الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع العلمي في العراق وبعده الأخلاقي

محمد حسين راضي
كاتب وباحث وشاعر ورياضي

(Mohammed Hussein Radhi)

2020 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


العراق في صدارة البلدان التي أنعم الله عليها بأن تكون بطناً ولوداً للعلم وللعلماء، ويكفيه فخراً أن تكون اول حضارة في التأريخ نشأت وترعرعت على ارضه وفي فيئه، فضلاً عن نعم الله الأخرى من ثروات كبيرة، وطاقات هائلة، وبيئة خصبة..الخ، لكنها للأسف الشديد لم تستثمر الاستثمار الأمثل لتصار الى وسائل ناجعة لرفاهية هذا الشعب والنهوض به ليتصدر شعوب العالم علماً ورقياً ورفاهية.
قد تكون الأسباب كثيرة ومتعددة ومعقدة في نفس الوقت، وذلك لتجذرها التأريخي، وتعدد العوامل (التاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والاختلافات القومية والدينية والمذهبية والعقائدية والفكرية والبيئية والمناطقية وغيرها) ذات التأثير المباشر في تراجع هذا البلد بمستويات متزايدة ومتسارعة، رغم الصيحات المتعالية من هنا وهناك ممن التفت من أساتذتنا الكرام لهذا الخلل الواضح والظاهر للعيان والمدركة أسبابه والعوامل الفاعلة في نشؤه واستفحاله.
وإذ تعد المؤسسة التعليمية من أهم مقومات استقامة المجتمعات واندماجها وتفاعلها، وأهم عناصر نهضة الأمم والشعوب كونها الأداة الفاعلة التي من خلالها يتم بناء الشخصية الوطنية واندماجها في المجتمع المتعدد، لذلك نرى الدول المتقدمة والمستقرة بذلت ومازالت تبذل أمولاً طائلة في بناء ورصانة المؤسسة التعليمية واستعمالها لأغراض التنشئة الاجتماعية والسياسية بصورة ملحة، سعياً لتحقيق أهم ثلاثة أهداف استراتيجية، وهي: الاندماج الاجتماعي، واحتضان الطاقات العلمية وتنميتها، وتوليد الوعي الوطني، اللاتي من خلالهن يتحقق استقرار البلد وتطوره وتنميته.
وقد لا تكفي استراتيجية التعليم وحدها دون ادماجها في بعملية خلق المنظومة الأخلاقية المثالية التي من شأنها ان تكون الملازم الناجح لاستراتيجية التعليم لتحقيق التنشئة الإيجابية المطلوبة ولتحقيق الأهداف التي يرسمها النظام السياسي ولكن بشرط أن تكون هذه المنظومة الأخلاقية وفق ما يتفق مع الثقافة العامة والعرف الذي يُؤمن به المجتمع والطابع واللون الذي يميزه عن غيره من المجتمعات، لتحقيق النتيجة المطلوبة، وبما أن المجتمع العراقي مجتمع ذو طابع إسلامي، فلابد من اختيار المنظومة الأخلاقية ذات البعد الإسلامي الحقيقي غير المشوه، ليكون الصبغة الرئيسية والاساسية للمنظومة الأخلاقية التي يجب أن تدير أهم مؤسسة في النظام الاجتماعي، ألا وهي المؤسسة التعليمية ببعديها التربوي والتعليمي.
فالأخلاق والقيم كما نعلم هما الوعاء الحافظة والراعية للمؤسسة التعليمية ولا يتحقق أي نجاح لهذه المؤسسة ما لم يتم اقتران العلم بالأخلاق لأحداث آثار إيجابية تعم الأفراد والمجتمعات على حد سواء، فالعالم المخلص لعلمه في أي تخصص كان، متى تقيد بالأخلاق فإنه حتماً سيكون نافع لمجتمعه، لذا يجب تشجيع روح التنافس في طلب العلم المؤطر بالأخلاق كون إن العلماء بفطرتهم السوية وسجاياهم الحسنة تميل لهم نفوس الناس وتسعى إلى تقليدهم واتباعهم، وكما قال النبي الكريم محمد أبن عبد الله (ص): (إِنَّمَا بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخلَاقِ)، وهو أكثر من جسد صورة العالم المتخلق بأخلاق القرآن، وقد تبعه على ذلك النهج القويم آل بيته وممن حباهم الله من صحبه، لذا فأن الأخلاق تعتبر أساساً لجميع تعاملات البشر، وهي ما يميّز الإنسان عن باقي المخلوقات، ولذا ارتبط العلم بالأخلاق ارتباطاً وثيقاً فالعلم النافع لا يقوم إلا بأخلاق حميدة، ولا ينتشر إلا بصفاتها النبيلة.
فحين نشتقرء التاريخ نجد أن سيرة علمائنا الماضين كانت مفعمة بالأخلاق الحميدة، فتزكو في صورها وترقى في ابعادها ونتاجها لتكون مفخرة طالبي العلم وأمل سعيهم، كون طالب العلم يتعلم من معلمه الاخلاق قبل العلم، ليتكامل في شخصيته أدب المتعلم ويترسخ عنده ما ينهله من علمه، فالعلم بلا خلق كالسلاح الخطر قد يؤذي صاحبه ومن حوله إذا استخدمه دون تعقّل وحكمة، فيكون فيه الهلاك والانحطاط، وهكذا تنهار المنظومة العلمية والقيمية في آن واحد، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
*********
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلاً
فريادة الأمم وعلو شأنها لا يتم الا باقتران العلم بالأخلاق، ولتجرد العلم من الأخلاق والقيم آثاراً وخيمة تعود على المجتمع والدولة، وبالتالي ستنعدم ثقة الناس بحامل العلم، فوجود مدرس يُؤثر نفسه على غيره على حساب الاخلاق والمبادئ ويضحي بقيمه من أجل مصلحته الشخصية، او إنه يقتل روح الهمة والتنافس لطالب علم خوفاً من يكون منافساً له في التخصص أو في الوظيفة، حتما سيرسم صورة سوداوية لمستقبل البلد، وهذا ما نراه للأسف كظاهرة مستفحلة في بلدنا، بعكس البلدان الأخرى التي تحتضن الساعين لطلب العلم وتزودهم بالمهارات اللازمة لتطوير أنفسهم وتنمية ذواتهم، وتذلل لهم الصعوبات والعقبات التي تعترض طريقهم، وتضع لهم كافة التسهيلات لبلوغ مرادهم.
ويعزوا المتخصصون تنامي هذه الظاهرة في العراق الى وصول عدد من أصحاب الشهادات (...) الى مناصب مهمة في المؤسسات العراقية دون كفاءة علمية ولا يتحلون بأخلاق المهنة، إذ كان وصولهم عن طريق العلاقات المشبوهة أو الأساليب الملتوية، فضلاً عن القوانين والتعليمات القديمة التي لا زالت وزاراتنا متمسكة بها على الرغم من اعاقتها وعدم جدوتها، كونها صنيعة النظام الصدامي الفاشي الذي اراد اخضاع كل الطاقات العلمية والمهنية لأرادته، وعلى اثره سارت الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003، مما أدى الى تراجع في المستوى العلمي والوظيفي في أغلب المؤسسات العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر