الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الكاظمي في الطريق الى وعي دوره التاريخي ؟

اسماعيل شاكر الرفاعي

2020 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كان الكاظمي رئيساً للمخابرات العراقية في نظام سياسي قائم على التمثيل الطائفي والمحاصصاتي : فكان موظفاً واجبه : حماية النظام السياسي الحاكم ، والإبلاغ عن الأخطار الخارجية ( وربما الأخطار الداخلية ) التي تهدده ، واقتراح زمكان العمليات العسكرية المطلوبة لمطاردة هذه الأخطار ، ولكنه تحول مع المنصب الجديد من موظف في خدمة أهداف النظام المرسومة ، الى واضع لسياسات النظام وخططه وبرامج عمله ، لأن منصب رئيس الوزراء يتطلب منه امتلاك رؤية سياسية ، والرؤية السياسية بحد ذاتها انحياز (ضد استقلال وحياد ..) ...

في العراق ، او قل في الانظمة البرلمانية : الحصول على أغلبية الأصوات الانتخابية : هو العامل الحاسم في تحديد هوية الشخص الذي يتولى مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء . لكن الكاظمي لم يجلس على عرش هذا المنصب نتيجة حصوله على أغلبية الأصوات الانتخابية بل حصل عليه بالتعيين ، خلافاً لقواعد اللعبة السياسية في النظام النيابي العراقي ، حيث الأكثرية البرلمانية هي المؤهلة دستورياً لتشكيل الحكومة .. لقد تم تجاهل هذه القاعدة في اكثر من دورة انتخابية ، بحيث يشعر المراقب بان البرلمان العراقي لم يصل الى المستوى الذي تنطبق فيها على أعضائه : صفة ممثلي الشعب ، لقد فقدوا هذه الصفة حين لم يحققوا استقلالهم وحريتهم عن زعماء قوائمهم وعن الفقهاء الذي يقلدونهم ، فهم عملياً لا يمثلون الشعب بل يمثلون فئة من الناس لا تنتمي حتى للمناطق التي مثلوها . من هنا ينبع عجزهم عن التحكم بانتخاب رئيس مجلس الوزراء بعد نهاية الدورة الانتخابية ، بعيداً عن تأثير القوى السياسية والدينية الموجودة خارج البرلمان ، وبتخلي البرلمان عن التمسك بأهم قاعدة من قواعد العمل داخل قبته ، اثبت أعضاؤه بانهم لا يدركون الدور التاريخي المناط بهم : دور التأسيس عن طريق تثبيت القواعد التي تقوم عليها آلية عمل صحيحة . ومع ما يشكله غياب القواعد هذا من خطورة على مستقبل الديمقراطية في العراق ، الا اننا لم نسمع أو نر احتجاجاً أو تمرداً عملياً من قبل اي عضو من اعضاء البرلمان على هذا الغياب ، فجميع اعضاء البرلمان من الاحزاب الاسلامية والتيارات المدنية والليبرالية والشيوعية والعشائرية والطائفية : ينعمون برواتب وامتيازات هي الأعلى عالمياً ، فماذا يعني مستقبل الديمقراطية بالنسبة لهم وهم يتقاضون استحقاقهم ( كديمقراطيين ) على شكل رواتب أو على شكل امتيازات ، او وجاهة ، والمردود المالي للاستثمار في الوجاهة : عال جداً .

إذاً ، اصبح الكاظمي رئيساً للوزراء بطريقة تشبه طريقة سلفه عادل عبد المهدي المغرم ( بالحيل الشرعية ) التي تضفي الشرعية على ما حرمه النص الواضح والصريح ، اذ لا يوجد نص ديمقراطي يبيح الاعتماد على قوة من خارج البرلمان ( قوة دينية او قومية او عشائرية : مسلحة او غير مسلحة ) لتعيين رئيس مجلس الوزراء ، إذ لو يصح الاعتماد على قوى من خارج البرلمان في تعيين الرئاسات الثلاث : لما كان يصح اضاعة الوقت والمال وتعطيل الدوام في يوم الانتخابات !!!

وانسجاماً مع الإيقاع العام لسياسة البلاد التي تمارس نشاطها في تكوين رئاسة مجلس الوزراء والرئاسات الأخرى بطرق وأساليب غير ديمقراطية ، مارس الكاظمي دوره في البحث عن قوة ساندة لطموحه في ان يكون رئيساً لمجلس الوزراء من خارج البرلمان ، فوجدها في المتظاهرين ، ولأسباب لا مجال للتطرق اليها هنا وجد المتظاهرون ضالتهم في الكاظمي ، وكانت قوة المتظاهرين المعنوية في تأثيرها على الرأي العام وبلورة اتجاهاته أقوى من مجموع القوى التي تكونت في البرلمان بعد الانتخابات . لقد صنعت منه هذه القوة التي اقترحت اسمه للمنصب الجديد : سياسياً ، اي صاحب رؤية سياسية ، فأصبح بالضرورة منحازاً لقوى المستقبل التي يمثلها المتظاهرون ، بعد ان أوغلت السلط في دمائهم وقتلت اكثر من 600 متظاهراً ، يوم كانوا يتظاهرون احتجاجاً على ما جرى ويجري في البلاد من عوامل تفقير عموم الناس ( الشعب ) روحياً ومادياً ، وتهشيم الدولة ...

فالدولة وعموم الناس ( الشعب ) هما اكبر الخاسرين مما جرى من : التغيير الذي حدث عام 2003 . والدولة وعموم الناس ( الشعب ) يؤثر احدهما في تكوين وايجاد الآخر تأثيراً مباشراً : فإذا غاب احدهما غاب الآخر ، فهما اما ان ينوجدان معاً او يغيبان معاً ، ويصبح حضور احدهما دون الآخر حضوراً شكلياً ، شعاراتياً ، صوتياً : فالتجربة السياسية للعرب في تاريخهم الحديث لم يتكامل فيها بناء دولة حديثة وبناء على ذلك لم يولد شعب في اي من أقطاره .

مهمة مصطفى الكاظمي التاريخية تتمثل اذن في استعادة آليات التأسيس الديمقراطي التي يتوقف عليها ولادة الشعب العراقي ، وهذا ما يتطلب منه التعجيل بتعيين أيام لانتخابات قادمة . ان ما قام به الكاظمي من خطوات في السيطرة على المنافذ الحدودية ( وهو الفعل الذي يدخل في باب استعادة سيادة الدولة ، وليس استعادة هيبتها ) ، هو خطوة جبارة تتطلب منه محاكمة كل رؤساء الوزراء السابقين : لانه تبين ان الحزم والعزم قادران على فعل استعادة السيادة ، وهو ما لم يفعلوه مما بشير الى مشاركتهم الفعلية في التأسيس لثقافة الفساد ولآياته ...

ليس العراق هو الجنوب والوسط والمنطقة الغربية فقط : انه هذه المناطق + زائد اقليم كردستان . وجميعها يضمها أهاب دولة لامركزية ، فيدرالية ، وان ما جرى على المنافذ الحدودية في الوسط والجنوب ، يجب ان يسري على المنافذ الحدودية في اقليم كردستان ، وإلا ظلت سيادة الدولة منقوصة ...

المفارقة الكبيرة في العراق اليوم يقف ان جميع الاحزاب والميليشيات المشاركة في التسلط على الناس من خلال حكمهم للدولة : يقفون بوجه تكامل بناء الدولة ، الاحزاب العربية والكردية والتركمانية والسنية والشيعية ، ومهمة الكاظمي التاريخي تتمثل برمي مقولات جميع هذه الاحزاب في مزبلة التاريخ ، ومنعهم من المشاركة في الانتخابات ...

حين تكون السيادة ملك اليدين : تصبح المفاوضات مع الخارج داخلة في باب إعمار البلاد وتعزيز قبضته الأمنية . مهمة الكاظمي التاريخية لا تكتمل ابداً من غير استثمار ما ادى الخارج من طاقات مساعدة . مخجل ان تظل الناس في الخيام لسنين و( رؤساء الكتل ) يعلفونها شعارات لا تغنيهم من جوع ، ولا وتطرد عنهم حر الصيف اللاهب ، ولا تسقيهم مياهاً باردة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا