الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح الشارع وتطويحات مشتغليه

كاظم اللامي

2020 / 7 / 17
الادب والفن


كاظم نعمة اللامي
المسرح المتشكل نتيجة الوعي المتراكم والمتمثل بهوية وجودية حقيقية اختزنت وجدان المجتمع جمال محض، وكما هو متداول ومعروف عنه فهو جمال منظم مهذب مشذب يدفع المشتغل به ومن يتلقاه الى حيازة المتعة التي أتت كنتيجة حتمية لكل فعل ابداعي جمالي وهذا ما نسميه بالجدوى والزبدة والأثر وايضا ما اراه ويراه غيري من ذوي الالباب حيث وجدنا مصداقه جليا في مسرح العلبة المنتشر كالنار في الهشيم في بلدان العالم وهو الكلاسيك والحداثة وما بعدها والذي يمثل ثقافة الامم المتعارف عليها كهوية جمالية ابداعية لدول بعينها وهو من حاز على كل النظريات والتأويلات والدراسات العامة والخاصة المتعلقة بفن المسرح والتي وجدت من أجله ولأجله.
لذا ارى وفقا لما ذكرت آنفا ان هذه الصفات والآليات الجمالية المتواجدة في مسرح العلبة غير متوفرة بالمطلق في مسرح الشارع الماكث والغارق في الفوضى التي تعكر صفو الجمال الذي هو القاسم المشترك في كل اشتغالات المبدعين الفنية .. فضلا عن ان فعالية مسرح الشارع في اصلها هي فعالية فطرية تلقائية لها زمانها ومكانها المناسب ويجب ان لا تقنن لتخدم مجموعة من الفارغين الذين بحثوا حتى عجزوا عن موطأ قدم لهم في مسرح العلبة ليتحولوا بعدها ولتلميع ذواتهم بتنظيم مهرجانات اختصت بمسرح الشارع مهرجانات تسودها الفوضى والارتباك واللاجدوى مع الكم الكبير من المجاملات المعجلة بفناء اصحابها ذوقيا وفنيا.
ومن الاسباب التي دعتني لهذا القول هو لعدة حقائق استقيتها من اصل فعالية مسرح الشارع فهي فضلا عن تضاد التسمية وتناقضاتها الفكرية والاجرائية ولما لها من تشويش وارباك للقائمين على توثيق النظريات المسرحية ودراستها وعلى المشتغلين به في تناوله فكريا فهم ما بين ملتزم بالتسمية حرفيا ويشترط الفعالية في شارع يكتنفه سير المارة واشارات المرور وبين اخر ينفتح قليلا باتجاه مسرح الفضاء المفتوح واخر يتحرر اكثر باتجاه كل مكان لا ينتمي لمسرح العلبة فشمل في ذلك حتى غرف النوم الخاصة والصقها بمسرح الشارع..
مع قضية جوهرية انهزامية مؤطرة بعجز عن اجتراح الجمال مفادها اعدام وفناء لعناصر المسرح المهمة التي شكلت حقيقة المسرح واعطته هيبته التي احترمته الناس من خلالها دراسة واشتغالا وتلقيا ومن هذه العناصر المسرحية السينوغرافيا بمجموعها الوظيفي الجمالي والتي باتت العنصر الفاعل وقطب الرحى في نجاح او فشل العرض المسرحي عموما مع وظيفتها الدرامية الحقيقية في تشكيل جمالي يدفع بالحكاية لان تتوهج فيتوهج معها الممثل فيتوهج المسرح فيغبط الجمهور بعضه بعضا لتستقى من كل ذلك الدروس والعبر المثمرة مع خضوع وظيفة السينوغرافيا لدراسات متواصلة ثمينة القيمة وعلى مستوى كفاءات عالمية مهمة.
مع ملاحظة سريان حقائق نفسية تخص الممثل في عطاءه والمخرج في اشتغالاته والكاتب ورؤاه والتي تسحب الجميع للسطحية والمباشرة في الطرح عند ناصية مسرح الشارع على مستوى الموضوع والمعالجة والتقديم مما يدفع البعض ممن تواجد بلا معين فني وقدرة ابداعية وبعبارة اخرى وان بدت قاسية لكنها واجبة(لكل من هب ودب) لارتقاء هذا العنوان الكبير وبجرأة وقحة والمسمى (المسرح) لتأصيل القبح في التعاطي مع المرتكزات التي طالما انتجت جمالا لمثابات كبيرة بذلوا الغالي والنفيس واجتهدوا حتى غابت عنهم الراحة والمال والاستقرار ليحافظوا على ايقونة جمالية اجتماعية.
وهذا ما نراه اليوم واضحا لدى المتواضعين ومن استسهل الامر بإمكانيات غير رصينة لتسور محراب النص والاخراج والتمثيل الا ما ندر ليفرضوا انفسهم على جمهور لا حول له ولا قوة في مشاهدتهم لكونه متواجدا لأمر اخر لا يقترب من حقيقة ما يقدم امامه مع ابتعاد واضح وبمسافات كبيرة عن الحضارة والمدنية والتقدم.
كما ان السطحية المميتة للإبداع تواجدت في اصل التلقي التي اعزوها الى عدم الاستقرار والارتياح والهدوء في ابجديات العرض الواقعية والتي تشكل فارقا واضحا مع العلبة حيث يعدم في الشارع او بيئة مسرح الشارع ما نسميه الارتقاء الشعري والتجلي السماوي والغياب في الاخر المتلازم ما بين الممثل والمتلق المتواجد في مسرح العلبة والذي يوفره هذا الاسترخاء والهدوء والجلوس في مقاعد محترمة مهذبة انيقة اعطت للمسرح مدنيته وهيبته والغائبة في مسرح الشارع الذي يصفعنا بحقيقة نفسانية مخجلة وكأن الجمهور قطيع اغنام زجوا عنوة في احتدام لحم بشري متشابك في سيارات حمل شبيهة بما شهدته حملات القائد الضرورة في عسكرة الشعب.
والادهى والامر وبمحاولة للحراك الاستاتيكي الممل تم اعتلاء الامر باحتيال بلا مقومات فنية مقنعة تحت يافطة مسرح الشارع اونلاين الذي يمثل هزيمة اخرى للمسرح والذي يمثل تجاوزا ليس على مسرح العلبة فقط بل تجاوزا على مسرح الشارع عينه بمتناقضات عجيبة بلا علمية او مرتكزات تصب اصلا في الحقيقة الجمالية التي اختزنتها ذاكرة العالم لهذا المسرح الذي صنع اجيالا من المتذوقين المفكرين على صعيدي الاشتغال والتلقي . وهذا ما يقودنا الى انطباع واقعي اخذ مساحته لدى الكثير بتغليب سيادة الميديا على المسرح عموما من خلال هذه المهرجانات المسماة اون لاين التي افقدت المشتغلين الحرارة والحميمية التي يعيشها الممثل ومتفرجه وهما يصنعان وهج حياة اخرى من خلال ما يقدم من ابداع.
حقيقة في جعبتي الكثير من الامور الفنية التي تعري هذا المسرح الهجين المسخ الذي لا ارى له طائلا الا في لحظته الانية التصادمية مع الواقع ومثالا على ذلك شباب ساحة التحرير وما قدموه من اعمال تعالج الواقع المرير للوطن وبنية الوجود الانساني التي فعلها المتظاهرون وهم يقدمون ارواحهم رخيصة رغبة بوطن معافى بلا عوق يعتري تطلعاته المشروعة فقدم الشباب ما يناسب هذه الواقعة الاجتماعية والسياسية لبلد يغلي والتي يعيشها الجميع بواقعية غير افتراضية متوقعة او متخيلة وهذا ما يجب ان يؤدلج حقيقة مسرح الشارع لو قمنا بتجاوز ك ما ذكرنا في بنية مقدمة المقالة. وكما قلت في جعبتي الكثير من الامور الفنية الخاصة بمسرح الشارع لكنني اكتفي بهذا القدر ولنا عودة لتفكيك الواقع والطموح.
كاظم نعمة اللامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة