهة. وحينها اقتنع بكون الشعب ملتف حول قيادة الثورة، وبكون جبهة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب. ولذلك أُجبر على التعامل مع الوضع بأكثر واقعية، وقد تجلّى ذلك في الجلوس لطاولة المفاوضات بجدية، وبرغبة حقيقية في إنهاء الحرب. ولكنه نجح في إقناع المفاوضين بالموافقة على بعض البنود التي تضمن لفرنسا مصالحها بعد الاستقلال. في المقابل كان الوفد الجزائري يعي جيّدًا نوايا المستعمر، وأدرك أن تلك البنود لن تحترمها الجزائر المستقلة كما يخطط ديغول. يعني كما يقول المثل الشعبي التونسي "كان كل واحد شيطانو في جيبو"

انطلقت المرحلة الثانية في " لي روس" وهي قرية على الحدود الفرنسية السويسرية ما بين 11 و 19 فيفري 1962. وفيها آتُّفق مبدئيا على وقف إطلاق النار وتم تناول كل المحاور وشرعوا في تحرير النصوص. وفي الأثناء كانت منظمة (O.A.S ) التي كونها المعمرون الرافضون لاتفاقيات ايفيان، تنشر الموت والدمار في الجزائر وفي فرنسا أيضا حيث نفذت أكثر من 4000 تفجير، وحوالي 900 إغتيال، من بينها اغتيال رئيس بلدية ايفيان حيث تدور المفاوضات. ولقد بلغ مجموع ضاحايا جرائمها أكثر من 12 ألف قتيل. وكان الهدف من ذلك إفساد المفاوضات. ولكن الشعب الجزائري عرف كيف يصمد من أجل اقتلاع الاستقلال.

عاد الوفد المفاوض إلى تونس وعرض حصيلة المباحثات على المجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد من 22 إلى 27 فيفري 1962 وبعد المناقشة وافق المجلس بالأغلبية الساحقة على نتائج مفاوضات "ليروس" التي تعترف بالإستقلال والوحدة الترابية ووحدة الشعب الجزائري. غير أن هيئة الأركان اعترضت على مسألة حلّ جيش التحرير وتعويضه بقوات أخرى تُشرف على تأسيسها هيئة فرنسية جزائرية مشتركة. واعترضت على بقاء القواعد العسكرية لزمن محدّد. إذ اعتبر بومدين بصفته رئيس هيئة الأركان أن الموافقة على مثل هذه الأمور يجعل الاستقلال منقوصا، واصفا "ايفيان" بالاتفاقية الخيانية. ورفض مشاركة هيئة الأركان في الجولة الأخيرة. في حين اعتبرت بقية القيادة أن هذه أمور يمكن مراجعتها فورا بعد اعلان الاستقلال. وأنه من الأجدر أن نقتلع الاستقلال ونورّط فرنسا في التوقيع أمام العالم، وبعد ذلك نكافح من أجل استكمال السيادة.

إذن إنطلقت مفاوضات إيفيان النهائية يوم 07 مارس 1962 حتى 18 مارس من نفس السنة، وترأس الوفد الجزائري كريم بلقاسم كالعادة، ومن بين الشخصيات التي ضمها الوفد كان ( بن طوبال، دحلب، يزيد، بن يحي، بولحروف إلخ...)، وانتهت الجولة الأخيرة بالتوقيع على إتفاقية وقف إطلاق النار.

هنا أريد أن أفتح قوسين لأوضّح للشباب بأنّ الثورة الجزائرية التي دامت ثمانية سنوات، كانت زلزالا حقيقيا، إذ أسقطت سبعة حكومات متتالية. وتسببت في انقلاب عسكري كاد يطيح بالجنرال ديغول، وهددت كيان تلك الدولة الامبراطورية العملاقة. وعرّت فرنسا أمام العالم، وفضحت وحشيتها العنصرية. ودفعت بمنظمة الأمم المتحدة، وبعدد غير محدود من الدول للاعتراف بالحكومة المؤقتة قبل الاستقلال. وكل ذلك كان بفضل صمود الشعب الجزائري، وبفضل المجاهدين في الجبال، وبفضل الوفد الخارجي الذي قبض على الجمر، وأدار المعركة الديبلوماسية بنجاح منقطع النظير. وواجه فرنسا في كل مكان من أجل الحرية مستخدما العبقرية الجزائرية والخبرة التونسية في إدارة معركة الاستقلال. وإذا كانت هذه الثورة العظيمة أوصلت الامبراطورية الفرنسية إلى الخضوع والتسليم بالأمر الواقع، فليس غريبا أن تختلف قيادة هذه الثورة الكبرى حول ترتيبات الاستقلال. وأما أنتم كشباب، فليس لكم إلا الاعتزاز والفخر بأمجادكم. كما أنه من العار والسّخافة أن يقف طفل جزائري من مواليد التّسعينات، ويستفزّنا بشتم واحد من هؤلاء العمالقة الذين يعترف لهم العالم بأنهم أعطوا للبشرية دروسا راسخة في الشجاعة والوطنية، ولو لاهم لما كان هنالك استقلال.

أعود الآن لتناول النقطة التي تتمحور حولها مجمل الأفكار الواردة في هذه الورقة.

لماذا اعتبرت هيئة الأركان اتفاقيات ايفيان، التفافًا على الثورة وتهديدا للاستقلال؟
وماذا حدث ما بين 19 مارس و5 جويلية ؟

أمامي الآن الفصل الثالث من الاتفاقية، الذي يتحدث عن "السلطة التنفيذية المؤقتة"، وهي هيكل مؤقت تم إنشاؤه بموجب اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962 (بين الحكومة المؤقتة الجزائرية والحكومة الفرنسية) ، وهي السلطة المسؤولة عن إدارة الشؤون العامة في الجزائر خلال الفترة الانتقالية ما بين وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 و15 أكتوبر 1962.

تم تنصيب السلطة التنفيذية المؤقتة في 28 مارس 1962 ، بعد نشر المراسيم في الرّائد الرسمي للجمهورية الفرنسية. وهذه السلطة التنفيذية المؤقتة اختارت مقرّها في "Rocher noir" يعني بومرداس الآن، لأن العاصمة وقتها كانت تتعرض لاعتداءات "منظمة الجيش السري" OAS .
وهذه السلطة التنفيذية هي المسؤولة بشكل رئيسي عن إنفاذ القانون وإدارة الشؤون العمومية وفق تفاهمات ايفيان.

وتبعا لذلك تأسست عمليا وعلى الأرص السلطة المشتركة بموجب مرسوم 6 أفريل 1962 كما يلي:
الرئيس: عبد الرحمن فارس.
نائب الرئيس: المحامي روجر روث.
مندوب للشؤون العامة: شوقي مصطفى ، دكتور في طب وجراحة العيون - يمثل جبهة التحرير.
مندوب للشؤون الاقتصادية: بلعيد عبد السلام - طالب - يمثل جبهة التحرير.
مندوب الزراعة: محمد شيخ ، مزارع ومربي.
مندوب للشؤون المالية: جان مانيوني ، دكتور في الطب.
مندوب للشؤون الإدارية: عبد الرزاق شنطوف ، محام - يمثل جبهة التحرير.
ممثل النظام العام: عبد القادر الحصار ، محام..
مندوبة الشؤون الاجتماعية: بومدين حميدو ، دكتور في الأشعة - تمثل جبهة التحرير.
مندوب الأشغال العامة: تشارلز كونيج ، أستاذ CEG
مندوب الشؤون الثقافية: إبراهيم بيوض.
الممثل البريدي: محمد بن فطيفة ، صيدلي - يمثل جبهة التحرير.
أمين عام السلطة التنفيذية المؤقتة: سعيد حسين.

وبموجب نفس المرسوم، تم تكوين
القوة المحلية، وهي قوة عسكرية تهدف إلى استبدال كل من الجيش الفرنسي وجيش التحرير الوطني أيضا، والذي لم يعد له الحق في القيام بمهام عملياتية حسب الاتفاقيات. وبذلك يجب على القوات المحلية في البداية تجنيد ستين ألف جنديا. وكذلك قوات شرطة سموها "قوات مقاومة الإرهاب"، لمجابهة ال OAS ولكن أيضا لمجابهة المجاهدين الذين سيرفضون تسليم سلاحهم مثلما حدث مع "الفلاقة" في تونس وفي المغرب.
تم إعلان الإجراء وبدأ العمل به رسميا يوم 13 مايو 1962 من قبل المفوض السامي. وهكذا بدأت عملية إنشاء القوة المحلية وقوات مقاومة الإرهاب في العاصمة، في باتنة، في قسنطينة، في مستغانم، في تيارت ، في تلمسان، في وهران ... وهكذا. وصرّح "مسمار" وزير الحرب الفرنسي آنذاك بأن هذه القوة هي الجيش الوحيد القانوني للجزائر المستقلة!
وهذا جعل المجاهدين وهيئة الأركان، وحتى بعض السياسيين، يفهمون أن جيش التحرير المرابط في الجبال، وعلى الحدود، الجيش الذي حرر الجزائر بالدم والتضحيات رأسُه مطلوب، وسيتم تجريده من سلاحه لصالح جيش آخر متكون بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة من عسكر فرنسا الذي ظل يقتل الجزائريين حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار.

كما تلاحظون إخواني الخلاف خلاف عميق، وليس لعب أطفال. بحيث فريق يقول: نورّط فرنسا في الإمضاء أمام العالم، ونوقِفُ حمّام الدم، وبعد ذلك نستكمل السيادة، أفضل من تجدّد المواجهة مع ال OAS، وتسقط الاتفاقية برمتها، ويضيع الاستقلال على خلفية خرق ما تمّ الاتفاق حوله. وفريق يعتبر أن الاتفاقية بهذا الشكل هي التفاف على الاستقلال وترك الجزائر تحت رحمة فرنسا..
والثّابت أن في الفريقين رجال وطنيون. وكلا الفريقين له رأي مقنع ووجيه. وسبب الخلاف هو المضمون الملغوم للاتفاقية نفسها، وليست نوايا الرجال. ولا يمكن أن نشطب كل هذه الأمور، ونردّد بكل صفاقة بأن "هؤلاء خوَنة وعملاء تصارعوا على السلطة".
كما أنه يتعيّن على الشباب اليوم أن يدرك أن الصراع على السلطة هو أيضا صراع على مستقبل الجزائر. وكل فريق يرى في نفسه الأقدر على بناء دولة ديمقراطية عادلة وقوية، ومجتمع متحرر وعزيز. وربما لكل واحد طموحه المشروع. ولا شكّ أنّ هنالك آراء مختلفة حول تقييم تلك الفترة، إذ يذهب البعض للقول بأن الإبقاء على جيش التحرير، وتحويل الجبهة إلى حزب وحيد في البلاد كان سببا من أسباب ولادة نظام دكتاتوري مخالفا لروح بيان نوفمبر 1954، الذي وعد ببناء دولة ظيمقراطية شعبية. ولكن ترك النقاش العميق المفيد جانبًا، والانتصاب لتخوين المجاهدين، فهذا أمر غير مقبول.

هنا نصل إلى المنعرج الأخطر على الإطلاق، ألا وهو السّباق من أجل استلام الحكم بين قيادة الأركان وعلى رأسها بومدين، والحكومة المؤقتة، التي كان يقودها بن يوسف بن خدة.

كما سبق وقلت رفضت هيئة الأركان بعث ممثّلا لها في المفاوضات الأخيرة. ولأن في الوفد الفرنسي كان هنالك عسكريين، التجأت الحكومة المؤقتة إلى إرسال العقيد مصطفى بن عودة، دون موافقة بومدين. وهذا زاد الفجوة عمقًا.

على كل حال، انتهت المفاوضات وتم التوقيع على الاتفاقيات. وتشكلت لجنة إعداد مشروع سياسي واقتصادي برئاسة بن بلّة ومحمد الصديق بن يحيى أمين عام الحكومة المؤقتة. وقبل أيام قليلة من اجتماع المجلس الوطني للثورة بطرابلس، انعقد اجتماع تلك اللجنة بالحمامات ووضعت البرنامج، المعروف ب"مشروع طرابلس".
في طرابلس، انطلق الاجتماع يوم 27 ماي 1962، تمت مناقشة المشروع.
وتمت الموافقة بالإجماع على تحويل جبهة التحريرإلى حزب. والموافقة بالإجماع على الخيار الاشتراكي. أما بخصوص إعادة هيكلة الجيش، فلقد دار الحديث من وجهتيْ نظر مختلفتين:
*) الحكومة المؤقتة تؤكد على أن جيش التحرير (وفق اتفاقيات ايفيان) ليس من حقه دخول الجزائر، ولا القيام بأية مهمة قبل 1 جويلية تاريخ الاستفتاء. ولقد فُهم هذا الموقف على أن في نيّة كريم وبن خدة وفرحات عباس ربح الوقت في انتظار تمكين القوات المحلية من التوسع والجهوزية لنزع سلاح جيش التحرير على غرار ما حدث في تونس سنة 1954.
*) أما هيئة الأركان فكان رأيها أن جيش الدولة الجزائرية المستقلة هو جيش التحرير الذي هزم فرنسا. وإعادة الهيكلة تعني أن يكون جيش التحرير مستقبلا ممثلا في الحزب وفي الإدارة !

كما تلاحظون، كان أعضاء مؤتمر طرابلس ال 65 متفقون جميعا على كل ما يتصل بالتوجه العام للدولة الجزائرية. ولكنهم اختلفوا حول سؤال: من سيدير الجزائر المستقلة؟
وفي محاولة لاكتشاف النوايا وتسهيل الوُصول إلى حلّ تشكلت لجنة لاستقصاء أراء الحاضرين بطريقة سرية، حول من يرونه مؤهلا للقيادة. فرفض الجميع الإدلاء بآرائهم. وعلى إثر ذلك تعمّق حدثت ملاسنة حادّة بين بلّة صاحب فكرة مؤتمر طرابلس، ورئيس الحكومة المؤقتة بن خدة الذي لم يكن متحمّسا لهذا المؤتمر. وبسبب تبادل النعوت القاسية، رفع بن يحيى الجلسة، على أن تتواصل في اليوم الموالي، وكان ذلك آخر اجتماع للمجلس الوطني. حيث انسحب أعضاء الحكومة مساء يوم 5 جوان، وبدل استئناف الجلسة في اليوم الموالي، دخلوا تونس، حيث كان بورقيبة في انتظار انتهاء أشغال المؤتمر، وقد أعدّ مهرجانا شعبيا ضخمًا، هنّأ فيه الشعب الجزائري، وهنّأ الحكومة المؤقتة والقيادة الجزائرية. ثمّ أخذ رئيس الحكومة بن خدة الكلمة، وخلال كلمته أعلن جملة من الإجراءات، منها عزل هيئة الأركان، ودعوة جيش التحرير في الداخل وعلى الحدود إلى عدم الانصياع لآوامر هيئة الأركان، وهكذا أصبح الصراع مفتوحًا وعلنيًّا.
لم يتأثر جيش التحرير بنداء بن خدّة، وتبيّن أن هيئة أركان جيش التحرير كان لها نفوذ وسط المجاهدين. وانقسمت القيادة بين مؤيّد للحكومة المؤقتة التي تسعى لإنهاء جيش التحرير، ومؤيّد لهيئة الأركان التي تسعى لإسقاط بنود اتفاقية ايفيان المتعلقة بمصير جيش التحرير، مصير المعمرين، وبقاء القواعد العسكرية... وبحكم زخم الثورة، وروح الاستقلال العارمة بعد حرب تحرير دموية، انتصر صفّ هيئة الأركان. ومن هنا جاء اجتماع تلمسان، وتعيين قيادة موازية لحكومة بن خدة. ومن هنا أُعطيت الآوامر لجيش التحرير الذي تمكن من نزع سلاح "القوة المحلية" من تبسّة لتلمسان في ظرف ساعات معدودة. ومن هنا أيضا، جاء الصدام مع الولاية الرابعة التي فضلت الوقوف في الحياد ورفضت فكرة افتكاك السلطة بالقوة. وهذا ما أدى إلى اجتماع الأصنام الذي حُسم فيه الأمر لصالح المكتب السياسي الجديد لحزب جبهة التحرير.

في ذلك الوقت كانت التحديات هائلة. فمثلا، كان عدد السكان ثمانية ملايين، منهم مليونان مُشرّدون في المحتشدات. ونحو 300 ألف لاجئ في تونس و400 ألف سجين تم إطلاق سراحهم دفعة واحدة. وفرنسا كانت تسعى للحفاظ على قاعدة المرسى الكبير، ومناطق الصحراء (جهة بشّار) للتجارب النووية والبترول. هذا بالإضافة إلى مصير المليون أوربي المقيمون في الجزائر.
من جهة أخرى واجهت الثورة مباشرة بعد الاستقلال مشكلات عويصة مثل تعويض إطارات الإدارة الفرنسيين الذين انسحبوا فجأة وتركوها فارغة. وأيضا كان عليها مواجهة إرهاب منظمة (OAS) . وكذلك كانت العودة المدرسية في سبتمبر مسألة بالغة الأهمية رمزيا، بحيث لم يكن مقبولا أن تغلق المدرسة أبوابها بسبب انسحاب الإطار التربوي الفرنسي. وكذلك مشكلة جمع الصّابة، والاهتمام بالمساجين، وعودة اللاجئين ... ومرة أخرى نجح الشعب في وضع الأمور على السكّة رغم ضعف الإمكانيات. وتحررت الجزائر وتخلصت من القواعد العسكرية، وأصبحت كل السيادة للجزائريين.
هذا هو السياق الحقيقي للخلافات. وهكذا يمكننا أن ننظر وأن نقيّم الأمور بموضوعية بعيدا عن الاتهامات وهتك أعراض مؤسّسي الدولة الجزائرية المستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ