الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة المجنونة

ساطع راجي

2020 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


اعلى كثرة ضحايا نظام صدام لم تسجل حالات لجوء الى القضاء من قبل الضحايا او من قبل ذويهم بتوجيه اتهامات مباشرة الى مسؤولين أمنيين وحزبيين واداريين بعينهم بالمسؤولية عما لحق بهم من اضطهاد واحتجاز وتعذيب ووشاية وتهجير بإستثناء المجموعة القيادية للحزب والدولة في المحاكمات القليلة المشهورة.
لقد تم إلتزام صمت مطبق من قبل عشرات آلاف الضحايا الذين تسجلوا في المؤسسات المسؤولة عن تنفيذ العدالة الانتقالية التي تم حصرها تحديدا في فكرة التعويض المادي بينما تم تجاهل تحقيق العدالة الشخصية بالاقتصاص من الجاني او العفو عنه بعد تشخيصه وفضح الاساليب التي اعتمدتها الاجهزة القمعية وافرادها في الاضطهاد والتعذيب سواء بأوامر رسمية او باجتهادات شخصية وهكذا تم تجاهل أيضا الدعاوى والاتهامات والوشايات الكيدية التي أرعبت المجتمع لـ35 سنة وتم تقديم قيادات قليلة من نظام صدام كشياطين بالمعنى الحرفي أي انهم يوقعون الأذى والالم ويرتكبون الجرائم بلا وسائط ولا ادوات.
إذا كان لبعض الأفراد مخاوفهم من الدخول في مشاكل ومواجهات شخصية في ظل ضعف سلطة القانون وخلال موجة الارهاب بعد 9 نيسان 2003 فإن العذر ليس متاحا للجميع فهناك من يعيشون في الخارج او في ظروف امنية جيدة والأهم ان الاحزاب التي تتبنى الدفاع عن ضحايا صدام وبالأخص الاحزاب التاريخية المعروفة لم تسلك في اتجاه فضح المجرمين كأفراد أي خطوة وبقيت تتحدث لسنوات عن انتهاكات مارستها كتلة صماء وتطالب في مقابلها بتعويضات من الاموال والمناصب واستخدمت ما تعرض له مواطنون عراقيون من آلام ومآس في عملية ابتزاز ضد مواطنين عراقيين آخرين، ولم تهتم يوما بفضح جلاد واحد إلا إذا صادفت مشكلة مع شخص في منصب او قرار فهي تهرول لنبش ماضيه عسى ان تجد ما يكفي لإزاحته عن طريقها.
يتحدث ساسة ونشطاء كثر عما حل بهم على ايدي النظام السابق بإستمرار لكنهم يرفضون الافصاح عن اسماء منفذي الانتهاكات ضدهم، العذر العام والفردي هو تجنب الفتنة لكن الحقيقة السياسية والحزبية تحديدا هي عكس ذلك، فبعد سقوط صدام حدثت تصفيات بلا محاكمة طبعا لبعض الحزبيين والامنيين، لكنها بالمجمل لا تشكل الا ظاهرة عابرة في مثل تلك الظروف بينما لم يعرف العراق محاكم مثل التي اعقبت سقوط كثير من الانظمة بما فيها أنظمة عراقية سابقة، وعموما لا يمكن الثقة بالترفع الذي تبديه القوى السياسية تجاه مرتكبي الجرائم بحق آلاف الضحايا في حين ان هذه الاحزاب استغلت بشكل بشع كل شيء للحصول على تعويضات للضحايا.
ذريعة الحفاظ على السلم المجتمعي التي تلجأ إليها القوى السياسية في تجاهل تحقيق العدالة الفردية، هي ذريعة وهمية فهذه القوى السياسية حفرت خندقا كبيرا فصلت فيه المجتمع الى فئتين كبيرتين، الجلادون والضحايا، واستخدمت الخندق في الفتنة المجتمعية والتحريض والتنكيل والابتزاز والاقصاء والتمييز وما ترتب على ذلك من جرائم ومشاكل وانقسامات هي اقل مما تكلفه العدالة الفردية، حتى تمكنت الاحزاب في النهاية من تأسيس مجتمعها الخاص، مجتمع الضحايا الذي لم يعد معرضا للتهديد من قبل صدام واجهزته القمعية وانما هو اليوم مهدد من قبل الفئة الاكبر من المجتمع بحسب خطاب الكراهية الجديد الذي تتبناه قوى السلطة، وهذا التهديد يتمثل برفض المجتمع للامتيازات والاستثناءات التي يرى جزء من المجتمع انها غير عادلة بينما كانت القوى السياسية قد وضعتها للتهرب من العدالة الحقيقية لأن هذه الاخيرة تعني انتقال مسؤولية الجرائم الى أفراد بعينهم عملوا مع النظام وان بقية المجتمع ليس مسؤولا بالضرورة عن تعويض كل الضحايا ما دام المجرم موجودا بعينه في قفص الاتهام، وهذا في كل الاحوال لا ينسف مسؤولية الدولة عن توفير الحياة اللائقة لكل مواطنيها وبالاخص الضحايا.
لقد رفض زعماء الاحزاب، الكرد كانوا سباقين في ذلك بعد 1991، فكرة القصاص الشخصي او العدالة الفردية فهذا المسار يهدد تماسك المكونات، العدالة الفردية ستنسف أو تضعف فكرة اضطهاد قومية لقومية أخرى أو طائفة لطائفة أخرى وبالتالي تنسف صخرة المكونات التي قام عليها النظام بعد 2003 والاخطر انها ستفضح العلاقات العائلية والمصالح المتداخلة بين نظام صدام وقيادات المعارضة وتفضح شبكات التجسس والوشاية وتنقلات الاشخاص من صفوف السلطة الى المعارضة وبالعكس، في الحقيقة كنا سنقف وجها لوجه أمام بشاعاتنا الاجتماعية والاخلاقية لتخرج شيطان كثيرة تقف الى جوار صدام، شياطين من مواقع واماكن يفترض المجتمع انها تنتج ملائكة.
تأسيس مجتمع للضحايا يواجه المجتمع الآخر يكلف اموالا بالطبع، أموال من خزينة الدولة، وطبيعة النظام الحالي لا تسمح بخروج أي اموال الا بعد تقسيمها بين قوى المكونات، هكذا حصل الجميع على تعويض، الجلاد والضحية الحقيقي والضحية المزيف والحكام الفاشلون، أي عدالة مجنونة هذه؟!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟